تشهد العاصمة الصومالية “مقديشو” هذه الأيام حركة محمومة نحو الاستيلاء على الأراضي العامة التي كانت تمتلكها الدّولة، والتي صارت في العقود الثلاثة الماضية من غياب الدّولة القوية الصومالية، مأوى لملايين أبناء الشعب الصومالي الّذين استقروا فيها لأسباب وأساليب مختلفة، لكنهم يهجّرون الان منها بقوة السلطة القائمة.
وتشير التقارير إلى أن هذا الاستيلاء يتم عبر بيع الدّولة لهذه الأراضي لرجال أعمال، ومساومة مسؤولين حكوميين على صفقات ومواقف سياسية، الأمر الّذي أثار موجة من التساؤلات القانونية والشرعية لهذه الخطوة.
أصدرت اللجنة العلمية لجماعة الاعتصام بالكتاب والسنة -إحدى الجماعات والحركات الإسلامية النشطة بالصومال- في الـ 21/ديسمبر-كانون الأول/2024م، فتوى بشأن بيع وشراء أملاك الدّولة، وذلك جوابا على سؤال مقدّم من جمعية المنهل الخيرية “مفاده أن الجمعية تريد بيع أرض موقوفة لها ثم شراء تلك الأموال بأرض مملوكة للدّولة بغرض استخدامها للمشاريع الخيرية للجمعية، مضيفة بأن الإجراءات المتبعة لبيع أملاك الدّولة حاليا قد يقع فيها بعض المخالفات القانونية، بالإضافة إلى ما يكتنف هذه العملية من الغرر الّذي قد يؤدّي إلى مصادرة الحكومات القادمة للأرض”.
وكان جواب اللجنة عن هذا السؤال، يتكون من شقّين: حيث إن الشق الأوّل، ذكرت فيه اللجنة أن للدّولة شخصيتها الاعتبارية المستقلة، بحيث يحقّ لها امتلاك الأموال وبيعها وغير ذلك من المعاملات، ويصح بيعها وشراؤها إذا توفّرت فيه الشروط المعتبرة لصحة البيع.
وفيما يخص سؤال الجمعية، قررت اللجنة عدم السماح للجمعية بالانخراط في هذه المعاملة لما يشوبها من فساد وشبهات، كتشجيع الفساد الإداري والمالي ودفع الرّشوة للحصول على هذه الأراضي، ولكون هذه الأموال لا تدخل في الخزينة العامة، كما هو شائع بين الناس… ولما فيها من تلطيخ لسمعة الدّعوة المفضي إلى الوقوع في أعراض الدّعاة والتّحدّث عنهم بسوء… ولما فيها من الغرر قد يؤول إلى مصادرة الحكومات القادمة للأرض المشتراة لما يشوبها من المخالفات الشرعية والقانونية والإجرائية، ما يؤدّي إلى ضياع أموال الجمعية وهدرها فيما لا تؤمن عقباه.
من جانبهم، أصدر كل من السيد شريف شيخ أحمد، الرئيس الصومالي الأسبق، السيد حسن علي خيري، رئيس وزراء الصومال الأسبق، والسيد عبدالرّحمن عبدالشكور ورسمي، عضو مجلس الشعب بالبرلمان الفيدرالي الصومالي الحادي عشر، في الـ4/يناير-كانون الثاني/2025م، بيانا صحفيا مشتركا، يحذّرون فيه رجال الأعمال من شراء الأراضي العامة، لما في ذلك من مخالفات صريحة لبنود دستورية وجميع التشريعات المتعلقة بمنح وبيع المرافق العامة وتغيير طبيعتها، ولما في ذلك من مجافاة للعدالة والمساواة في فرص الحصول على هذه الأراضي والاستفادة من منافعها، وضمان حقوق ملكية هذه الأراضي وتسجيلها، وغير ذلك من المخالفات القانونية.
وبناء على ذلك، حذّر الساسة في بيانهم، رجال الأعمال الّذين بيعت إليهم أراضي المصلحة العامة بطريقة غير قانونية، وغيرهم ممن منحت لهم هذه الأراضي ارتشاءً أو لأسباب أخرى، عدم الاغترار بملكية أراضي الدولة وتملكها.
وذكر الساسة في بيانهم، أن كل من ابتاع أو اشترى أو دُفع إليه كهبة أو رشوة لبعض من أملاك الدّولة، بطرق غير قانونية، أنه يمتلك مالا عاما حراما، وأن كل من تورّط في بيع أو هبة أو تغيير طبيعة أملاك الدّولة بطريقة غير قانونية، يكون مجرما سيحاسب عليه وفق القوانين المحلّية والدّولية.
يبدو أن فتوى العلماء وإن كانت خاصة بجواب سؤال خاص موجه إليها، وبيان الساسة والمسؤولين الصوماليين المعارضين، يتّفقان على ما يشوب هذه الخطوة من مخالفة لقوانين البلاد وتشريعاتها، فضلا عن ما فيها من الغرر المؤدّي إلى ضياع الأموال، إذ لا ضمان بملكية هذه الأراضي لمشتريها أو الحاصلين عليها عبر هذه الصفقات “المشبوهة”، بحيث يمكن للحكومات القادمة مصادرة هذه الأموال.
يذكر أن الحكومة الصومالية لجأت إلى هذه الخطوة -حسب تقارير إخبارية محلية- محاولة منها للخروج من الضائقة المالية التي تعانيها، عقب تخفيض المجتمع الدّولي دعمه لميزانية الدّولة، غير أنه لم تصدر الجهات المعنية -حتى الآن- تصريحات وافية حول هذه القضية التي أصبحت حديث الساعة في العاصمة الصومالية “مقديشو” وغيرها من مناطق البلاد.