تفاجأ الجميع بانسحاب القوات الإفريقية ومعها القوات الصومالية من مدينة مركا عاصمة إقليم شبيلي السفلى دون أسباب أو دوافع معلنة وراء هذا الانسحاب إلى الآن، فالحكومة الصومالية لم تصدر أية تصريحات تجاه هذا التطور الخطير بينما نشرت قوات أميصوم على موقعها في تويتر منشورا مكتوباً تقول فيه: إن هذ الخبر افتراء يروجه أعداء الصومال، وأن المدينة مازالت تحت إدارتهم. في الوقت الذي يروي فيه سكان المدينة أن مليشيات تابعة لحركة الشباب رافعة أعلام الحركة تتمركز في المواقع التي غادرتها القوات الصومالية والإفريقية وتقوم بدوريات وتجولات داخل المدينة لتعزيز وجودها. ونشرت في المواقع الإعلامية صور لمسلحين ملثمين من حركة الشباب يتجولون في شوارع مدينة مركا.
أهمية مدينة مركا:
مدينة مركا الساحلية المطلة على البحر مدينة تاريخية عريقة بها مرفأ هام وتحتل موقعا استراتيجيا، وهي عاصمة محافظة شبيلي السفلى، وتبعد عن العاصمة أقل من مائة كيلو متر إلى الجنوب، وكانت المدينة قد دخلت تحت سيطرة الحكومة الصومالية عام 2012 بعد معارك عنيفة خاضتها بمساعدة القوات الإفريقية ضدّ حركة الشباب. لكن يبدو أن هذا الجهد يذهب سدي بعد أن قامت هذه القوات المتحالفة بالانسحاب المفاجئ ليلة الجمعة.
أسباب ودوافع وراء هذا الانسحاب:
الأسباب كثيرة ومهما تعدت الأسباب فالانسحاب واحد، لكن السبب الأساسي الذي لا ينكره أي عاقل هو غياب معنويات الجيش الصومالي الذي لا يحصل من الحكومة على أبسط حقوقه. لذا كل تراجع عسكري يواجه الحكومة في مركا وفي غيرها مرده هو هذا السبب.
أمّاالقوات الأفريقية التي تعتبر أفضل رعاية ووضعاً فليست لديها الرغبة في البقاء بمفردها في مثل هذه المناطق التي يكثر فيها تهديد عمليات من حركة الشباب. ومن ثم جاء الانسحاب أيضا من قبلهم، كما يوحي توقيت هذا الانسحاب من قبل القوات الإفريقية حيث جاء متزامناً مع القرار الصادر من الاتحاد الأوروبي في حقها بخفض الاتحاد 20% من الدعم المخصص للقوات الإفريقية الموجودة في الصومال، يوحي ذلك بأن هذه الخطوة قصد منها إرسال رسالة احتجاج مفادها التعبير بالرفض الفعلي لهذ القرار الصادر من الاتحاد.
على عاتق من تقع مسؤولية هذا الانسحاب؟
لاشك أن مسؤولية هذا الانسحاب تقع أولا وأخيرا علي عاتق الحكومة الفيدرالية وإدارة إقليم جنوب غرب الصومال، فالحكومة الفيدرالية تتحمل هذه المسؤولية لأسباب عدة:
أولها: أن الحكومة الفيدرالية لا تقوم بواجبها تجاه جيشها بصرف رواتبهم كاملة وفي موعد محدد؛ فأفراد الجيش يشعرون بالضجر والتذمّر من الرواتب التي لم تعد يمكن الاعتماد عليها لإدارة شؤون أسرهم. ليس لتدنيها فحسب بل لتأخرها وعدم صرفها مطلقاً طيلة شهور، وكونها منقوصة في حالات صرفها. ولا تبرر هذه الحالة من الحكومة أنها هي نفسها ضعيفة وعاجزة تعتمد علي غيرها، فما يحصل ليس بسبب الجهات الداعمة بل بسبب للفساد الإداري والمالي في أجهزة الحكومة التي تفرط في القيام بهذا الواجب الأساسي في نفس الوقت الذي تصرف فيه أموالا باهظة في مشروعات وبرامج شخصية أو كمالية. وبالتالي فإن أي تفريط من الجيش يكون ردة فعل على هذا الإهمال.
ثانيها: كون المنطقة تعاني أصلاً من تهميش من قبل الحكومة، ترى وأنت تتابع تصرفات الحكومة الفيدرالية بأنها تبدي اهتماما بالغا ببعض المناطق. وتتعامل بإهمال شديد مع مناطق أخرى.
مركا من المناطق المهملة أصلاً، والدليل على ذلك أن المدينة في الآونة الأخيرة كانت تشهد صراعات قبلية، والحكومة لم تحرك ساكنا وكان دورها أدنى من المستوى المطلوب. إذا فلا عجب أن تضيف الحكومة إهمالا آخر إلى إهمالها.
وإدارة إقليم جنوب غرب الصومال قسيم الحكومة في المسؤولية إن لم تكن بقدر أكثر لكونها المسؤولة المباشرة عن المنطقة. والغريب أنها لم تحرك ساكنا ولم تبد حتى مجرّد تطمينات سياسية بأن العمل جار للقيام بشيء ما. مما يضع جدية وصدقية هذه الإدارة على المحك، ويجعلها عرضة للاتهام بأنها لا يهمها سوى جباية الضرائب والمكوس والبقاء على الكراسي والحفاظ على الظهور الدائم في المشهد السياسي. خاصة أنهم منهمكون في استعداداتهم للمرحلة القادمة بعد الانتخابات لذا شغلهم الشاغل الآن هو جمع الاموال وكسب الولاءات التي تمكنهم من الوصول إلى غايتهم. وليس عندهم أي استراتيجية للحفاظ على المنجزات الوطنية والمصلحة العليا. دعك من حديث الأمن العام والتنمية والتطوير وتوفير الخدمات الاساسية للمجتمع.
ومهما كان فإن هذا الأمر يمثل تحدّياً أمنيًّا خطيرا وانتكاسة في وقت كان يتحتم على الحكومة الصومالية أن تتسرع فيه إلى استعادة المناطق خارج سيطرتها. ويدل هذا الحدث أيضا على واقع الوضع السياسي المضطرب الذي تتعقد فيه ملفات سياسية كثيرة تحتاج مزيدا من الوقت والجهود.
أحداث مماثلة لهذ الحدث:
ليس هذا الحدث الوحيد أو الأول من نوعه، بل هو يأتي في أحدث حلقات سلسلة أحداث كثيرة مماثلة، فنفس الأحداث وقعت في إقليمي جيدو وجوبا السفلي حيث غادرت القوات الكينية كثيرا من المواقع والمدن التي كانت تتمركز فيها إثر حادثة عيل عدي وحركة الشباب بدورها ملأت الفراغ. وقبل فترة انسحبت القوات الأفريقية من مواقع لها في جنّالي وليغو بعد تعرض هذه المواقع لهجمات نوعية مباغتة من حركة الشباب. لكنّ ما يميز هذا الانسحاب أنه جاء بعد فترة من هدوء العمليات التي تستهدف القوات الأفريقية من قبل حركة الشباب في مركا. وأن القوات الصومالية هي التي بدأت في الانسحاب.
ماهي الرسائل التي يحملها هذا التطور:
هذه الخطوات من قبل حركة الشباب تبعث رسائل مفادها ان الحركة ما زالت قوية ومتماسكة بحيث تعاود الظهور في أكثر من مكان على امتداد محافظات البلاد، وأن الحركة لم تتأثر بالهزائم التي منيت بها أمام القوات المتحالفة في كثير من المواقع التي كانت تسيطر عليها وفقدانها القيادات الروحية. وهذا التنامي هدفه أيضا إظهار أن الحركة لم تتأثر بالانشقاقات التي ترويها وسائل الإعلام كثيرا بأن قطاعا واسعا من أفراد الحركة وقياداتها التحقوا بصفوف تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش).