يقال—والعهدة على الراوي—إن وزيرا في عهد سياد بري برز كظاهرة ميلودرامية نادرة. لم يكن مجرد مسؤول حكومي عادي، بل أشبه بممثل بارع في مسرحية طويلة، يتقن تبديل المشاعر كما يبدل أحدهم قميصه في يوم قائظ.
يحكى أن معاليه، توفاه الله، امتلك قدرة فريدة على إسقاط دمعة حزينة على خده الأيمن، بينما يبتسم بعفوية على خده الأيسر. تفوق في التمثيل على مورغان فريمان، لكن الفارق أن الأخير يؤدي أدواره أمام الكاميرا، بينما معاليه عاش الدور في واقع السياسة بلا كاميرات ولا مونتاج، مستمرا في المشهد ذاته سبعة عشر عاما دون انقطاع.
أتقن لعبة التناقضات، فبكى على حال الفقراء وضحك في حضرة الأقوياء. حين استدعت اللحظة التأثر بـ”الوضع الصعب”، مسح دمعة، ثم أطلق بعدها قهقهة عميقة على مائدة فاخرة، وكأن شيئا لم يحدث. عرف متى يسقط على ركبتيه توسلا، وكيف ينهض سريعا عند اقتراب ساعة تقاسم النفوذ.
إذا كان مورغان فريمان قد حصد جوائز الأوسكار، فقد نال معاليه امتياز البقاء في منصبه حتى صار جزءا من ديكور السلطة، أشبه بقطعة أثاث أنيقة تثير إعجاب ماما خديجة، حرم الرفيق سياد بري.
والطريف أن أحدا لم يتمكن من فك شفرة مشاعره. تحدث بنبرة حزينة، وحين انتهى كلامه، لم يخرج الحاضرون بأي شيء ذي معنى. بدا كأحد السحرة الذين يسحبون الأرانب من القبعات، لكنه أخرج قرارات وزارية من جيب بدلته الأنيقة.
انتهت المسرحية كما تنتهي كل المسرحيات السياسية. غادر الوزير، وبقيت الوزارة تنتظر نجما جديدا يجيد فن البكاء والضحك في آن واحد. أما الجمهور الحالي المفتون بشرب الكابوتشينو بلبن الإبل، فلا يفرق بين التراجيديا والكوميديا. وعلى أي حال، السياسة والميلودراما وجهان لعملة واحدة.