من نيروبي إلى لندن ” كيان يواجه نفسه”

تكاد تكون رؤية الأطراف الدولية لكيان وقيادة مليشيا الدعم السريع اليوم موحدة وإن تجاهلتها بعض تلك الأطراف ضمناً، ولكن ذلك لا ينفي قناعتها التي تلخصت في حقيقة واحده مفادها أن الدعم السريع لا يستمد بقاءه من الداخل السوداني، وإن كانت تلك الحقيقة شابها الإلتباس في عهد الإنقاذ فإن معركة الكرامة التي بدأت فصولها في إبريل 2023 جاءت لإجلاء ذلك وتبيانه، وهذا ما أدركته مؤخراً قيادة المليشيا وكافة منتسبيها، وهو ذاته ما يفسر الرعونة السياسية التي ظهرت بها المليشيا في نيروبي وأروقة لندن.

الإرتباك الذي أحاط بوفد مليشيا الدعم السريع وهم تحت قبة البرلمان البريطاني لم يكن خافياً على أعضاءه، ويكفي المرء منا أن يقرأ التيه الذي ظهر في مُقلة مستشار قائد المليشيا “عمران عبدالله” وهو يحاول عبثاً إخفاء ما أبدته ملامحه، فإنعكس ذلك على تصريحه الذي أدلى به بالدارجية السودانية “الحكومة دي إنولدت بأسنانها” في دلالة واضحة على تمني ما لا يطال، وما زاد الموقف أسى هو إعلان “عمران” بأنهم سيتوجهون إلى الولايات المتحدة الأمريكية والإتحاد الأوروبي لإضفاء صبغة شرعية على كيان لم يحظى بإهتمام الإعلام في تلك الوجهات الدولية التي قصدوها، ولا أعلم إن كان السيد عمران مُدركاً كفاية لقواعد الإستراتيجيات الأمنية والإستخباراتية في المخيلة الغربية خاصة فيما يتعلق بالقارة الإفريقية.

جولة وفد مليشيا الدعم السريع  التي بدأت في لندن والمزمع إستكمالها لبعض العواصم الغربية، أراها شبيهة للجولة التي قام بها قائد المليشيا ‫”حميدتي”  لبعض دول‫ الشرق الإفريقي في يناير ٢٠٢٤، جولة مدفوعة الثمن لمن إستقبلوه ولكنها قطعاً لا تؤسس لمرحلة سياسية قادمة في ‫السودان، وهذه حقيقة يدركها منتسبي وكوادر المليشيا رغم تدني وعيهم السياسي، فمعظم العناصر التي أقدمت على الإعلان عن تشكيل حكومة موازية يدركون أنهم لا يمتلكون من المقومات والقبول ما يؤهلهم للإقدام على هذه الخطوة، خاصة أن إنعكاسها على الداخل السوداني لن يكون له كبير أثر، ونهايته مرئية، ولا تحتاج لكثير جهد لتفسيرها، ولكن تطورات الميدان العسكري والسياسي السوداني الأخيرة والتي لا تتوافق مع مساعي المليشيا ومنتسبيهم تدفعهم إلى ما هو أكبر من ذلك.

جاءت زيارة وفد مليشيا الدعم السريع إلى البرلمان البريطاني متزامناً مع قرب عقد إجتماع  في مجلس الأمن حول الأزمة السودانية في مارس القادم، اللافت للنظر في هذا الحراك أن بريطانيا بقيادة رئيس الوزراء “كير ستارمر” تسعى لإحداث تغيير في الطرح الدولي للأزمة السودانية، حيث تعتقد بعض الأطراف الدولية بأنها وبعد قرابة العامين على الأزمة السودانية قادرة على إرجاع عقارب الساعة إلى الوراء بعد تقدم العمليات المسلحة التي يقودها الجيش السوداني لتحرير أراضيه، ظناً منها بأن الإنطباع الذي سجلته التقارير الأممية حول زيارة وزير الخارحية البريطاني “ديفيد لامي” في يناير الماضي إلى معبر أدري الحدودي بين السودان وتشاد، وعزمها على إرسال وفداً أممياً إلى بورتسودان قريباً لمناقشة الأزمة ووضع اللاجئين السودانيين في دول الجوار سيضمنان لها فرض واقعاً جديداً سيؤتي أكله ويقطع الطريق على سير الوجهة النهائية التي باتت تلوح في الأفق لسودان جديد بلا مليشيات.

أهم ما يجب على الخرطوم الإنتباه له والعمل عليه في المرحلة القادمة من الحراك الدولي القادم الموجه لها هوما يلي :

•       تكثيف العمليات العسكرية لفرض سيطرة الجيش السوداني على العاصمة الخرطوم وضواحيها، وتوسيع رقعة المناطق المحررة وإبراز ذلك إعلامياً وبصورة مكثفة، خاصة أن عودة النازحين السودانيين إلى ولاياتهم بعد بسط سيطرة الجيش في تلك الولايات ألجم أصواتاً كانت حتى عهد قريب لا هم لها إلا التشكيك في مؤسسات الدولة الوطنية السودانية، وكبح جماح أطرافاً خيل لها أنها ستسعى لمرادها دون عقاب.

•       المضي قدماً في تطبيق إستراتيجية ضبط النفس، والإمعان فيها، وإعتبارها رداً مناسباً لمهرجانات “تسول الشرعية” التي تقودها مليشيا الدعم السريع في بعض الدول، فمن الطبيعي أن تقوم بعض الأطراف الدولية بالحديث حول مألات الحكومة الموازية، وقد تظهر أصوات داعمة لها، ولكن كل ذلك لن يخرج خارج إطار الحرب النفسية الساعية إلى التأثير على تقدم العمليات العسكرية للجيش السوداني، فالدعم السريع قريباً سيكون في مواجهة مع نفسه نتيجة لإفتقاره إلى علم إدارة الدولة، وألية تنظيمها السياسي، وجهله بالعقيدة الوطنية التي تتأسس عليها كافة الكيانات الوطنية.

•       دراسة ملف “Anneliese Dodds” وزيرة التنمية  البريطانية التي تم إختيارها لقيادة الفريق المزمع إرسالة إلى بورتسودان، فهذه المرأة لها خلفية محدودة في الملفات الإفريقية، صحيح أنها نشطت فترة في ملفات الشرق الإفريقي، وزارت إثيوبيا وجنوب السودان في وقت سابق، إلا إنها لم يتم تعينها سفيرة لبلادها في إحدى الدول الإفريقية مثلاً، ونشاطها السياسي كان محصوراً ما بين وزارة المالية إلى شؤون المرأة والمساواة، فهي تفتقر للمعرفة الكاملة حول الأزمة السودانية، وتاريخ دول الجوار الإقليمي للسودان بشكل دقيق، وكل ما يؤهلها هو أنها عضو في فريق “Ray Collins” وكيل وزارة الخارجية البريطاني للشؤون الافريقية، والمتطلع إلى لعب دور سياسي أمني في السودان والشرق الافريقي.

د.أمينة العريمي

باحثة إماراتية في الشأن الإفريقي

د.أمينة العريمي

أمينة العربمي باحثة إماراتية في الشأن الأفريقي
زر الذهاب إلى الأعلى