لا أعلم إن كان الذكاء الاصطناعي هو أعظم ما ابتكرته البشرية أم مجرد وهم آخر في سباق التطور التكنولوجي. لكنه، على أي حال، أصبح واقعا يفرض نفسه، شئنا أم أبينا. وككل تقدم تكنولوجي، يثير الخوف والإعجاب معا، يحمل وعودا عظيمة بقدر ما يحمل تهديدات خفية.
منذ أول لقاء لي بهذه الآلة، لم أشعر بالحماس الذي أبداه الآخرون. أردت أن أختبرها، أن أفهم كيف “تفكر”، إن كانت تفكر أصلا. طرحت عليها أسئلة معقدة عن العدالة، عن جوهر الحرية، عن مصير المجتمعات التي تديرها الخوارزميات. لكنها لم تجبني إلا بلغة باردة، تعتمد على البيانات والنماذج، لكنها تفتقر إلى الروح. بدت كآلة مبرمجة على تكرار ما قيل سابقا، دون أن تضيف شيئا جديدا أو تلامس جوهر المعنى.
حدثني أصدقاء عن هذه الآلة العجيبة التي يرون فيها معجزة العصر، أداة قادرة على تحليل الملايين من البيانات في ثوان، مما يجعلها في نظرهم أذكى منا جميعا. هم خبراء في التكنولوجيا، يعرفون أكثر مني خفايا توجيه هذه البدعة. لكن رغم ذلك، لم يغير حديثهم إحساسي بأن الذكاء الاصطناعي مجرد آلة تكرر الأنماط، دون وعي حقيقي أو إدراك للمعنى. كنت أرى فيه فراغا خفيا، ذكاء بلا وعي، منطقا بلا شعور. لا يشكك، لا يتردد، لا يختبر الإحتمالات الجديدة، فقط يستنتج مما هو متاح، ويعيد إنتاجه بطريقة تبدو محكمة لكنها ليست مبدعة.
ولكي أقطع الشك باليقين، قررت أن أضعه أمام مسألة أعرف تفاصيلها تماما، مسألة لا تقبل الخطأ. أجاب بثقة، لكنه أخطأ. وعندما صوبت له الخطأ، اعتذر ببرود، كأنه لم يدرك فداحة الأمر، كأن الحقيقة ليست ذات أهمية بالنسبة له. هنا، لم أشعر بالانتصار على آلة لا تعي خطأها، بل أدركت حجم الفجوة بين الذكاء الاصطناعي والعقل البشري.
كنت أبحث عن أداة تساعدني على التفكير، لكنها لم تفعل. كنت أريد شيئا يحفزني، يلهمني، لكنه لم يكن سوى آلة تتبع الأنماط، عاجزة عن إدراك الفكرة التي لم تقل بعد. يمكنه أن يحلل، لكنه لن يشعر. يمكنه أن يتنبأ، لكنه لن يحلم. يمكنه أن يجيب، لكنه لن يعرف أبدا كيف تغير الإجابات حياة البشر.
ربما الذكاء الاصطناعي ليس بدعة، لكنه ليس معجزة أيضا. إنه يذكرنا بأن الذكاء الحقيقي ليس في سرعة الحساب، بل في عمق الفهم. ليس في دقة الإجابة، بل في القدرة على التساؤل. ليس في التنبؤ، بل في الحلم. السؤال ليس عن مدى تطور الخوارزميات، بل عن مدى احتفاظ الإنسان بقدرته على رؤية ما لا تراه الآلات، والشعور بما تعجز عن إدراكه الحسابات.