المقدمة
سقوط غرناطة عام ١٤٩٢م آخر قلاع الإسلام في الأندلس في حرب الاسترداد المسيحية، وما تلاها من تناقص أطراف أراضي المسلمين في المغرب وشرق إفريقيا والهند، وسيطرة البرتغال على المحيط الهندي والبحر الأحمر، لم تكن إلا مقدمة للغزو الأوروبي على العالم الإسلامي وتمزيقهم الي دويلات، كما كان سقوط الخلافة العثمانية آخر حبل يربط بين المسلمين نعيا علي وحدة المسلمين السياسية ونهاية الخلافة الإسلامية التي استمرت زهاء ١٣٠٠عاما، وأصبح تأثيرات هذه الحوادث وتداعياتها السلبية على منطقة القرن الإفريقي خاصة الطرف المطل علي البحر الأحمر وباب المندب كبيرة لأهمية موقعها الجغرافي والاقتصادي اذ كانت عبر التاريخ حلقة الوصل بين العالم الخارجي وإفريقيا وبوابة افريقيا الشرقية للعالم ولاسيما بعد فتح قناة السويس.
لكن وكما نص أهل العلم لا يخلو زمان من مجتهد يقوم لله بالحجة على خلقه، وينصر السنة وينكر البدعة. لقد شهد العالم الإسلامي أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين الميلادي عددا من حركات التحرر والإصلاح إبان الاحتلال الغربي الاستعماري لمعظم الدول الإسلامية، هذا الاحتلال لم يكن احتلالا عسكريا فحسب، بل كان أيضأ غزوا ثقافيا وفكريا، حيث حاول المحتلون فرض ثقافتهم ونظم حياتهم على المجتمعات التي احتلوها. وردا على هذا الغزو العسكري والثقافي، ظهرت في العالم الإسلامي حركات وشخصيات متعددة المشارب منها ما هو ذو توجه علماني يدعو الي ثورة إصلاحية وتحررية مبنية على افكار سياسية واجتماعية مستوردة ومستوحاة من الحضارات والثقافات الغربية تهدف إلى تحرير البلاد من الاحتلال الغربي بطرق سلمية او مسلحة. ومنها ما هو إسلامي إصلاحي يدعو إلى مواكبة التطورات العصر ودينامية الإصلاح السياسي والاجتماعي والثقافي الأوروبي في غلاف إسلامي دون اللجوء الي مواجهة مسلحة مع المستعمر والمحتل.
الي جانب هؤلاء برزت في المشهد شخصيات إسلامية ثورية ذو خلفية صوفية حملت أفكارا إصلاحية ونضالية مغايرة لما كان سائدا في ذلك الوقت، إذ كانت أغلب ثورات التحرر في العالم الثالث بما فيها الدول الإسلامية تتبنى افكارا ثورية يسارية شيوعية او ليبرالية. ومن هذه الشخصيات الاسلامية الثورية مهدي السودان، والسلطان على دينار في دارفور، وعمر المختار والحركة السنوسية في ليبيا، والسيد محمد عبد الله حسن في الصومال، وغيرهم من مختلف البلدان الاسلامية.
وفي هذه الدراسة نحاول تسليط الضوء على الفكر السياسي للسيد محمد عبدالله حسن أحد تلك الشخصيات الفريدة التي تركت بصمة واضحة وأثرا عميقا في تاريخ النضال الإسلامي المسلح نحو الاستقلال من الاستعمار الغربي ، ونناقش فيها طبيعة نضاله وما ذا كانت حركته حركة قومية أم دينية، وملامح أفكاره وتصوراته السياسية والاجتماعية وخصوصا فيما يتعلق بالعلاقة مع الحاكم المستعمر وإشكالية العلاقة مع القبائل من منظور مبدأ الولاء والبراء، كما نتناول في هذه الدراسة مفهوم السيد عن السيادة والعلاقات الدولية وتجديد الفكر الإسلامي.
أولا: السيد محمد عبد الله حسن …حياته ونشأته
واقع الحياة الاجتماعية والسياسية في الفترة التي ظهرت فيها دعوة السيد محمد عبد الله حسن في شمال وشرق الصومال، مثل باقي مناطق البدوية الرعوية في الصومال. كانت طبيعة الحياة بدوية يعيش الناس فيها حياة الترحال والتنقل، ويسود النظام القبلي في حياتهم الاجتماعية والسياسية، وكان رؤساء القبائل يمارسون السلطة السياسية والعسكرية، وتتولى كل قبيلة شؤنها بنفسها، ولم يكن هناك سلطة أو نظام سياسي جامعٌ لكل القبائل الصومالية او نظام حكم مركزي، ويحتكمون لحل الخلافات بين افراد القبيلة أو الخصومات والحروب بين القبائل الي الأعراف والتقاليد القبلية أو ما يسمى بـ”حير صومالي”، القانون غير المكتوب لدي القبائل الصومالية، واحيانا الى الشريعة الإسلامية. بيد أن هناك في بعض المناطق الساحلية خاصة الشرقية منها نظام سياسي شبيه السلطنة، بدائي الشكل مازال في طور النشأة والتطور مثل سلطنة مجيرتينيا وسلطنة هبيو. وتجدر الإشارة في هذا الصدد الى أنّ قبل دخول المستعمر الأوروبي في الصومال، فالمناطق الشمالية كانت تابعة للخلافة العثمانية عبر نائبها في اليمن، وفي عام ١٨٧٥ تنازل باب العالي مينائي زيلع وبربرة لصالح المصريين ، ولما تخلى المصريون هذين الميناءين بالإضافة إلى منطقة هرر بضغط من بريطانيا ، وقع البريطانيون معاهدة حماية مع زعماء القبائل في الساحل وفي الحواضر على وجه الخصوص، ولم يشمل نفوذ البريطانيين على المناطق الداخلية الرعوية التي ولد وترعرع فيها السيد محمد عبد الله حسن بعيدا عن التأثير الأجنبي المباشر.
ولد السيد محمد عبد الله حسن في أرض عيد-نغال على بعد سبعة أميال شمال مدينة بوهودلي حوالي ١٨٥٦م[1] من اسرة رعوية، ابوه الشيخ عبد الله حسن من قبيلة اوغادين وامه تميرو سَيْد مغن من قبيلة طل بهنتي، كعادة الصوماليين ففي السابع من عمره بدأ السيد حفظ القرآن الكريم، وختمه وهو في العاشر من عمره، وقد عُرف منذ صغره بالذكاء ورجاحة العقل، وفور انتهائه من حفظ القرآن الكريم بدأ دراسة العلوم الشرعية وهو في سن مبكر، عند الشيخ أبوبكر شيخ إبراهيم، ويقال أنه سافر الي مناطق عدة في الصومال وشرق أفريقيا طالبا للعلم، وفي الثلاثينيات من عمره سافر الي الحجاز لأداء مناسك الحج والعمرة ولتحصيل مزيد من العلم والمعرفة برفقة مجموعة من العلماء اكثرهم من ارض-نغال [2]. ومنذ طفولته كانت تبدو عليه دلائل الزعامة ومخايل الصدارة، اذ كان يميل الي قيادة الأطفال في ميادين اللعب ويهوي الفروسية.[3] .
[1] ويؤرخ د. عبد الصبور مرزوق مولد السيد في كتابه ثائر من الصومال ص ٢٢الناشر بيت المقدس، ٧ ابريل ١٨٦٤
[2] تاريخ السيد والدراويش لشيخ اوجامع عيسى ص ٤
[3] ثائر من الصومال لدكتور عبد الصبور مرزوق ص ٢٢