ان أزمة سد النهضة بين مصر وإثيوبيا تشهد تطورات خطيرة متسارعة ، وهي أزمة ذات طابع سياسي واستراتيجي بالغ الأهمية ، وعلى القوى الدولية الكبرى أن تتحرك بفاعلية للبحث عن حلول وتسويات عادلة لهذه الأزمة قبل أن تفاجئ بصراع قد يكون الأخطر والأكثر تأثيراً في القرن الحادي والعشرين. فقضية المياه تمثل تحدياً جدياً للأمن القومي العربي في العصر الراهن لا يقل خطورة عن تحديات الارهاب والأزمات الأخرى المتصاعدة في منطقة الشرق الأوسط .
إن هذه اللهجة التي اتسم بها الخطاب الإسرائيلي تدل على أن الأطماع الإسرائيلية في الأراضي العربية ما زالت قائمة، وأن حكام إسرائيل مهما اختلفت اتجاهاتهم السياسية، ما زالوا يمضون في تنفيذ المبادئ والأفكار الصهيونية التي نشأت منذ زمن، ولعل أهم ما تدعو إليه هذه المبادئ هو أن السيطرة على الأراضي يجب أن تكون مصاحبة للسيطرة على المياه، ولهذا فإن المحاولات الصهيونية لإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين كانت تقوم دائماً على المزج بين الخريطة المائية والخريطة الأمنية، أو بمعنى آخر كانت تضع مصادر المياه في اعتباراتها عند تخطيط الحدود.
لقد أثار الكيان الإسرائيلي ومازال هاجس الأمن المائي العربي – الذي هو جزء لا يتجزأ من الأمن القومي العربي – ولكنه لم يتبع أسلوب المواجهة المباشرة مع العرب في هذا الشأن لعدة أسباب منها أ) أن هذا الكيان يشارك في بعض أحواض الأنهار العربية – بشكل مباشر أو غير مباشر – مع أطراف عربية لا تزال في حالة حرب معه.
ب) أن القدرة العربية علي الردع لا تزال فعالة في مجال الأمن المائي بحكم مرور مسافة طويلة من الأنهار بأراضيه ، ولعلاقته القوية بدول الجوار ، وبالتالي يصعب استخدام هذه الورقة لتهديد العرب بشكل مباشر في أية مواجهة قادمة.
جـ) أن دول الجوار الاستراتيجي – أثيوبيا ، تركيا – وان كانت أهدافها الاستراتيجية تختلف مع الدول العربية المشاركة في أحواض الأنهار. إلا أن ما يربطها بهذه الدول أقوي مما يربطها بالكيان الإسرائيلي من علاقات جوار ومصالح حيوية وامن متبادل.
لذلك ابتعد الكيان الإسرائيلي من سياسة المواجهة المباشرة إلي استخدام أسلوب الحرب الباردة طويلة الأمد ضد العرب ، والتي لم تتضح خطورتها إلا في السنوات الأخيرة باستخدامه للدول الأخرى المشاركة في أحواض الأنهار العربية كخط هجوم متقدم ضد الدول العربية – حرب الإنابة – حيث تقوم دولة الجوار الاستراتيجي بإتباع استراتيجيات تتفق مع ما يطالب به الكيان الإسرائيلي تحت ستار مفان مشكلة المياه بإبعادها الاستيطانية الاستعمارية أساسا ، الاقتصادية هامشيا ، تصبح أكثر وضوحا وعلاقة بالأمن القومي للكيان الإسرائيلي. فالخط الأحمر الذي وضعه الكيان الإسرائيلي لمسألة المياه ، لا يقل خطورة
عما يمكن أن يؤدي إليه تحريك قوات أو أسلحة إلي مناطق منزوعة السلاح ، حيث عد هذا الكيان المياه موردا استراتيجيا من الدرجة الأولي ، وعد أي تهديد لمصادر المياه مؤديا إلي استنفار الجيش . مما سبق نجد إن هناك علاقة طردية بين تحقيق الأمن القومي للكيان الإسرائيلي من جهة ، وبين سيطرته ثم تحكمه في مصادر المياه في المنطقة من جهة أخري ، لان ذلك يحقق له أهدافه الاستراتيجية والقومية صالحها القومية وخططها التنموية
استغلت إسرائيل تقاربها مع أثيوبيا في عهد الإمبراطور هيلاسيلاسي وقامت بتوظيف هذه العلاقة من أجل تهديد مصر من زاوية المياه، لأن 85% من احتياجات مصر المائية تنبع من أثيوبيا، حيث بلغت حصة مصر من مياه النيل 55.5 مليار م3 ارتفعت إلى 70 مليار م3 عام 2000، ما شكل عجزاً مائياً بمقدار 14.5 مليار م3، أما السودان فحصتها 18.5 مليار م3، وتهدف السودان إلى زيادة مساحة الرقعة الزراعية من 4.5 مليون فدان إلى 9 مليون فدان،
وهذا يحتاج إلى 14.8 مليار م3، وبذلك يكون العجز المائي عند مصر والسودان 38 مليار م3 من المياه، وهذه الكمية لا يمكن تدبيرها إلا بعد الانتهاء من مشروعات أعالي النيل التي تتولاها مصر والسودان معاً.
وتلعب إسرائيل من خلال علاقتها مع أثيوبيا والدول الأفريقية في حوض النيل دوراً تحريضياً ضد مصر والسودان، بحجة أنهما تستهلكان كميات كبيرة من المياه دون الحاجة إليها على حساب الدول الأخرى وفي ضوء هذا التحريض سيطرت الشركات الأمريكية والإسرائيلية على معظم المشاريع المائية في المنطقة، وتولت الأبحاث العلمية الخاصة بموارد المياه، وأسفرت العلاقات الأثيوبية الإسرائيلية عن تهجير أعداد كبيرة من يهود الفلاشا،
كما قامت إسرائيل بإنشاء ثلاثة سدود مائية كجزء من برنامج أمثل يستهدف بناء 26 سداً على النيل الأزرق لري 400 ألف هكتار، وإنتاج 38 مليار كيلو وات ساعة من الكهرباء، وهذه المشاريع ستحرم مصر من 5 مليار م3 من المياه
إن الأطماع الإسرائيلية في المياه العربية هي جزءٌ من مخططاتِها لبناء دولتها الكبرى من النيل إلى الفُرَات، وحماية أمنها القَومِي من أي تهديدات عربية، كما أن هذه الأطماع هي شكلٌ آخر من أشكالِ الصراعِ العربي الإسرائيلي، فالمخطَّطات التي وضعها الاستعمار الغربي للمنطقة العربية يتم تنفيذُها حاليًّا من قِبَل إسرائيل خطوةً خطوةً؛ لتجزئة المنطقة العربية،
والاستيلاء على كل مصادر المياه العربية، في كل من: سوريان والأُرْدُن، والأراضي الفِلَسطِينية المحتلَّة، وجنوب لبنان، مما سيمنع من قيام أي مشروع نَهْضَوِي سياسي عربي ضد الأمن القَومِي لإسرائيل، وبالتالي سيكون التحكم الإسرائيلي ورقةَ ضغطٍ رابحةٍ لإسرائيل؛ لفرض سياسة الأمر الواقع تُجَاه الدول العربية؛ لفرض تسويات سلمية تضمن حمايةَ الأمن القَومِي الإسرائيلي على حساب الأمن القَومِي العربي
أن ملف سد النهضة تعرض لإهمال کبیر خاصة فى السنوات الأخیرة من عهد مبارک ، وتبعه إهمال وعدم خبرة فى فترة مابعد ثورة 25 ینایر 2011 إلا أنه منذ 30یونیو 2013 والدبلوماسیة المصریة تقوم بعملیة إنقاذ بوتیرة سریعة للأمن المائى المصرى وقد توصلت الدراسة للنتائج التالیة بالرغم من أن الدبلوماسیة المصریة (Nile Diplomacy) تقوم على التمسک بثوابت وحقوق تاریخیة مکتسیة محددة تشمل حصة مصر المائیة الحالیة( 55.5 ملیار متر مکعب – التى أقرتها إتفاقیتى 1929- 1959) کما تلتزم بقواعد القانون الدولى المتعلقة بالمجارى المائیة ، بالتوازى مع معارضة الخطوات الأحادیة لأى من دول المنابع سواء أثیوبیا أو أى من دول الهضبة الإستوئیة ، مع الترکیز على إقامة علاقات تعاون مع کافة دول الحوض وربط مصالح دول الحوض بمصر من خلال صفقات ومشروعات تعود بالفائدة على الجمیع ، إلا أن الدبلوماسیة المائیة فى حوض النیل بالثوابت سالفة الذکر، تواجهه تحدیات کبیرة ومتعددة :
– أن هناک ثوابت أفریقیة مضاده للثوابت المصریة ،لدى معظم دول المنابع ومعهم دولة جنوب السودان ، تؤثر بشکل قاطع على مفاوضات سد النهضة فهذه الدول تتبنى مبدأ نیرى – الرئیس الأول لتنزانیا بعد الإستقلال – والذى یرفض الإعتراف بالإتفاقیات السابقة والمتعلقة بمیاه النیل نظرا لتوقیع تلک الإتفاقیات فى الحقبة الإستعماریة.
– أن المماطلة الإثیوبیة فى المفاوضات ، وعدم الشفافیة فى التعامل مع مصر بصفة خاصة وهو مابدى واضحا على سبیل المثال فى اللجنة التى شکلت لدراسة مخاطر السد ، فماهى إلا خدعة للتسویف وکسب الوقت ا للازم لتنفیذ المشروع وجعل السد حقیقة قائمة تحد من خیارات مصر فى التعامل معه، والسعى لتحجیم رد الفعل المصرى وحصره فى مفاوضات لاطائل منها لمصر لحین فرض أمر واقع.
– إستثمار إثیوبیا أعمال تلک اللجنة فى تجاوز شرط الإخطار المسبق عن تنفیذ مشروعات تنمویة على مجرى النهر والسعى للحصول على التمویل اللازم لإنشا ء السد من خلال إظهار حالة من التوافق مع دولتى المصب والىتى تشترط الجهات المانحة توافقها حول مشروعات التنمیة فى دول المنابع.
– تحول السودان من شریک إستراتیجى لمصر إلى وسیط بین مصر وأثیوبیا مما یجعل مصر تقف منفردة أمام إثیوبیا ودول المنابع الأخرى.
– صعوبة إثناء إثیوبیا عن بنا ءالسد أو تغییر مواصفاته من خلال المسار التفاوضى فقط.
أولا : على المستوى الداخلى :
یجب وضع خطة محکمة لترشید إ ستخدام المیاه.وهو مابدأته الحکومة الحالیة حکومة مصطفى مدبولى .
– العمل على الحد من الزیادة السکانیة والتى تمثل تهدید داخلى للأمن المائى المصرى
– العمل على خلق ثقافة الترشید والمحافظة على المیاه والتأکید على دور الإعلام فى ذلک.
– التثقیف والتوعیة بزراعة المحاصیل التى لاتحتاج کم کبیر من المیاة وذلک خلال فترة الملىء.
– إعزاب میاة البحر (التحلیة) باستخدام طرائق متعددة (التناضح العکس أو الومیض المتعدد والمراحل أو الضرر الغشائى أو غیرها.
– تنقیة میاه الصرف الصحى بإستخدام إحدى الطرائق المناسبة مثل (الترقید – الأوزون – الکلور).
تنقیة میاه الصرف الزراعى، أو ما یعرف بالبزل الصناعى.
– الاستمطار، وذلک بالإفادة من حالات التغیم فى زیادة الهطل المطرى باستخدام المواد والأدوات المناسبة (نترات الفضة، الطائرات، الصواریخ)
ثانیا : على المستوى الخارجی:
– إستمرار مصر فى إتباع النهج التعاونى( سیاسیا- أمنیا- إقتصادیا – ثقافیا ) مع دول حوض النیل خاصة ، وإفریقیا بصفة عامة بإعتبارذلک من رکائز الأمن المائى والقومى المصرى.
العمل على التاثیر الخارجى على الجهات المانحة (البنک الدولى ) بإقناع دول المنابع باللجوء إلى قامة سدود صغیرة لتولید الطاقة وتخزین المیاه للزراعة على المستوى المحلى المحدود ، وتجنب مشکلات السدود الکبیرة سواء من الناحیة الجیولوجیة – الإقتصادیة – السیاسیة.
العمل على الإستفادة من مشروع أنجا العملاق فى الکونغو الدیمقراطى الذى سیولد من الطاقة مایکفى لإفریقیا کلها.
فى حال الإضرار بحصة مصر من میاه النیل ، وکذا قیام دول المنابع بتفعیل الإتفاق الإطارى دون حل النقاط الخلافیة فیه فلابد من لجوء مصر للقضاء الدولى (اللجوء لمحکمة العدل الدولیة) وهنا تلجا مصر للمحکمة کجهة اختصاص قضائى وخاصة ان اثیوبیا قد اقامت بالفعل السد بالرغم من توصیات اللجان الدولیة الإستشاریة بخطورته على مصر وهناسیتم إعمال الإختصاصین الإفتائى والقضائى للمحکمة ، فعلى مستوى الإختصاص الإفتائى للمحکمة وهو إختیارى ولایلزم موافقة کل أطراف النزاع ، إذا جاء لصالح مصر
فإنه سیکون بمثابة ورقة ضغط على إثیوبیا ویشکل مزید من التطویق إقلیمیا ودولیا لها ،أما الإختصاص القضائى وهو الذى یتطلب موافقة کل أطراف النزاع للذهاب طواعیة للمحکمة ، فإذا رفضت أثیوبیا مع وجود الحجج والمستندات القانونیة الداعمة للموقف المصرى ( الحقوق التاریخیة المکتسبة لمصر والسودان والتى أقرتها الإتفاقات الدولیة وهى لاتسقط بالتقادم1929–1959 – لرأى الخبراء الدولیین المحایدین الذین شارکوا فى صیاغة تقریر اللجنة الدولیة لبحث أثار سد النهضة وهم شهود عیان على تعنت الجانب الأثیوبى
وعلى الأثار البالغة الخطورة من السد على مصر والسودان بل على إثیوبیا ذاتها ( الزراعة – التعدین –الکفاءة الکهربائیة المتدنیة للسد) فسیکون ذلک فى صالح مصر أمام المجتمع الدولى وسیکون الموقف الإثیوبى ضعیف جدا لعدم قبولها للتحکیم الدولى وفى حالة ذهاب أثیوبیا للتحکیم الدولى وصدور قرار یؤید موقف مصر سوف یتم حسم الخلاف والنزاع ، ولایقع ضرر على حصة مصر والسودان من میاه النیل.
على الدبلوماسیة المصریة أن تستغل معارضة سکان المنطقة التى یبنى فیها السد (بنى شنقول) – والمعرضون للتهجیر بسبب بنائه- دولیا ضد الموقف الأثیوبى ، فقد جرى العرف الدولى فى مسألة بناء السدودعلى رفض السدود التى تلقى معارضة من السکان المحلیین.
– العمل على کسب ود وتأیید الجانب السودانى کشریک إستراتیجى فى المفاوضات ،، وکعمق للأمن القومى المصرى ، وخاصة أن جنوب السودان مؤید لبناء سد النهضة
ضرورة وجود رؤیة متکاملة لتنمیة إیرادات الحوض، من خلال إحیاء مشروعات مشترکة وتنمیة الحوض، مثل تنفیذ مشروع نهر الکونغو الذی طرح فی فترة السادات، والذی یقوم على ربط نهر الکونغو بنهر النیل، ومراده التحکم فی الموارد المائیة بالبلدان المستفیدة، وهی مصر والسودان وجنوب السودان والکونغو. وذلک باستغلال جزء من فواقد نهر الکونغو، التی تصل إلى 1000 ملیار متر مکعب سنویًّا تلقی فی المحیط الأطلسی، وذلک عن طریق إنشاء قناة حاملة بطول 600 کیلو متر لنقل المیاه إلى حوض نهر النیل عبر جنوب السودان إلى شمالها، ومنها إلى بحیرة ناصر.
يجب الاخذ والإستفادة من التوصیات التى انتهت إلیها جلسة حوکمة المیاه العابرة للحدود والمنافع المشترکة التی عقدت خلال فعالیات (أسبوع القاهرة للمیاه فى أکتوبر2018) والتى إننتهت لمجموعة مجموعة من التوصیات للتأثیرات المحتملة لسد النهضة على دول المصب، من أبرزها :
أنه إذا تم الإتفاق على الحفاظ على منسوب تخزین یراعی فترات الجفاف التی یمکن أن تتعرض لها دول المصب، فقد تکون هناک فرصة لجعل سد النهضة ذی فائدة لکل الدول إذا تم وضع خطة إدارة إقلیمیة تعاونیة مستدامة لإدارته بالتنسیق مع دول المصب، بحیث یوفر الطاقة التی تحتاجها إثیوبیا دون التأثیر على دول المصب.
ضرورة توافر إرادة سیاسیة جادة ودراسات اقتصادیة واجتماعیة وخطط طموحة وواضحة للوصول إلى تحقیق الإدارة العابرة للحدود للمیاه المشترکة من خلال بحث احتیاجات کافة الأطراف، والنظر بشأن الفوائد المتوقعة وکیفیة الاستفادة منها بشکل یرضى جمیع الأطراف.
کما تم عرض لتجربة إدارة حوض نهر کولورادو الذی کان یتعرض لمشکلات الترسب فی مناطقه السفلى بشکل یعوق حرکة الملاحة وعدم توافر میاه للری خلال فترات الجفاف، وتم إنشاء سد (جلین کاریون) وتشغیله من قبل مکتب استصلاح الأراضی الأمریکی فی محاولة للتغلب على المشکلات السابقة، ونجح السد فی توفیر المیاه والطاقة للولایات فی الجنوب الغربی ومنح مجالات للسیاحة والتنمیة الحضریة.