لقد ترتب من إغلاق الطرق الرئيسية والفرعية في مقديشو منذ أكثر من نصف عام، مشاكل اقتصادية واجتماعية أثّرت في سير الحياة الطبيعية لسكّان العاصمة مقديشو.
ونشير في هذه السطور إلى الطرق الرئيسية المغلقة في العاصمة وما ترتب من ذلك من آثار سلبية، محاولين تقديم بعض الحلول والمقترحات البديلة لإغلاق الطرق.
أهم الشوارع الرئيسية المغلقة في مقديشو:
تشهد مقديشو منذ فترة إغلاقا واسعا للشوارع الرئيسية فيها، مما أثّر في حركة التنقل بين سكانها، ومن أهم الشوارع المغلقة في المدينة:
- شارع جالي سياد: وهو الشارع الرئيسي الّذي يمر بأحياء من منطقتي طركينلي ووذجر، ويربطهما بمطار آدم عدي الدولي وبباقي أحياء العاصمة الصومالية مقديشو. ويمتد هذا الشارع من تقاطع حوش في طركينلي إلى شارع المطار. وقد كان هذا الشارع من الشوارع الرئيسية التي أغلقت منذ الأشهر الستة الأخيرة من هذا العام، حيث أن حاجز القوات الأمنية والذي تمت تسميته في الأوساط الاجتماعية بمحطة “كل وريغ kalwareeg ” والتي تعني بعودة السيارات من هذه المنطقة، يوجد، هذا الحاجز، في منطقة بين تقاطعي “كرونتذا” و”دنوذاغها” بحي وذجر، مما يعني أن السيارات القادمة من تقاطع حوش والمارة بهذا الشارع لا يمكن اجتيازها لهذه النقطة، وكذلك الحال مع السيارات الأخرى القادمة من باقي أحياء المدينة حيث لا يمكن لها اجتياز هذا الحاجز، والوصول إلى الطرف الآخر من أحياء كل من وذجر وطركينلي.
- شارع ورشذها: ويمتد هذا الشارع من تقاطع “إكسكنترول” البوابة الجنوبية الغربية لمدينة مقديشو ويتجه نحو الأقاليم والمدن الصومالية الواقعة في شمال ووسط الصومال، وهو من أهم الشوارع الرئيسية في مقديشو. وتوجد المحطة المعرفة بـ كل وريغ بهذا الشارع فيما بين تقاطع “كلية جالي سياد العسكرية” و “مقر وزارة الدفاع الصومالية” مما يعني أن السيارات القادمة من الأحياء والأقاليم الشمالية المارة بهذا الشارع لا يمكن اجتيازها لمقر وزارة الدفاع الصومالية في حي شيركولي، في حين أن السيارات القادمة من الجهة الجنوبية للعاصمة والمارة بهذا الشارع لا يمكن اجتياز تقاطع “كلية جالي سياد أو تقاطع دينيلي” إلا بمرور شوارع فرعية متردية الأوضاع لا تصلح لمرور السيارات.
- أجزاء من شارع مكة المكرمة: وهو الشارع الرئيسي في مقديشو إذ إنه يربط القصر الرئاسي بمطار آدم عدي الدولي، ورغم أنّه يشهد حركة كثيرة إلاّ أنه من أكثر الطرق إغلاقا في المناسبات وأوقات مجيء الوفود الرفيعة المستوى إلى مقديشو، هذا بالإضافة إلى أجزاء في هذا الشارع شبه مغلقة دائمة، وتكثر هذه الأجزاء في المناطق القريبة من محيط القصر الرئاسي ومقرّ البرلمان الصومالي الفيدرالي والمرافق الحكومية الأخرى الواقعة في هذا المحيط.
- الشارع الّذي يصل مدينة مقديشو بأفجويي: وهو امتداد لشارع مكة المكرمة إلا أنه يصل مدينة مقديشو بمدينة أفجويي الزراعية والواقعة في إقليم شبيلي السفلى، ويمتد هذا الشارع من تقاطع إكسكنترول الذي يعتبر المدخل الجنوبي للمدينة، ورغم أنّ أسباب إغلاق هذا الشارع تختلف عن أسباب إغلاق الشوارع الأخرى، إذ إن إغلاقه له علاقة بعمليات تعبيده التي تنفذه دولة قطر ضمن مشاريعها التنموية في الصومال، إلاّ أن هذا الإغلاق أثّر في حركة التنقل بين مقديشو وأفجويي، حيث ترتب من هذا الإغلاق مرور السيارات في مناطق وعرة تقع في الأحياء الواقعة بين جنبات الشارع.
- الطرق الفرعية الأخرى التي تربط الشوراع الرئيسية في العاصمة الصوماليةببعضها البعض: إنّ مما يعكّر حركة التواصل بين سكّان المدينة إغلاق الطرق الفرعية التي كان يتم استخدامها في أوقات الازدحام الشديد الذي تشهده المدينة. وهذه الطرق الفرعية المغلقة بالأحجار الضخمة هي تلك التي تتفرّع من الشوارع الرئيسية في مقديشو مثل شارعي وتنها وسدونكا المهمين لتجارة سوق بكاره السوق الرئيسي في العاصمة مقديشو، وكذلك الطرق التي تتفرّع من شارع ورشذها المهم لحركة السفر إلى المناطق الوسطى والشمالية من الصومال.
وعليه فإنّه بناء مما سبق، يمكن إجمال أهم الآثار التي خلّفها إغلاق طرق العاصمة مقديشو بما يأتي:
- صعوبة التنقل بين أحياء المدينة بوسائل النقل العام: قبل إغلاق الطرق في مقديشو في مارس 2019م، كان بإمكان معظم سكّان المدينة الوصول إلى مختلف نواحي المدينة بمخنلف وسائل النقل العامة والخاصة عبر الطرق الرئيسية للمدينة والمسموح بها، حيث إن معظم الشوارع الفرعية التي أغلقت بعد تولي فرماجو لسلطة البلاد لم تفتح بعد. هذا الإغلاق للطرقات أدّى إلى تحديد حركة التنقل بين سكّان العاصمة حيث لا يسمح للمواصلات عبور الحواجز التي تقطع الطرقات، وبالتالي ظهر في مقديشو محطات جديدة عرفت بمحطات (كَلْ وَرَيْغKal Wareeg ) وهو ما يشبه الخطوط الحمراء بين معسكرين متباينين في الرؤى والأفكار والمبادئ السياسية وبينهما مواجهات مسلّحة، حيث يتوجّب على الراكب من أن ينزل من وسيلة النقل عند أول حاجز، ومن ثم يمشي لمسافة غير قصيرة في معظم الأحوال سيرا على الأقدام للوصول إلى المحطة الأخرى التي توصله إلى مقصده.
- ارتفاع أسعار أجرة وسائل النقل العام: يعاني كثير من سكّان العاصمة مقديشو ارتفاع أسعار وسائل النقل العام نتيجة لإغلاق الطرق في مقديشو، حيث تضاعفت – في أحسن الأحوال- أجرة وسائل النقل العام بسبب إغلاق الطرق، فمثلا عندما كانت أجرة الشخص الواحد الراكب من أحياء طركينلي إلى سوق بكاره عبر شارع جالي سياد، كانت تتراوح في السابق مابين 8000 شلن صومالي إلى 12000 شلن صومالي أي ما يعادل نصف دولار، يصل سعر الأجرة في عهد “كل وريغ” في نفس المسافة إلى ما يقارب دولارا واحدا، حيث إن الشخص الذي يخرج من تقاطع حوش في حي طركينلي مارا بشارع جالي سياد، عليه أن يدفع ما بين 5 آلاف شلن صومالي إلى 6 آلاف شلن صومالي ليصل إلى حاجز دنوذاغها ثم يقطع مسافة قصيرة بالسير على الأقدام ليجد السيارة الأخرى التي توصله إلى سوق بكاره بسعر يتراوح ما بين 8 إلى 12 ألف شلن صومالي، ويعزي العاملين في مجال النقل العام ارتفاع الأسعار إلى أن مصلحة ضرائب المرور ما زالت تطالب بالمبالغ السابقة التي فرضت على وسائل النقل العام عندما كانت الطرق مفتوحة وكان بإمكان كلّ وسيلة نقل الوصول إلى أي مكان، ولكن لما أغلقت الطرق كان لزاما على وسائل النقل العمل في مناطق محدودة، وبالتالي كان لزاما عليهم رفع سعر الأجرة ليتم لهم توفير متطلبات مصلحة ضرائب المرور التابعة للوزارة المالية في الحكومة الصومالية الفيدرالية.
- استشراء الفساد: إنّ إغلاق الطرق في العاصمة الصومالية مقديشو أدّى إلى استشراء الفساد في الأوساط الاجتماعية، حيث إن عناصر القوات الأمنية الموكّلة لإغلاق الطرق بدأت في بعض المواقع بمطالبة مبلغ من المال مقابل السماح بعبور الحاجز، وينتشر هذا التعامل بين القوات الأمنية وسائقي السيارات التي تحمل البضائع وغيرها من وإلى الأسواق، كما يلاحظ هذا التعامل أيضا بين أصحاب السيارات الخاصة وبين القوات الأمنية في تلك الحواجز، ولذلك أصبح من المشاع في مقديشو أنّه بإمكان صاحب السيارة الخاصة الوصول إلى مكتبه بسيارته الخاصة مقابل قدر معين من المال ليتم السماح له بعبور الحاجز.
- توفير فرص عمل لسائقي التوك توك: ينتشر في مقديشو وسيلة النقل المعروفة بتوك توك، وقد لقي سائقوا هذه الوسيلة مشاكل أمنية واقتصادية نتيجة لإغلاق الطرق، مما أدّى إلى تنظيمهم لاحتجاجات شعبية ضدّ إغلاق الطرق، تحولت فيما بعد إلى أعمال شغب أدت إلى مقتل عدد كبير من سائقي التوك توك، إلاّ أنهم واصلوا احتجاجاتهم حتى استجابت السلطات لمطالبهم المتمثلة بالسماح لهم بعبور الحواجز المعروفة بـ”كل وريغ” المنتشرة في مقديشو، مما جعل التوك توك وسيلة النقل الوحيدة في مقديشو والتي تستطيع عبور هذه الحواجز، وبالتالي لقيت بذلك إقبالا واسعا من ميسوري الحال حيث إن أجرتها في الغالب أغلى من أجرة وسيلة النقل العامة، وهذا الإقبال أدّى إلى تحسّن اقتصادي لسائقي التوك توك.
تلك هي أهم الآثار المترتبة عن الإغلاق المستمر لطرق مقديشو رغم تكوين الرئيس الجديد لبلدية مقديشو قريبا لجنة تقديم توصيات حول الطرق المغلقة في مقديشو تمهيدا لفتحها، كما تعهّد بذلك عمر محمود محمد (عمر فلش) الرئيس الجديد لبلدية مقديشو، إلاّ أن هذه التعهّدات لم تنفّذ بعد.
ويقترح محللون بعض الاقتراحات لتحسين الأوضاع المرورية في العاصمة وتساعد على استتاب الوضع الأمني فيها، ومن هذه الاقتراحات ما يلي:
- إنشاء قنوات تواصل بين المجتمع المدني والمؤسسات الأمنية في العاصمة مقديشو: يرى كثير من المحللين أن إنشاء قنوات تواصل فعالة بين المجتمع المدني والمؤسسات الأمنية تساعد على إحكام أمن العاصمة مقديشو حيث إن أي تعاون بين الأطراف المعنية سيساعد على الأقل على تقليص الخروقات الأمنية تمهيدا للوصول إلى أمن كامل في المدينة.
- وجود نظام إداري محلّي للمدينة: إن وجود نظام إداري محلّي في المدينة يساعد على تحقيق أمن العاصمة مقديشو مما لا يدع مجالا لإغلاق الطرق تحت ذريعة الحفاظ على أمن العاصمة، ويرى أصحاب هذا الرّأي أن وجود نظام محلي للمدينة يساهم في استتاب أمن المدينة حيث إن هذه الإدارة تبذل جهدا كبيرا في تحقيق أمن العاصمة لما يقع على عاتقها من مسؤولية تستشعر من خلالها أنها ستحاسب عليه، كما يقول بعض مؤيّدي هذا الرأي.
ومهما يكن من أمر فإنّه ثبت على أرض الواقع أنّ إغلاق الطرق في العاصمة مقديشو لم يساهم في تحديد عمليات الانفلات الأمني، إذ إن الهجمات التفجيرية والاغتيالات المدبّرة ما زالت تحدث في المدينة رغم استمرار إغلاق الطرق التي عقّدت من حركة التنقل والتواصل بين سكّان المدينة، مما يحتّم على مسؤولي إدارة إقليم بنادر الإسراع في فتح الطرق المغلقة في المدينة والإتيان بخطط أمنية أخرى غير إغلاق الطرق، لتستمر عجلة الحياة بمقديشو في دورانها الطبيعي.