وصل أمس إلى مدينة مقديشو وفد قطري رفيع المستوى بقيادة نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية القطري السيد محمد بن عبدالرّحمن بن جاسم آل الثاني.
والتقى الوفد القطري الّذي يقوده نائب رئيس الوزراء القطري بعد وصوله إلى مقديشو برئيس الوزراء الصومالي السيد حسن علي خيري وتباحثا معا سبل تعزيز العلاقات بين البلدين وتنفيذ مشاريعتطوير البنى التّحتية في الصومال.
ويتساءل كثيرون أهداف زيارة الوفد القطري الرفيع المستوى، وفي هذا التّوقيت بالذّات، حيث تأتي هذه الزيارة بعد تداول تقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز الأمريكيةمنتصف الشهر الماضي والّذي جاء فيه أن قطر متورّطة بالتفجيرات التي تشهدها المدن الصومالية وذلك لتأثير مصالح الإمارات العربية في الصومال.
وقد أثار هذا التقرير زوبعة سياسية في الأوساط الاجتماعية والسياسية الصومالية، مما كلّف لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الفيدرالي استدعاء وزير الخارجية الصومالي ومساءلته عما يعلم من القضيّة، والّذي بدوره برّأ الحكومة القطرية بما جاء في تقرير نيويورك تايمز، مشيرا إلى أنّ قطر تشارك في عمليّات إعادة الصومال وبنائه من جديد.
وعلى صعيد آخر، ناشد محللون آنذاك إلى إجراء تحقيق نزيه حول ما جاء في تقرير نيويورك تايمز، إذ إنّه أثار نقطة كان يحيط بها الشك منذ فترة، حيث إن غالبية المجتمع الصومالي وصل إلى نتيجة أن التفجيرات والاغتيالات التي تشهدها الصومال لايمكن تنفيذها من جهة واحدة مما يعني أن هناك أطراف متعدّدة تساهم في تخطيط وتنفيذ التفجيرات.
وعليه فإنه يمكن وبناء على ما سبق أنّ دلالات زيارة الوفد القطري إلى الصومال تتلخص فيما يأتي:
- محاولة لدحض التقارير التي تشير إلى دور قطر المشبوه في الصومال: يرى بعض المحللين أن زيارة الوفد القطري إلى مقديشو تهدف إلى دحض المزاعم التي تشير إلى وجود علاقة بين قطر والحركات الجهادية في الصومال، إذ إنّه لوكانت هناك علاقة بينهما ما أولت قطر هذا الاهتمام الواسع لنهوض الصومال من جديد، فهذه الزّيارة تحاول تكوين رأي عام عالمي مختلف للرّأي الّذي أثارته صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية.
- تعزيز العلاقات الصومالية القطرية: تهدف هذه الزيارة أيضا إلى تعزيز العلاقات الصومالية القطرية التي بدأت تتطوّر منذ تولّي فرماجو لرئاسة البلاد، حيث أشارت تقارير إلى أنّ قطر أنفقت أموالا طائلة في سبيل وصول فرماجو إلى سدّة الحكم، كما أنها قامت بتوقيع اتفاقيات لتطوير البنى التحتية في الصومال كبناء ميناء هوبيو، وتعبيد طرق تربط مقديشو بأفجويي وجوهر، غير أن معظم هذه المشاريع لم تنفّذ بعد، كما تقوم قطر بدور واسع في عمليات تدريب الأجهزة الأمنية والعسكرية في الصومال، حيث تفيد بعض التقارير التي نشرتها وسائل إعلام محلّية أن ضباطا من جهاز الأمن والمخابرات في الحكومة الصومالية الفيدرالية قد تم نقلهم إلى الدوحة لتلقّي تدريبات أمنية هناك، هذا بالإضافة إلى ذلك وصول وفد قطري عسكري إلى مدينة طوسمريب أواخر الشهر الماضي، للوقوف على الأوضاع العسكرية للأجهزة الأمنية في غلمذغ، فتعزيزا لتلك العلاقات المتينة بين الطرفين جاءت زيارة الوفد القطري لمقديشو.
- محاولة لاستمالة الحكومة الصومالية للانضمام إلى محور قطر: منذ أن اندلعت الأزمة الخليجية بين قطر من جانب والدول الخليجية الأخرى كالسعودية والإمارات والبحرين من جانب آخر منتصف عام 2017م، أعلن الصومال موقفه الحيادي من الأزمة بين الطرفين، إلاّ أنه وفي منتصف عام 2018م اندلعت أزمة دبلوماسية بين الإمارت والصومال إثر ضبط أموال قيل إنها كانت على متن طائرة إماراتية خلافا للأعراف الدبلوماسية، وما أعقب ذلك من إغلاق لمستشفى الشيخ زايد في مقديشو بسبب ضغوطات من جانب الحكومة الصومالية كما أفادت بذلك وسائل إعلام إماراتية، كلّ هذا وغيره أدّى بعض المتابعين إلى الاعتقاد بأن الحيادية التي ادّعتها الصومال في الأزمة الخليجية قد تلاشت، مما يعنى انضمام الصومال إلى المحور القطري، وعليه فإنّ هذه الزيارة الأخيرة للوفد القطري تهدف إلى طمأنة الإدارة الصومالية بأنّهم لن يخسروا شيئا إذا انضمّوا إلى الصف القطري.
وعموما فإنّه من الملاحظ أن قطر تولي اهتماما كبيرا للشؤون الصومالية، وخاصة فيما يتعلّق بعلاقاتها مع السلطة العليا لإدارة البلاد، مما جعل البعض يعتقد أن قطر إلى جانب تركيا يكوّنان ما يمكن الإطلاق عليه باسم الحلف الاستراتيجي للصومال، وذلك لكثرة نشاطات هاتين الدولتين في الصومال، وهو ما رحب به قطاع من الشعب الصومالي شريطة أن لا يؤدّي ذلك إلى تدهور العلاقات التاريخية والاقتصادية بين الصومال والدول الخليجية الأخرى كالسعودية والإمارات اللتان ساهمتا وبشكل فعّال في عمليّات إعادة بناء الصومال من جديد، وذلك عبر المعونات والمساعدات الإنسانية التي اشتهرت بها هاتين الدولتين خلال علاقاتهما التاريخية مع الصومال.