خططت ونفذت التفجير الانتحاري الذي وقع مساء يوم الأربعاء 24 يوليو الجاري في مقر بلدية مقديشو شبكة تابعة لحركة الشباب المرتبطة بنظيم القاعدة زرعت في مقر البلدية قبل سنوات.
عملت الشبكة لشهور عديدة تخطيطا وتنظيما من أجل الوصول إلى هدف رفيع، وتنفيذ ضربة مدوية. وعندما زار مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إلى الصومال جيمس سوان مقر البلدية صباح يوم الأربعاء رأت إن الفرصة مواتية لتحقيق هدفها، لكن بفعل فاعل تأجل وقت التنفيذ إلى المساء بعد ساعات قليلة من مغادرة الممثل الخاص للأمين العام للأمم.
مكث منفذ الهجوم سواء أكان رجلا أو امرأة لفترة طويلة داخل مقر بلدية مقديشو ثالث أهم مبنى حكومي في مقديشو، وتعرف خباياه ونقاط ضعف مسؤوليه وكان يقدم تقاريره باستمرار إلى قياداته في حركة الشباب دون أن يكشف مخططه أحد حتى حان موعد الهجوم الذي أسفر عن مقتل عدد من رؤساء مديريات مقديشو وإصابة مسؤولين آخرين بينهم رئيس البلدية عبد الرحمن ير يسو. فهل حصل المنفذ على دعم من جهات أخرى؟ لا يمكن استبعاد ذلك الاحتمال.
تلك هي واحدة من أقوى الفرضيات لما حدث يوم الأربعاء 24 يوليو الجاري.
إن صحت هذه الفرضية فهذا يعني أن التفجير الانتحاري في بلدية مقديشو يشكل تحولا جديدا ولافتا للتكتيكات العسكرية التي تستخدمها حركة الشباب، بعد أن كانت أدواتها تقتصر على الوسائل التقليدية ، فإنها كشفت هذه المرة أنه لا يوجد وسيلة محرمة مادامت تفضي إلى تنفيذ واجب ديني وأنها تتحالف مع “الشياطين” للوصول إلى أهدافها، كما أنه لا يهمها في هذه المرحلة عدد العمليات التي تنفذها بقدر ما يهمها نوعية العملية والمواقع الحساسة التي تطال يدها وبالتالي فالتفجيرات ذات التأثير الضعيفة التي قد تحدث احيانا في العاصمة مقديشو أو نجاح الحكومة في افشال بعض المخططات فيما يبدو أنها ليست سوى تغطية لعمليات كبرى تخططها الجماعة وفي هذه اللحظة لا نشك أن عناصر من شبكتها مشغولون في تخطيط أو ترسخ عملية نوعية تستهدف لأحد المواقع الحساسة في العاصمة مقديشو أو تعلق آمالا على نجاح أحد عناصرها التي زرعتها في احدى المنشآت قبل عدة أعوام في تنفيذ عملية كبيرة تحدث صدى قوي داخليا وخارجية أو تستهدف أحد الشخصيات المهمة التي تراها ركنا أساسيا للحكومة الصومالية أو الأجهزة الأمنية كما فعلت في سنوات ماضية وفعلت في تفجير بلدية مقديشو ومحاولة اغتيال رئيس البلدية عبد الرحمن يريسو الساعد الأيمن للرئيس محمد عبد الله فرما جو وأحد المقربين من رئيس الوزراء حسن علي خيري.
من الواضح أن حركة الشباب لا تتورع في هذه المرحلة إقامة علاقة تعاون مع جهات داخلية وخارجية تقوم على المصالح والمنافع المشتركة وأن هذه الجماعات رغم تبنيها آراء وافكار وأيدولوجيات اسلامية لكن في ذات الوقت تحاول تبرير استخدامها السياسة الميكا فيلة “الغاية تبرر الوسيلة” ومبدأ “عدو عدوي صديقي” ولذلك فإنها تتبنى مسؤولية التفجيرات الانتحارية التي تشهدها الصومال وتتباهى بها لكنها لا تنكر أو بالأحرى لا تنفي حصولها على دعم أو مساعدة من جهات أخرى خارج تنظيمها أو من دوائر حكومية أو اقليمية في تنفيذ العملية وهذا يعنى بالإضافة إلى دلائل ومؤشرات أخرى على وجود روابط غير مرئية بين ذئاب سمان في أفانين الحكومة الاتحادية أو في الحكومات الاقليمية وبين عناصر من الجماعات المسلحة وأن الاثنين يسعيان في بعض الاحيان الي وصول هدف واحد لا يمكن لطرف وحد أن يصل إليها وبالتالي حدوث علاقة تعاون بينهما ليس أمرا مستبعدا من الآن فصاعدا.
رغم ذلك كله، لا ينبغي ذر الرماد على العيون وانكار الحقائق وتفتيش الأسباب في غير محلها وإلقاء اللوم على الغير بل يجب على المؤسسات الأمنية القيام بواجباتها بكل مهنية وشفافية دون الانصياع لأوامر القيادات السياسية التي تسعى في غالب الأحيان إلى الثني عن دورها الأساسي وزجها في أمور لا ناقة لها ولا جمل عبر ارسالها إلى بعض الاقاليم التي تتمتع بنوع من الاستقلالية عن الحكومة الاتحادية في مقديشو لليّ عنقها وادخالها في بيت الطاعة عنوة ولذلك تكون النتيجة استمرار التفجيرات والعمليات الإرهابية ووصول الجهود المبذولة لإعادة الاستقرار إلى طريق مسدود.