لا شك لدي ولدى كثير من المراقبين أن رئيس الوزراء الاثيوبي ابي احمد يحمل مشروعا اصلاحيا كبيرا ونوايا طيبة , على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي والامني في اثيوبيا يهدف الى تعزيز الديمقراطية في البلاد , والتصالح مع المعارضة في الداخل والخارج من أجل تصفير مشكلات البلاد التي كانت تعاني منها اثيوبيا لا سيما في السنوات الاخيرة من مظاهرات في بعض الاقاليم , وقتل واعمال مضادة بين المتظاهرين وقوات الامن , والتي تتحول غالبا الى اعمال شغب تلحق الضرر بالممتلكات العامة والخاصة اضافة الى الخسائر البشرية.
لكن في بلد مثل اثيوبيا يعاني من تنوع عرقي كبير يزيد على 80 عرقية , وتنوع ديني فإن الانفتاح المفاجيء للجميع قد يحمل معه مخاطر كبيرة , وقد يقود فعلا الى سلام دائم في اثيوبيا وتعزيزا للحريات والدولة بشكل عام.
ان المتابع للاحداث في اثيوبيا يسترجع في ذاكرته حدثين اصلاحيين مهمين وقعا خلال ال 40 عاما الاخيرة , أحدهما أدى الى انهيار الاتحاد السوفيتي وتفككه , والاخر ادى الى ازدهار جنوب افريقيا وتعزيز وحدتها ومجتمعها.
ففي عام 1985 تولى ميخائيل جورباتشوف رئاسة الحزب الشيوعي السوفيتي الذي هيمن على الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في الاتحاد السوفيتي مدة طويلة , وبهدف ادخال اصلاحات على نظام الدولة والحزب تم اعتماد “البروستريكا” او اعادة البناء , بهدف تحسين الاداء الحكومي لا سيما في المجال الاقتصادي والسياسي ,ومجاراة التقدم في الدول الغربية , ولم يكن المقصود منه تفكيك الاتحاد السوفيتي , لكن شيئا فشيئا ومع ارخاء قبضة الحزب على شؤون الدولة واطلاق حرية الاعلام والسماح بالتظاهر انطلقت المظاهرات في الكثير من الجمهوريات المطالبة بالاستقلال لاسيما جمهوريات البلطيق , وبعد سنوات من تصاعد سقف المطالبات وانفلات الامر عن السيطرة تم الاتفاق عام 1991 على حل الاتحاد السوفيتي الى جمهورياته المكونة للاتحاد.
وفي الجانب الايجابي نذكر هنا اصلاحات نيلسون مانديلا الذي كان مناهض لنظام الفصل العنصري في جنوب افريقيا حيث شغل منصب رئيس جنوب أفريقيا 1994-1999. وكان أول رئيس أسود لجنوب أفريقيا، انتخب في أول انتخابات متعددة وممثلة لكل الأعراق , وقد ركزت حكومته على تفكيك إرث نظام الفصل العنصري من خلال التصدي للعنصرية المؤسساتية والفقر وعدم المساواة وتعزيز المصالحة العرقية ومن هنا نجح في انهاء نظام الفصل العنصري في الدولة , وعزز الوحدة الوطنية بين مختلف الاعراق في الدولة.
ومن هنا نتسائل الى أي مصير ستقود هذه الاصلاحات اثيوبيا , هل ستقود الى تعزيز الوحدة الوطنية بعد ان تعطى القوميات مطالبها وتحقيق العدل والمساواة بين مختلف القوميات في الحكم , وسيادة القانون , وحرية الممارسات السياسية والدينية والاجتماعية والاقتصادية , أم ستؤول هذه الاصلاحات الى تفكك اثيوبيا لاسيما في بعض الاقاليم التي تملك جبهات مسلحة تسعى الى الاستقلال وتحارب الدولة منذ وقت طويل.