في أواخر شهر ديسمبر عام ٢٠١٧ م ، تلقيت دعوة كريمة من الأخوة القائمين على الجمعية الإسلامية الاسترالية للخدمات الاجتماعية ( أمسا ) في مدينة ملبون في أستراليا وعلى رأسهم الأخ الفاضل المهندس عبدالرشيد أحمد، بقضاء بعض الوقت في رحاب الجالية ومشاركة بعض الأنشطة المقامة في داخل المسجد وزيارة بعض المساجد الموجودة في المنطقة وفي بعض الأقاليم النائية في قارة أستراليا ، وكانت رحلة ممتعة وجميلة أتاحت لي فرصة التعرف على بلاد جديدة تتمتع بمزايا فريدة منها أجواء مشمسة وسماء سحو تكاد تشبه الجو الاستوائي والصومالي .
وقد قدمت لي إدارة المركز كل سبل الراحة والعناية من دون تقصير أو كلل، فنزلتُ سهلا وحللت أهلا ، كما حظيت بلقاء فضلاء وزملاء غمروني بحب فياض واستقبال وتكريم لا تستطيع الكلمات في توصيفها وتعبيرها ، فأهل مَلْبون كلهم مني ألف شكر وشكر .
وقد تمكنت الجالية بعد جهد مضني وشاق استمر قرابة عشرات السنين بتأسيس مركز كبير ومَعْلم إسلامي مرموق في شمال مدينة ملبون وبقرب من وسط المدينة ، وقد شارك وساهم في تشييده وتأسيسه جميع أبناء الجالية الصومالية في أستراليا من دون استثناء ، سواء كانوا إداريين أو علماء ودعاة أو كانوا من عامة المجتمع ، كما تلقوا مساعدة سخية من بعض الإخوة المحسنين في دولة الكويت .
ويتكون المبنى مصلى للرجال وأخرى للنساء ومكاتب إدارية وفصولا للدراسة وفضاء واسعا يزيد عن مساحة المصليين ، ومرآبا للسيارات وملعبا للرياضة ، وكل من يشاهد هذا المركز الكبير الذي حوى في جنباته هذه المساحة الواسعة ليس أمامه إلا أن يعترف بجهود هؤلاء الفضلاء من الرجال والنساء الذين بذلوا النفس والنفيس في إقامته ، ولولا تعاونهم وتكاتفهم لما استطاعوا في تخطى الصعاب والعقبات التي كانت تعترض عليهم في عملهم ، ولا نملك لهم إلا أن نرفع أكف الضراعة إلى الله تعالى بأن يجزيهم خير الجزاء ويبارك لهم في أموالهم ويحفظ أولادهم من كل سوء .
وقد انتقلت الجالية إلى المركز قبل أكثر من خمس سنوات ، ويقام فيه الصلوات الخمس يوميا وصلاة الجمعة وكثير من الأنشطة العلمية والدعوية من محاضرات وندوات وبرامج ترفيهية وتثقيفية للناشئة والجيل الجديد .
وقد لاحظت مدة وجودي في المركز بأن الإدارة الحالية للمركز تبذل قصارى جهدها في تطويره وارتقائه إلى الوجه الأكمل حتى يلبي حاجة الجالية المسلمة في محيطه وامداد المراكز الصومالية الأخرى بالخبرات والدروس التي يمتلكها .
ومن الأنشطة العلمية والدعوية التي حافظت الجمعية على تبنيها منذ أن تسلمت الإدارة الجديدة مسؤوليتها استضافة العلماء والدعاة في رحاب المسجد فترة غير قصيرة لإفادة الجالية وإلقاء المحاضرات والدروس العلمية في المسجد ومحيطه وإتاحة الفرصة لزيارة بعض الأقاليم التي يوجد فيها جالية صومالية .
ومن باب الوفاء بالجميل واعتراف الفضل لأهله وأن العين الواحدة قاصرة عن الرؤية الكاملة ، وأن الإنسان العاقل يقدم لإخوانه ما يراه من أفكار وإرشادات يرتقون بها ، سأحاول من خلال هذه الأسطر التالية بتقديم بعض المرئيات والنصائح حول المركز وتطويره ليصبح معلما حضاريا يسدٌ ثغرة مهمة في إصلاح المجتمع وكيفية الحفاظ على هويته الإسلامية وثقافته الدينية. ومنها :
١ ٠ تطوير الكادر الإداري : الإدارة الواعية التي تمتلك مهارة وفهما صحيحا لمسؤولياتها تمثل المفاتح السحري الأول في نجاح كل مؤسسة عامة كانت أو خاصة ، وكلما عملت المجموعة الإدارية بروح التعاون وشعرت بأن المسؤولية جماعية ، وأن الهدف منها هو إفادة المجتمع لا غير ، وكل من لا يستطيع تقديم الأفضل يحسن له إفصاح المجال لغيره ، ففي تلك الحال تستطيع الإدارة بتقديم الأفضل للجالية وتوفير الوقت والمال بصورة أفضل ، وأما إذا ما أصبح المنصب والعضوية هو الهدف فإن المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى .
٢- إعادة النظر في اللوائح والنظام الأساسي للمركز والتأكد من مؤامته وموافقته لأنظمة البلد المعمول بها ليبقى في ملكية وتصرف الجالية، وتكوين مجلس أمناء يتكون من أعيان الجالية وعلمائها ليكون المرجع الأساسي عند كل معضلة ، والفصل بين الادارة والمجلس الأعلى للمؤسسة ، وايجاد آلية عمل تنظم مسؤولية كل فريق ، حتى لا تتداخل المهمات ، فإن ذلك يحسن العمل ويخفف الضغط الموجود ، ويجعل عملية المحاسبة سهلة ويسيرة ، وتصبح الشفافية تظهر بأبهى صورها وأرقى مستواها في صيرورة عمل المؤسسة .
٣- تطوير البرامج الدعوي والتعليمي للمركز ، وإيجاد مكتب خاص بذلك ، يكون عمله التنسيق بين الدعاة وتوفير بيئة مناسبة للتدريس ، مع استخدام وسائل التواصل الاجتماعي وتفعيل وتجديد مواقع المركز في الانترنت حتى تنتشر رسالة المسجد وتصل إلى الآفاق ، كما يعمل المكتب التواصل والتزاور بين الدعاة والعلماء في مختلف المراكز والمساجد الموجودة في البلد وفي الخارج ، مع توثيق الخبرات والتجارب الموجودة لدى الجميع .
كما يحاول عقد دورات ولقاءات دورية بين العلماء والدعاة من أجل تطوير الذات وتبادل الأراء في معالجة المسائل العلمية التي تتجدد كل حين ، وخلق جو نظيف ومناسب يقرب بين وجهات النظر المختلفة مع رعاية جانب الأخوة وتقديم مصلحة الدعوة والأمة عما سواها من المصالح الحركية أو الفئوية .
٤- تبني المركز مشروعا خاصا للناشئة والجيل الجديد يسند إلى إدارته مجموعة من الشباب الموهوبين مع الإشراف التام والمتابعة الدائمة من قبل الإدارة من غير أن يفرض عليهم بأفكار وأجندات لا تتوافق مع مستواهم العلمي والعقلي ، وإفساح المجال أمامهم بتقديم مبادرات وأعمال تقع تحت إهتماماتهم .
ومن مسؤوليات هذا المكتب إعداد فرق رياضية تمثل المركز في المناسبات كما يقوم بإعداد جولات ترفيهية وتثقيفية للشباب .
٥- كثير من المراكز الإسلامية في المهجر لا تولي إهتماما كبيرا في شأن الأسرة والمرأة الصومالية، مع أنهم يمثلون الشريحة الأكثر للجالية ، وتساهم المرأة بشكل ملحوظ في تسيير وبناء المراكز ، ومع ذلك لا تلقى الرعاية المستحقة ، لذا ينبغي إيجاد قسم خاص يعمل في تطويرها وتثقيفها وحمايتها من كل مكروه .
٦- العمل لإيجاد وتكوين مظلة كبيرة يشترك في تأسيسها جميع المراكز والمساجد والمصلبات الصومالية الموجودة في أستراليا ونيوزيلندا إن أمكن ، لأن المسافة بين البلدين ليست بعيدة ، ويكون مهمته توثيق الترابط بين المراكز، وينبغي لمركز( أمس) “الجمعية الإسلامية الاسترالية للخدمات الاجتماعية ” أخذ زمام المبادرة ، لكونه أعظم مركز صومالي في أستراليا ولوجود أكبر عدد من العلماء والدعاة في محيطه.
وهذا المظلة تجتمع كل عام مرة أو مرتين وتقدم دراسات وأبحاث حول الجالية وأحوال المراكز والمساجد ، وتناقش الاحتياجات الموجودة والمسائل المطروحة في الساحة ، والبحث عن حلول جدرية عن مشاكل المجتمع، كما تتناول وتبدي رأيها عن المشروعات القائمة أو المتعثرة والبحث عن إيجاد حلول مناسبة لها .
وأخيرا هذه مرئياتي وملاحظاتي حول مركز ومسجد الجالية الصومالية في شمال مدينة ملبون في أستراليا، وهي قابلة للنقاش والأخذ والرد، وليست ملزمة لأحد ، فإن وفقت في تقديمها بصورة ناصعة فالحمد لله أولا وآخرا ، وإن كان غير ذلك فإني استغفر الله تعالى وأتوب إليه .
حررها / عبدالباسط شيخ إبراهيم
الثلاثاء ١٦ من يناير ٢٠١٨م . على متن الطائرة من مطار ملبون في أستراليا إلى مانشستر .