قام الرئيس محمد عبد الله فرماجو خلال الشهور العشرة الماضية بزيارات كثيرة إلى خارج البلاد. هذه الزيارات لم تعجب كثيرين، ولاقت استهجانا ورفضا من قبل السياسيين المعارضين للرئيس واتخذوها سيفا مسلطا على رقبته، وأحد أهم مبرراتهم لمعارضته وانتقاده، ويعتقدونها نكوصا عن وعده السابق، كما أثارت تلك الزيارات شكوكا في أوساط المجتمع الصومالي الذي تحمس كثيرا لانتخاب فرماجو رئيسا للبلاد بإعتباره أمينا ومخلصا لخدمة هذا البلد وقادرا على انتشاله إلى بر الآمان.
على الرغم من هذه الانتقادات ينبغي التأكيد أن هذه الزيارات مهمة وحيوية ولها أسبابها ومبرراتها يمكن تلخيصها فيما يلي:
أولا: أن زيارات الرؤساء الرسمية إلى الخارج أمر ضروري وأحد أهم عناويين العلاقات الدولية، وأنها مؤشر حقيقي على الأهمية التي تحظى بها البلدان، والعلاقات الجيدة التي ترتبط هذا البلد أو ذلك مع العالم ، وأحد الركائز الأساسية لتسويق سياسات الرئيس وحكومته سواء من حيث طمأنة الدول التي يزورها أو حثها على دعم بلاده وتعزيز العلاقات معها وجذب شركات الاستثمار وتبديد مخاوفها، ولذلك أن زيارات الرئيس محمد عبد الله فرماجو الخارجية لم تخرج في إطار قواعد اللعبة السياسية المعروفة، وتتركز على مبادئ العلاقات الدولية وخصوصا في ظل وجود تنافس وصراع محموم على الصومال الأمر الذي يستدعي إلى البرجماتية والانفتاح على الجميع والسعي إلى الحفاظ على التوازن بين مصالح كافة الدول المهتمة بالشأن الصومالي دون التفريط في المصلحة الوطنية.
ثانيا: أن الزيارات التي قام بها الرئيس إلى خارج البلاد لم تكن للسياحة أو لقضاء العطلة أو المشاركة في حفلات زفاف لإبنه أولإحدى بنات اقاربه وانما كانت تلبية لدعوات رسمية من الدول التي زارها للمشاركة في مؤتمرات دولية أو اقليمية أو مناسبات تخظى بأهمية كبيرة لهذه الدول وأن معظمها تكللت بالنجاح وساهمت في تحسين صورة البلاد واستطاع الرئيس من خلالها اقناع هذه الدول على تفهم ظروف بلاده السياسية وخصوصيتها ومضاعفة جهودها التي كانت تقوم بها على مدار السنوات الماضية من أجل إعادة بناء المؤسسات الوطنية الصومالية لتحقيق تطلعات الشعب إلى الأمن والاستقرار، والدليل على ذلك أن الصومال تلقت خلال هذا العام مساعدات مالية كبيرة من دول شقيقة وصديقة وعلى رأسها المملكة العربية السعودية والإمارات وقطر.
ثالثا: يجب الإشارة إلى أن قبول الرئيس دعوات الزيارة المرسلة من قبل نظرائه أمر مهم للغاية ولا سيما في هذه المرحلة التي تحتاج الصومال إلى من يقف بجانبها ويساعدها في تجاوز التحديات الجسيمة التي تقف أمام الشعب وبالتالي ليس من الحكمة رفض هذه الدعوات بغض النظر عن حجم أهميتها وأهدافها أو توكيل شخص ينوب عنه خدمة للاستراتيجية الوطنية لأن رفضها أو تخفيض التمثيل في عرف الدبلوماسية يرسل إشارات سلبية ويمكن أن يترتب عنها مشاكل كان بالإمكان التفادي عنها أو نحن في غنى عنها.
رابعا: مشاركة الرئيس في المؤتمرات الاقليمية والدولية، حيث لا يحضرها عادة جميع رؤساء الدول كذلك أمر في غاية الأهمية لأنه يعكس ثقل البلاد ودورها في المحافل الدولية وأنها تكون فرصة لعقد لقاءات من الرؤساء الآخرين والاستثمار في علاقاتنا التاريخية مع القوى الاقليمية والدولية بالإضافة إلى الإطلاع على خفايا التطورات السياسية الاقليمية والدولية وتوظيفها للمصالح القومية.
بناء على هذه الأسباب والمبررات نجد أن زيارات الرئيس محمد عبد الله فرماجو الخارجية ضرورة وطنية لتعزيز علاقاتنا مع الدول الشقيقة والصديقة وحثها على دعم الشعب الصومالي في إعادة بناء دولته والتصدي للأخطار المحدقة به والتحديات الاقتصادية التي تواجهه، وما على المنتقدين لهذه الزيارات سوى التعقل وتغليب المصلحة العامة على مصلحهم الخاصة.