قوبلت مراسم أداء اليمين للرئيس الصومالي الجديد محمد عبد الله “فارماجو” الأسبوع الماضي بموجة من التفاؤل في شوارع مقديشو على أمل أن تمثل هذه بداية حقبة جديدة من الاستقرار للدولة.
والجدير بالذكر أن فارماجو قد فاز بأغلبية ساحقة إثر موجة من الحماسة الوطنية. لكن حقيقة أن هذه المراسم قد تمت في منطقة تابعة للمطار تخضع لإجراءات أمنية مشددة من قبل قوات حفظ السلام للاتحاد الأفريقي، في مدينة شهدت مراراً وتكراراً تفجيرات نفذتها حركة الشباب الجهادية، تنم عن جسامة المهمة التي تواجه الرئيس.
وقد ذكر أحدث تقرير للمجموعة الدولية للأزمات أن فارماجو قد استفاد من كون أن البعض يرون أنه يمثل الزعيم المناسب “لبناء جيش صومالي وطني قوي، ويسرّع خروج بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال، ويحقق الاستقرار والأمن، ويكبح التدخلات من جانب الدول المجاورة، ويصون كرامة الصومال وسيادته”.
غير أن الواقع يشير إلى أن هذه قائمة رغبات طموحة والطريق أمامه لا يزال محفوفاً بالمخاطر.
العد التنازلي
تمثل بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال، وهي قوة متعددة الجنسيات قوامها 22,000 جندي، ركيزة أساسية لأمن الصومال. وتوجد هذه القوة في الصومال منذ عقد من الزمان، لمكافحة حركة الشباب والمساعدة في بسط سلطة الدولة تدريجياً.
ومن المقرر أن تبدأ بعثة الاتحاد الأفريقي سحب قواتها في شهر أكتوبر من العام القادم ومن المتوقع أن تستكمل انسحابها بالكامل بحلول ديسمبر عام 2020، حيث ستسلم مواقعها للجيش الصومالي الوطني، الذي سيبلغ عدده على الأرجح 20,000 جندي فقط.
وقد ذكر تقرير صدر العام الماضي عن معهد التراث للدراسات السياسية في مقديشو أنه “لا يمكن لبعثة الاتحاد الأفريقي بمفردها أن تهزم حركة الشباب…وهذا سيصبح ممكناً فقط إذا تمكنت البعثة من عقد شراكة مع مجموعة من قوات الأمن الصومالية تتمتع بالكفاءة وتحظى بالشرعية وتحتضن كافة طوائف الشعب”.
لكن الجيش الوطني الصومالي يعاني من مشكلات كثيرة، لاسيما تلك التي تتعلق بالفساد والكفاءة وقبوله في مناطق خارج مقديشو. وفي الوقت الحالي، هناك شكوك بأنه سوف يكون قادراً على التصدي للحركة المتمردة المتراجعة، ولكنها لا تزال خطيرة.
يدرك فرانسيسكو ماديرا، ممثل الاتحاد الأفريقي الخاص إلى الصومال، هذا التحدي، حيث قال لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) أن “بناء قدرات قوات الأمن الوطنية الصومالية أمر حيوي ومركزي لمهمة بعثة الاتحاد الأفريقي، ونحن نبذل قصارى جهدنا لفعل ذلك، وفي حدود الموارد المتاحة”.
هل هو انسحاب قبل الأوان؟
ونظراً لهذا ولطبيعة الدولة الصومالية الضعيفة والمنقسمة عبر التاريخ، يخشى الخبراء أن يكون موعد رحيل قوات الاتحاد الأفريقي سابقاً لأوانه.
وفي هذا الصدد، قالت نينا ويلن، الباحثة في جامعة بروكسل الحرة: “يبدو من المستبعد جداً بالنسبة لي أن يكون الجيش الصومالي [ومؤسسات الدولة] جاهزين في غضون ثلاث سنوات فقط، نظراً للوضع الأمني الراهن”.
ويتفق معها في هذا الرأي كريستيان آني ندوبويسي، الباحث بمعهد الدراسات الأمنية، حيث قال: “إن انسحاب قوات الاتحاد الأفريقي في عام 2020 سيكون في غير أوانه”. ويعتقد ندوبويسي أن الخيار الأكثر قابلية للتطبيق هو أن تقوم الجهات الدولية المانحة بدعم مرحلة انتقالية أطول، تتراوح من خمس إلى عشر سنوات.
ويتمثل التحدي الذي يواجه بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال في أن خروجها من الصومال مع حفظ كرامتها يتوقف على عدة عوامل خارجة عن نطاق سيطرتها. فهي تعتمد بشكل جوهري على التمويل الدولي، ولم تحصل حتى الآن على قدر كاف منه “من أجل إضعاف حركة الشباب بشكل كبير وليس مجرد إزاحتها،” وفقاً لتقرير معهد التراث للدراسات السياسية.
وتتألف قوة الاتحاد الأفريقي الرئيسية المقاتلة من قوات من أوغندا وإثيوبيا وكينيا وبوروندي. ويتم تمويل رواتب هذه القوات من جانب الاتحاد الأوروبي، والدعم اللوجستي – بدءاً من المواد الغذائية إلى الإمدادات الطبية –من قبل الأمم المتحدة. ولم تحصل بعد على طائرات الهليكوبتر الهجومية التي تحتاج إليها بشدة.
كما أنها تواجه الآن مشكلة فيما يتعلق بالدول المساهمة بالقوات، التي هددت بالانسحاب منذ أن قام الاتحاد الأوروبي بخفض البدلات الشهرية التي يدفعها للجنود بنسبة 20 بالمائة في يناير 2016، من 1,028 دولاراً إلى 822 دولاراً.
وبينما يقول الاتحاد الأفريقي أن جنوده ينزفون والغرب لا يوفر سوى المال، يرد الاتحاد الأوروبي بأن هناك عمليات سلام أخرى في القارة تستحق الدعم أيضاً، بما في ذلك جمهورية أفريقيا الوسطى ومالي وأزمة بحيرة تشاد.
وقال تيري فيركولون، مدير مشروع المجموعة الدولية للأزمات في أفريقيا الوسطى: “سوف يحتفل الاتحاد الأفريقي في الصومال بمرور العام العاشر هذا العام، ولا يرى الممول الرئيسي [الاتحاد الأوروبي] الضوء في نهاية النفق … وهو ليس على استعداد لتمويل بعثة حفظ سلام أخرى لا نهاية لها كما تفعل الأمم المتحدة في العادة”.
أيهما الأول؟
وليس لدى قوة الاتحاد الأفريقي الأفراد أو المعدات اللازمة لدحر حركة الشباب بشكل كامل، مع ذلك لا تستطيع الحصول على تمويل إضافي حتى تثبت نجاحاً أكبر في ساحة المعركة.
ولكن هزيمة حركة الشباب ليست مجرد مهمة عسكرية، ذلك أن الحكومة الصومالية لم تستطع تعزيز المكاسب التي حققتها قوات الاتحاد الأفريقي، بما في ذلك توفير الخدمات الضرورية والأمن للشعب.
وهذا يعني أنه ” من الصعب تفكيك الأساس الإيديولوجي بين السكان المحليين” وفقاً لندوبويسي، الباحث بمعهد الدراسات الأمنية.
بالإضافة إلى ذلك، يعتبر الصومال هو دولة اتحادية لا يزال التحالف بين مناطق الحكم الذاتي ومقديشو فيها هشاً، وفي بعض الأحيان تكون العلاقات بينهما متوترة. وتتمتع هذه القوى الإقليمية بقبول محلي أكبر من الجيش الوطني الصومالي.
وأوضح ندوبويسي أن “مشروع تشكيل الدولة في الصومال لا يزال مشوباً بالنزاعات الجارية بين مناطق الحكم الذاتي … فكيف يمكن أن تتعاون المناطق المختلفة في الدولة لتحقيق هدف مشترك؟”
مزيد من القوات؟
من جانبه يرى الاتحاد الأفريقي أن الحل يتمثل في زيادة القوات لإضعاف حركة الشباب قبل بدء انسحاب قواته في عام 2018. وفي 16 يناير، طلب الاتحاد الأفريقي من مجلس الأمن الدولي السماح له بضم 4,500 جندي إضافي لمدة ستة أشهر غير قابلة للتجديد.
وتعليقاً على ذلك، قال ماديرا، ممثل الاتحاد الأفريقي: “لقد انتهينا من وضع خطط لاسترداد المعاقل الأخيرة لحركة الشباب في الصومال، وتحديداً في منطقة جوبا السفلى … ولكن للقيام بذلك، نحن بحاجة إلى قوات إضافية لهذه المهمة فقط، وبعدها سيعود عدد القوات إلى مستوياته السابقة”.
مع ذلك، قد لا يكون الاتحاد الأفريقي في الصومال هو الأداة المثالية لإعادة إحياء الدولة، خاصة بالنسبة للقوميين في مقديشو. بداية، دائماً ما كانت هناك علامات استفهام في الصومال حول تدخل الاتحاد الأفريقي، لاسيما عندما انضمت دول إقليمية منافسة – هي إثيوبيا وكينيا – إلى البعثة.
وتوضيحاً لذلك، قال عبدالرشيد حاشي، أحد معدي تقرير معهد التراث للدراسات السياسية في مقديشو: “في البداية، حققت [قوة الاتحاد الأفريقي في الصومال] الكثير، لاسيما دفع حركة الشباب خارج المراكز الحضرية … ثم دخلت إثيوبيا وكينيا الصومال، سعياً إلى تحقيق مصالحهما الأمنية الوطنية، وارتدت قواتهما زي [قوات الاتحاد الأفريقي] بحيث تدفع الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي الفاتورة”.
بناء توافق في الآراء
غير أن الأمر الحاسم في العملية، كما يقول تقرير معهد التراث للدراسات السياسية، هي الحاجة للتوصل إلى تسوية سياسية في الصومال تشمل الحكومة الاتحادية والحكومات الإقليمية.
وأشار إلى أن “هذه التسوية يجب أن تشمل الاتفاق على كيفية حكم الصومال، ورؤية مشتركة لدور قوات الأمن في البلاد وخارطة طريق لإدماج الجماعات المسلحة العديدة التي تتكاثر حالياً”.
وقال حاشي أنه “في حالة وجود جهاز أمني مسلح تسليحاً جيداً ومدرباً تدريباً جيدا يمكن، على المدى الطويل، أن يعالج مشكلات انعدام الأمن وعدم الاستقرار التي تخيم على البلاد”.
وأضاف أنه “يمكن تحقيق الكثير خلال السنوات الثلاث المقبلة إذا ما استطاع الصوماليون العمل معاً والتركيز بشكل جدي على النهوض بدولتهم المعتلة، وإذا ما قدم الشركاء الدوليون دعماً حقيقياً”.
وولاية فارماجو أمر لا غنى عنه لإحراز تقدم على تلك الجبهات المتعددة، لاسيما المصالحة، والتصدي للفساد والانتهاء من وضع الدستور، حسبما قال تقرير المجموعة الدولية للأزمات. كما أن مؤتمر لندن المزمع في شهر مايو، حيث ستكون الجهات المانحة حاضرة، يمكن أن يساعد في تحقيق هذا أيضاً.
ومن ناحية أخرى، تعهدت حركة الشباب بمحاربة فارماجو باعتباره “مرتداً”. وفي رسالة تحدي صدرت في أوائل هذا الشهر، تفاخر أحد قادة الحركة قائلاً: “نحن نعرف كيف نأكل الجبن”، في إشارة إلى الاسم المستعار للرئيس Farmajo واستغلال قربه من كلمة (formaggio)، التي تعني باللغة الإيطالية “الجبن”.
مع ذلك، هناك مؤشرات على أن حركة التمرد قلقة من شعبيته. وقد وردت تقارير عن أن القائد المنشق مختار روبو أبو منصور، الذي يقود الجناح “الوطني” لحركة الشباب، يفكر في الاستسلام.
ولا شك أن وجود أي دلائل ملموسة على حدوث انشقاق في صفوف المتمردين – التي لا توجد أي منها حتى الآن – ستمثل انتصاراً حقيقياً لفارماجو ومشروعه لإعادة بناء الصومال.
المصدر- أيرين