عليٌّ وعَنبَرَة: تزوجا بعد ما أتمَّا العقد العشرين من عمريهما، لقد مزج العشق بدمائهما وأعصابِهما منذ نعومة أظفارهما، لقد رزقهما الله غناء واسعا يشمل الصامت والناطق، والعقار والمتنقل.
ولقد قيّض الله لهما من الأولاد عشرة بنين وخمس بنات، قد استقلّ كل واحد من الأولاد بحياته؛ فتزوّج وصارت له أسرة، وتموّل وأنجب كالعادة .
وبقي كلٌّ من عليٍّ وعنبرة في بيت خال عن الحركة التي تأقلما معها في زمن بعيد، وفقدا متع الضجيج والعويل، وأحسا الوحدة والفراغ ، هناك تمنّى ،،الزوج “ أن تُنجب له محبوبته عنبرة توأمين يسميانهما “لُدن ولُويان ،، بحيث تختم بهما إنجابها.
وفي وَسط الليل وسَحرهِ تعوّد عليٌّ أن يكثر الهجوع، والتضرع ، والدعاء لله سائلا إيّاه أن يهب له ولزوجه كل من “لدن ولويان،، ليستأنسا بهما، وليكونا من رواد العصر وقادته.
لكنَّ دعاءه وإن طال زمانه إلا أنّه لم يَحظَ بالقبولِ والإجابة. لكنّ عليًا لم يقنط ولم يستسلم. بل أراق دماء القرابين، وأحضر أرباب الدعاء، وطلب منهم رفع أكف الضراعة بالدعاء بعد أن ملأ بُطونهم بالطّعام وأياديَهم بالنقود، ثم أكثروا الدعاء والتضرع لله، والنحيب والتلهيج بذكره، إلاّ أنَّه لم يُر أثرُ دعائهم. ومع هذا فإنَّ “عنبرة ” قد طعنت في السنّ السبعين من عمرها، ناهيك أن تنعم حملا وإنما أيس رحمها عن الحيض الذي هو علامة إمكانية الحمل.
ومع هذا لم يستسلما للقنوط، ولم ييأسا عَن رحمةِ ربِّ العالمين، لقد عزما أن يَطرقا كلَّ باب وإن كان بعيدا عن العقل والدين، حتى زارا مقابر وأضرحة يُتوهَّم أن الدعاء عندها مقبولة، ونذرا عندها نذورا، واشترطا بها شروطا، وقبضا عنها حَفنات من ترابها، وتكررا بزيارة “شيخ الفَرْج” الذي بُنيت عند قبره أحجارٌ تشبه قضِيب الذَّكر، وتجلس عليها النساء – طالبات الإنجاب -. ومع هذا كله لم تَحظ “عنبرة” حملا، ورجعت عن جَهدها الدؤوب بخفي حنين. لقد ظهر في الجوّ أن الأبواب قد سُدَّت أمامها، وأن الرجاء قد انقطع، وأنّ الحال قد آل إلى غير متوقِّع.
وقي آخر المطاف قد طار في سمعيهما نبؤ رجلٍ قيل: إنه يجيد علم النُّجوم وحركاتها، والأجرام السماوية وسيرها، والطَّرْقِ، والطلاسم، ويدَّعي ‘‘أنه فُتح له مِن علم الغيب حظّا كبيرا. وقد اشتهر عند الهمج” بشيخ الكلّ “لم يكن من الميسور أبدا الحصول على شيخ الكلِّ، وصاحب الطلاسم، بل لم يكن سهلا معرفة مكان تواجده؛ لأنّ له جولاناً في طول وعرض بلاد أبناء الصومال مِن موطن “عِيسى” شِمالا إلى أقصى الجنوب.. إلى مساكن “رِين دِينلي”. قيل: إنّ صاحب الطلاسم شيخ الكل: هو مثل “الشيخ جيلاني” لا تخلو عنه الأرض شبرا شبرا، ولا البحار موجا موجا، وله سُوق وسُمعةٌ عريضة عند النساء، والرعاءُ يعشقون طلاسمه وَطَرقه. حتى صار مِن حظّ “عليّ وعنبرة” بعد بحث دؤوب، وعمل ليل نهار ـ أن يقفا أمام “شيخ الكل” عندما تضيّفت الشمس للغروب، وغطّى الاحمرار الجوّ كلّه.
بعد هنيه من التعارف السريع تطرقا إلى صلب الموضوع الذي خلاصته: أنهما يطلبان أن تنجب “عنبرة” التوأمين “لدن ولويان”! لم يتوان “شيخ الكل”: أن تَمتَم؛ فنظر نظرةً في النجوم، ثم هَمْهَم وأشعل دُخان اللُبان، ثم نظر إلى الأرض وخط فيها خُطوطا ‘ورسم عليها طلاسم، ثم لمح إلى “عليّ” فقال له: كم عمر عنبرة؟ فقال علي: إن عنبرة وُلدت في سنة الجدباء والصيفِ الحارق، لقد أتمت ثلاثاً وسبعين عاما. فراغ الشيخ إلى طلاسمه وطَرقه ودخانه وهَمهَمَاته من جديد، ثم رفع رأسه وحَمْلَق عينيه فقال: إنّ “عنبرة” أصابتها مُشكلة خاصةٌ بالنساء اسمها: اليَأس مِن الحيضِ، وهي لا تنجب فلا تجعل بينَ الله وبينَ أوليائه مُشكلة!