في الصومال الجميع يحبسون أنفاسهم بعد انتهاء انتخابات رئاسة البرلمان بغرفتيه، مجلس الشيوخ ومجلس الشعب، بانتظار نتيجة الإنتخابات الرئاسية ومن سيكون الرئيس الصومالي المقبل، ويحتدم النقاش سواء على المستوى الرسمي أو الشعبي حول طبيعة البرلمان الجديد باعتباره الفيصل والحكم، هل هو نسخة جديدة من البرلمان السابق تعزز فرص الرئيس الحالي أم أنه برلمان جديد يحمل رؤى مختلفة قد تطيحه وتزيد حظوظ المرشحين الجدد؟.
يدور الصراع على الرئاسة بين ثلاث مجموعات رئيسية متمثلة في التيار الذي يتزعمه الرئيس الحالي حسن شيخ والمتحالفين معه، ومرشحين مدعومين من إدارة جوبالاند وبونت لاند، وإدارة جنوب غرب الصومال، ومرشحين مستقلين.
المجموعة الأولى: تيار الرئيس
على الرغم من التطورات السياسية التي حدثت خلال الأيام الماضية والمتمثلة في انتخاب وجوه جديدة معارضة أو لم تكن متحالفة مع تيار “الاستمراراية” والمتحالفين معه لرئاسة البرلمان بغرفتيه الشيوخ والشعب الا أن حسن شيخ لا يزال يمثل منافسا قويا ويحتل صدارة قائمة أبرز المرشحين حظوظا للفوز بالانتخابات رغم وجود عدد من المرشحين الذين تتزايد حظوظهم في الآونة الأخيرة على حسابه.
يحصل الرئيس دعما من نواب يرفعون شعار الاستقرار باعتبار أنه أساس التنمية وأن الاستقرار يتطلب إلى الاستمرارية، وبالتالي المطلوب ليس تغيير جوقة بجوقة أخرى ليست أكثر خبرة أو معرفة منه وانما يتوجب توجيهها واصلاحها.
ذهب بعض المحللين أن خسارة فارح شيخ عبد القادر والرجل القوي والمقرب من الرئيس حسن في الفوز بمنصب نائب رئيس مجلس النواب فأل سيء للرئيس حسن وأنها بداية لنهاية سقوطه وخروجه من القصر الرئاسي.
هذا التحليل فيه شيئ من الواقعية لكنه فيما يبدو أهمل عاملا مهما له تأثير قوى على من سيكون الرئيس المقبل وهذا العامل هو ضعف الطرف المنافس، ودور رؤساء الإدارات الاقليمية في الانتخابات الرئاسية ولاسيما شريف حسن حاكم إدارة جنوب غرب الصومال الذي لعب دورا مهما في قلب الطاولة على فارح شيخ عبد القادر.
فيما يبدو لم يكن أمرا هينا أن يترشح وزير العدل السابق والنائب فارح شيخ عبد القادر لمنصب النائب الأول لرئيس مجلس النواب- وبحسب معلومات مؤكدة حاول حسن شيخ محمود الثني عنه لكنه رفض ذلك – بسبب التعقيدات السياسية الصومالية ولا سيما في هذه المرحلة المفصلية من تاريخ العملية السياسية.
هناك قراءتين لتفسير قرار النائب فارح شيخ عبد القادر الترشح لمنصب نائب الأول لرئيس مجلس الشعب.
القراءة الأولى ترى أنها مناورة من تيار دم الجديد وتبادل مصالح مع الإدارات الاقليمية من دون وجود رهان حقيقي على فارح.
أما القراءة الثانية، تقول جاء ترشيح فارح كتعبير عن توتر وتصعيد حقيقيين نتيجة لتأزم مسار التفاوض بين تياره وبين الدول الراعية لعملية السلام في الصومال، ونتيجة لأسباب داخلية لدى تيار الرئيس حسن شيخ .
أنا أميل إلى القراءة الأول رغم اعتقاد بعض الأطراف أن هذه القراءة فيها قدر كبير من السطحية وعدم الإلمام بطبيعة فارح وما يمثّله داخل التيار. فهو ليس كمرشح رئيس مجلس الشعب الخاسر عبد الرشيد حيدغ حتى يقبل التيار بحرقه في مناورة لمعرفة حجم أصواتهم في البرلمان.
ثانيا: مرشحو الإدارات الاقليمية.
يحتفظ عدد كبير من نواب البرلمان بولائهم للإدارات الإقليمية ولا يريدون فك الارتباط معها وعلى المثل العربي من سلك الجدد أمن العثار، ومستعد بالوقوف إلى جانب رؤسائها حتى نهاية المعركة الانتخابية.
يعتقد هؤلاء الأعضاء أن الحكومة المقبلة لن تتشكل الا برضى هذه الإدارات وأن الحقائب الوزراية سيتم توزيعها وفق منهج توافقي بين الحكومة المركزية والإدارات الاقليمية وبالتالي لا يريدون رفض مطالبها طمعا لهذه المناصب. فهؤلاء لا شك سيصوتون وفق توجيهات رؤساء الإدارات، وسيعطون ثقتهم لمرشح رئيس الولاية التي ينحدرون منها.لكن ليس هناك مرشح توافقي للإدارات الاقليمية وأن رؤساء هذه الإدارات فيما يبدو سيتخذون مسارين:
المسار الأول: مسار إدارتي جوبالاند وبونت لاند
إن رئيسا جوبالاند وبونت لاند أحمد مدوبي، وعبد الولي غاس. في هذه المرحلة ليس لديهما مرشح معين يدعمانه رغم وجود مرشحين منحدرين من ولايتي جوبالاند وبونت لاند وذلك لسببن رئيسيين،
السبب الأول : رفضهما لتولي شخصية من الإدارتين منصبا أعلى من منصبيهما .
أما السبب الثاني هو اعتقادهما أن رئيسا للصومال ينحدر من عشيرة دارود يضعف موقف الإدارتين أمام الحكومة الاتحادية ولا يمكن رفض القرارات الصادرة عنها، كما كان الأمر سابقا ولن يحصلا على تعاطف المجتمع الدولي اذا فعلا ذلك باعتبار أن رئيس الحكومة الفدرالية شخصية ينتمي إلى عشيرتهما.
وعلى هذا الأساس لم يبق أمامهم الا خيار دعم مرشح لا ينتمي إلى عشيرة دارود. من هو هذا المرشح؟ سنذكره في الحلقة القادمة.
المسار الثاني: مسار إدارة جنوب غرب الصومال
يبدو أن رئيس دارة جنوب غرب الصومال والمرشح الرئاسي شريف حسن بعد انتخاب شخصية تنتمي إلي عشيرته رئيسا لمجلس الشعب بدأ يغرد خارج السرب وأنه حائر في المرشح الذي سيدعمه وأن خياراته تتقلص أمامه إلى حد أختصارها بثلاثة خيارات، أن يدعم الرئيس الحالي حسن شيخ محمود.
لحد الآن كل المعطيات على الأرض تشير إلى أنه سيدعمه في نهاية المطاف، وذلك سبب العلاقة المتوترة مع المرشحين البارزين الآخرين، وإما التحالف مع إدارتي جوبالاند وبونت لاند ودعم مرشح واحد أو ترك الأمر لنواب البرلمان المؤيدين له يختارون من يشاؤون.
المجموعة الثالثة: المرشحين المستقلين
يعتقد هؤلاء المرشحون أن زمن الإدارات الاقليمية والحكومة قد انتهى وأن القوة باتت بيد أعضاء البرلمان بدليل:
أولا: أن البرلمان الحالي تم تشكيله وفق رؤية “لا للاستمرارية” ومن المستحيل أن يدعم الرئيس الحالي ، وأن أكثر من 50٪ من النواب أعضاء جدد وأنهم يريدون التغيير وانتخاب رئيس جديد يتناسب مع المرحلة الحالية.
ثانيا: يتكون البرلمان الجديد بغرفته مجلس النواب والشيوخ 329 عضوا من مختلف المناطق والقبائل الصومالية وصحيح أنه تم انتخابهم وفق المحاصصة القبلية المعروف بـ 4.5 وبضوء أخضر من الرئيس حسن شيخ محمود، ورؤساء الإدارات الاقليمية الخمسة بونت لاند، وجوبالاند، وجنوب غرب الصومال، وجلمدغ، وهيرشبيلي، لكن بعد حصولهم على عضوية البرلمان وأدائهم اليمن الدستورية تحرر معظمهم من هيمنة شيوخ العشائر والإدارات الاقليمية ، وأصبحوا أعضاء مستقلين قادرين على رفض إملاءات هذا الطرف أو ذاك واتخاذ قرارات يريح ضميرهم أو على الأقل يخدم لمصلحتهم، في واقع الأمر أن نسبة المؤيدة للرئيس الحالي داخل قبة البرلمان لا تمثل الأغلبية، بل تتراوح عددها ما بين 60 إلى 80 عضوا، بحسب مصادر مطلعة الى جانب عدد قليل حائرين مترددين بين مجموعتين لا يدرون أيهما يتبعون هل سينضمون إلي فريق الاستمرارية وإعادة انتخاب الرئيس من جديد أم سينحازون إلى مطالب دعاة التغيير .
خلاصة القول: إن الخريطة الانتخابية الرئاسية في الصومال تزداد تعقيدا، ما يجعل من الصعب الحسم في هوية الرئيس الصومالي المقبل والباب مفتوحا لكل الاحتمالات. في البداية كان الجميع يعتقد أن إعادة انتخاب الرئيس الحالي تحصيل حاصل ومسألة وقت غير أن خسارة فارح شيخ عبد القادر الرجل القوى والذارع الأيمن للرئيس حسن شيخ في الفوز بمنصب النائب الأول لرئيس مجلس البرلمان خلطت أوراق المحللين .
في كل الأحول سننظر احتمالات الفشل والنجاح لأبرز المرشحين في الانتخابات الرئاسية كل على حدا في الحلقة القادمة إن شاء الله.