انشقاق وعزلة
حدث سياسي هو الأهم منذ فترة شغل العامة وأثار تكهناتم، كما دفع المراقبين للإدلاء بدلوهم حوله، في محاولة لتحليل الأسباب التي أدّت لذلك المنحى الذي أخذته كتلة “ائتلاف الباحثين عن التغيير” المنشقة عن حزب “كولمِيِه” الحاكم في صوماليلاند، مؤشرًا لذلك للحالة المعلقة التي عايشتها تلك الكتلة، بكل رجالاتها الذين شغلوا مراكز مهمة في حكومة “هرجيسا” حتى استقالتهم الجماعية، والتي لم تحقق أي نتائج تُذكر، نتيجة لتخلي الرئيس “أحمد محمد محمود سيلانيو” عن رجالاتها دفعة واحدة، ما جعلهم عرضة للسحق تحت سيور “جرّافة” رئيس الحزب “موسى بيحي عبدي”، وتدمير مركزهم في الحزب الحكام، ومن ثمّ عزلهم وتحييدهم تمامًا، خاصة وأن دافع الانشقاق كان كامنًا في الاعتراض على سعي “سيلانيو” لتنفيذ جانبه من الاتفاق السياسي الذي قاده للسلطة، مع شريكه “بيحي”، ذلك الاتفاق القاضي بدعم الثاني للأول في المنطقة الانتخابية الكبرى شمال وغرب العاصمة “هرجيسا” بحيث يضمن الأول الفوز بالانتخابات، ومن ثمّ يتيح لشريكه بأن يليه في قيادة الحزب، وأن يكون المرشح الوحيد للحزب في الانتخابات الرئاسية، وهكذا كان رغمًا عن كتلة “حرسي” بكل ثقلها الحكومي والسياسي الذي تصاعد إبّان توليه أهم منصب في حكومة كولميه – حينها – أي وزير شؤون الرئاسة!
ما الذي حدث؟!
انتقال كتلة “ائتلاف الباحثين عن التغيير” جملة واحدة إلى “حزب “وطني” كان متوقعًا، خاصة مع ما كان يتردد حول اجتماع قيادة الكتلة مع “فيصل علي ورابي” رئيس حزب “أوعيد”، وما توالى من اجتماعات بين الكتلة قيادات حزب “وطني” الذي يشغل قائده السابق ومرشحه الرئاسي “عبدالرحمن محمد عبدالله (عرو)” منصب رئيس مجلس النواب الصوماليلاندي، ومع تضعضع حزب “أوعيد” وتفككه الناتج عن الصراعات الداخلية بين أجنحة القيادة فيه، فإنه لم يكن مستعبدًا قيام “حرسي علي حاجي حسن” وهو قائد الكتلة المنشقة عن حزب “كولميه” ، بالبحث عن وسيلة ما للخرج من حالة العزلة السياسية والتحييد المضني، الذي أوقعته به حساباته الذي ثبت خطؤها، نتيجة لاغتراره بمكانته كـ”ذراع يمين” للرئيس سيلانيو، وحيث صدم الأخير الجميع بتخليه عنه، ليقع دون استعداد ضحية لمعركة كسر العظام التي خرج فيها الطيار الحربي السابق “موسى بيحي” منتصرًا!
الواقع السياسي في صوماليلاند ومستقبل الكتلة المنضمة لحزب “وطني”:
تتميز “صوماليلاند” عن سواها من المناطق الآهلة بالصوماليين، بجود نظام سياسي تعددي مستقر يتكوّن من ثلاث أحزاب كبرى، تنتظم في السلطة على هيئة حزب حاكم وحزبين معارضين، وقد يحدث أن يلتحق أصغر الحزبين المعارضين بائتلاف مع الحزب الحاكم، وعلى الرغم من استقرار المظاهر الديمقراطية للتداول السلمي للسلطة، فإن مستوى الوعي الشعبي، لازال قاصرًا عن الدفع باتجاه إيصال القادة الأكفاء للسلطة، نظرًا لغياب مبادئ المفاضلة عبر “نظافة اليد” و”البرامج السياسية” والخطط والجداول الزمنية، وفشل النظام البرلماني بمجلسيه في أداء أبسط صو المحاسبة والمتابعة للقائمين على العمل العام، وفساد السلطة القضائية الخاضعة للسلطة التنفيذةي من جهة، وتلوث رجالات منها بالرشوة تسهيل ضياع الحقوق العامة والخاصة!
وقد يكون إغلاق باب تسجيل الأحزاب السياسية، والتضييق على الجمعيات السياسية في البلاد، والذي من المرجح استمراره حتى منتصف العقد الثاني من هذه الألفية، نظرًا لتكرار التمديد للمدد الرئاسية التي غدت سنة في “صوماليلاند”، فإنّ انضمام “حرسي” وكتلته إلى حزب “وطني” لا يحقق لتلك الثلة الطموحة من السياسييين، سوى أن تكون منصة تتيح لهم مارسة العمل السياسي إعلاميًا، خاصة مع ابتداع مسمى سياسي غير مسبوق لزعيم الكتلة، وتسميته بـ”قائد الحزب”، رغم وجود “زعيم للحزب” ونوّابه، إلى جانب “المرشح الرئاسي للحزب” ومؤسسه رئيس المجلس النيابي “عرّو”!