أحلام ثقافية (ركن إسبوعي) عباقرة لهم أصول في منطقة القرن الإفريقي 11

علماء الصومال ودورهم في علم الحديث:

وطالما تناولنا الحديث عن محدث الحجاز الشيخ محمد بن عبد الله الصومالي في أربع الحلقات الأخيرة من خلال سلسلتنا ” عباقرة لهم أصول في المنطقة”  باعتباره أحد عباقرة لهم أصول في  منطقة القرن الإفريقي، فأرى أنه ينبغي أن نشير أيضاً إلى جهود أهل الصومال عموماً في خدمة الحديث وعلومه لأنّ الشيخ محمد بن عبد الله الصومالي برز في هذا المجال، علماً أنه كلما ذكر علم الحديث وعلومه وإسهامات المسلمين في ذلك، يفتخر أهل الصومال بأن لهم في ذلك  فضل كبير من خلال بعض أهل العلم الذين برعوا في هذا الفنّ ، بل ولهم إسهامات في ذلك ، سواء كان هؤلاء بعض الزيالعة أو الجبرتية أو بعض المقدشاويين أو غيرهم ، حيث يخطر ببالهم من أول الوهلة جهود هؤلاء المحدثين الأخيار ، الذين ذاع صيتهم ، وارتفع شأنهم في ذلك الفنّ ،  مثل المحدث الحافظ المتقن البارع أبو محمد جمال الدين عبد الله بن يوسف بن محمد الزيلعي . وقد وضع لخدمة فنّ حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلم وعلومه كتاباً سماه “نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية ” . كما قام بجهود علمية تتعلق بعلم الحديث وضروبه المختلفة .

ومن هؤلاء أيضاً الذين خدموا أحاديث رسول الله صلّى الله عليه وسلم ، الفقيه أبو عبد الله محمد بن علي بن أبي بكر المقدشي معيد البادرائية . ومن المحدثين الصوماليين الذين أثروا الحياة العلمية لا سيما فيما يتعلق بالحديث وعلومه ، وكانت لهم مدارس خاصة ، بل وتتلمذ على أيديهم نخبة من أهل العلم في العالم الإسلامي ،  الشيخ أبوعلي ابن أبي بكر بن علي بن الحسين ابن أحمد بن يوسف بن أسد التميمي الجوهري المقدشي ، ويعرف بابن البلوي ، غير أنه اشتهر بنسبته إلى مقدشو[1] .ويكفي فضل بعض المقدشاويين والزيالعة في الحديث وعلومه ، أن كبار المحدثين في العالم الإسلامي مثل الحافظ بن حجر العسقلاني والحافظ الذهبي أخذوا بعض شيء من علم الحديث من هؤلاء المقدشاويين أو الزيلعيين مباشرة أو عن طريق شيوخهم  [2] . وقال ابن حجر العسقلاني في كتابه ( تبصير المنتبه بتحرير المشتبه) قال: ” وشيخنا أبو عبد الله محمد بن محمد بن أحمد شمس الدين المقدشي حدثنا عن ابن عبد الهادي ..) [3].

وهناك جهابذة من أهل الصومال قدموا للحديث خدمات علمية منذ العصور الوسطى وحتى يومنا هذا ، وقد أشرنا في ذلك أكثر من مكان [4] ، ولا غرابة في ذلك لأنّ علم الحديث يعدّ من أفضل العلوم الشرعية وأشرفها بعد كتاب الله تعالى ليس عند أهل الصومال فحسب وإنما لدى جميع أتباع محمد بن عبد الله – صلى الله عليه وسلم – ولا يخفى على أهل التخصص والدراية في فنّ الحديث وعلومه قول أبي سعد عبد الكريم بن محمد منصور التميمي السمعاني المتوفي (562هـ) حيث قال : ” اعلم وفقك الله أنّ علم الحديث أشرف العلوم بعد العلم بكتاب الله سبحانه وتعالى ” [5]. ومن هنا فلا يستغرب إذا أصبح جلّ اهتمام علماء المسلمين مُركزاً وموجهاً إلى تعليم الحديث ودراسته وتدوينه وتمييز صحيحه من ضعيفه وموضوعه من حسنه وغريبه ، حتى نمت دراسته وارتقت بحيث تطور علمه ودراسته إلى حدّ انبهر المستشرقون من أعمال هؤلاء المحدّثين المسلمين الذين تفننوا في إبداعه وتطويره، حتى احكموا الموضوع وتصدوا لجميع المحاولات التي حاولت المساس به. وانطلاقاً من أهمية هذا الفنّ ، حرص المسلمون على العناية بالحديث منذ العصور الإسلامية الأولى ، وكان أهل العلم من أهل الصومال من ضمن جملة المسلمين الذين عنوا بدراسة الحديث الشريف ، والسنة المطهرة  عبر العصور الإسلامية ، حتى في العصور المتأخرة ، حيث إننا نجد دراسات جامعية عصرية [6] ساهمت في إثراء هذا الفن ، وأخرى تمت على أيدي علماء وباحثين أكفاء تفننوا في المجال  رغم عدم ظهورهم أغلبهم في الساحة العلمية العربية كما سنشير إليه في الصفحات التالية .ومن الكتب التي انتجها أهل العلم في الصومال وتتعلق بالحديث كتاب : (مرويات أبي بكرة رضي الله عنه- في مسند الإمام أحمد) للشيخ الفاضل أبي بكر بن علي الدغلي الدافيدي الصومالي المشار إليه فيما سبق، والمؤلف رتب الأحاديث على الأبواب الفقهية على ما سار عليه أصحاب المصنفات من المحدثين، فجمع الأحاديث المتعلقة بكل موضوع في مكان واحد، ثم تكلم على أسانيد الأحاديث ورجالها، حيث ترجم لكل راو منهم ترجمة موجزة ، ثم قام بتخريج الأحاديث، حيث حاول الوصول إلىالمراجع، وبالتالي حكم علي الأحاديث حسب ما كان يظهر له من قوة وضعف مع عنايته ضبط غريب الأحاديث وبيان معانيها بعبارة واضحة ، وذلك بالرجوع إلى كتب غريب الحديث وكتب اللغة ، كما أن الشيخ أبا بكر بن عليبّين شيئاً من فقه الأحاديث وما يستفاد منها من أداب إسلامية مع عزِو الأقوال إلى مصادرها الأصلية . ومن الفوائد في الكتاب أنّ القارئ يجد تراجم عن أئمة ثلاثة ترجم لهم المؤلف وهم: القطيعي أحمد بن جعفر بن حمدان والإمام أحمد بن حنبل ، وكذلك الإمام عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل ،ويقع الكتاب في 324 صفحة. الحدير بالإشارة أن فضيلة الشيخ أبا بكرة بن علي الصومال كان ضمن الذين استفادوا من حلقات الشيخ محمد بن عبد الله الصومالي وكرعوا من علومه وخبرته في مجال الحديث وعلومه كما ذكرنا عند حديثنا عن طلاب الشيخ محمد بن عبد الله الصومالي.ومهما كان فإنّ جهود أهل العلم في الصومال وإسهاماتهم في حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلم وصل إلي قيام بعضهم بتحقيق التراث المخطوط المتعلق بالحديث وعلومه ، وعلى سبيل المثال لا الحصر، ما قام به فضيلة الشيخ الدكتور علمي طحلو جعل المرسدي في تحقيق كتاب ( الكامل في ضعفاء الرجال لابن عدي ) علماً أنذ عمل فضيلة الدكتور يبدأ من بداية ترجمة حماد بن جعفر إلى نهاية الترجمة للحسين بن علي بن الأسود . ويتكون هذا الكتاب في مجلدين يصل عدد صفحاته حوالي 1000 صفحة .

ومن جهود أهل العلم أيضاً في هذا المنحى ما قام به فضيلة الدكتور الشيخ شريف عثمان بن أحمد السقاف في تخريج أحاديث وأثار من كتاب : ( أصول السرخسي وخاصة القسم الثاني ).وقبل قيام المؤلف بالتحقيق والدراسة حول هذا الكتاب ترجم المؤلف للإمام السرخسي ، حيث ذكر اسم المؤلف ونسبه ونشأته ومكانته العلمية وثناء العلماء عليه ، وأشهر شيوخه وتلاميذه ووفاته . والمؤلف اشتغل في بتخريج الكتاب والدراسة عليه ، ويصل عدد  الأحاديث والاثار في الكتاب قرابة 530 حديث وأثر . ولفضيلة الدكتور شريف عثمان أيضا جهد علمي أخر في المنحى نفسه وهو كتاب التوضيح شرح الجامع الصحيح لإن الملقن – دراسة وتحقيق كتاب المغازي.

ومن الجهود أيضاً ما كتبه ما قام به في هذا المجالفضيلة الدكتور الشيخ مُحمُد محمود مُحمُد المرسدي ، وخاصة في مجال التحقيق والدراسة الهادفة حيث حقق الجزء الثالث من القسم السابع من سنن الإمام النسائي واشتغل الشيخ بضبط الأحاديث وتخريجها، وبيان درجة أسناد كل منها، كما علق كل شيء له علاقة في هذا المضمار . ومن المؤلفين والدارسين من أهل العلم والحرص  أيضاً صاحب المعالي الدكتور محمد علي فارح حسن الأمانلي المجيرتيني ، حيث حقق كتاب معالم السنن في شرح سنن أبي داود للإمام الخطابي ، ومن نافلة القول أنّ الدكتور محمد على اجتهد على أن يخرج هذا الكتاب مع تخريج ودراسة القسم الأول من بداية الكتاب إلى أول كتاب الجنائز، علماً أن المحقق لم ينس ترجمة الإمام  الخطابي وعصره وحياته الشخصية والعلمية.ويمتاز هذا الكتاب بأن الإمام الخطابي أضاف إلي الكتاب من علمه الغزير عند شرحه الكتاب وتظهر بسماته في تعليقاته المتعلقة بالحديث والفقه واللغة العربية . ومن جهود الدكتور محمد علي فارح أيضاً حديث الرواة الذين تكلم فيهم الإمام الدار القظني في كتابه السنن .. دراسة مقارنة ، وقد نال المؤلف من خلال بحثه هذه درجة الدكتوراه في علوم الحديث من جامعة القرآن الكريم والعلوم الإسلامية في السودان.


[1] –  ابن ناصر الدين : توضيح المشتبه 8/244

[2]– الذهبي : معجم الشيوخ ” المعجم الكبير ” 2/251 ، مكتبة الصديق ، تحقيق استادنا الدكتور / محمد الحبيب الهيلة  ؛ وانظر أيضاً ابن حجر العسقلاني : الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة 2/310

[3]–  ابن حجر العسقلاني : التبصير المشتبه  4/1384، المكتبة العلمية ، بيروت ، بتحقيق علي محمد البجاوي

– [4]

انظر على سبيل المثال الثقافة العربية وروادها في الصومال – دراسة تاريخية حضارية  . وانظر أيضا مقدمة كتاب معجم المؤلفين الصوماليين في العربية

[5]– السمعاني ، أبو سعد عبد الكريم بن محمد بن منصور التميمي المتوفي سنة (562هـ1166م) : أدب الإملاء والاستملاء ص3 مطبعة ليدن 1371هـ/1952م .

[6]–  ويجدر الإشارة إلى أن هذه الدراسات الأكاديمية نال بها أصحابها درجات علمية أجيزت من قبل جامعات عالمية مثل : جامعة أم القرى بمكة المكرمة ، والجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة ، وجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض ، وجامعة الأزهر الشريف ، وجامعة محمد الخامس بالمغرب ، وغير ذلك . 

د/ محمد حسين معلم علي

من مواليد مدينة مقديشو عام 1964، أكمل تعليمه في الصومال، ثم رحل إلي المملكة العربية السعودية ليواصل رحلته العلمية حيث التحق بجامعة أم القرى قسم التاريخ الإسلامي حيث تخرج في عام 1991م، ونال الماجستير بنفس الجامعة في عام 1998م ،كما واصل دراسته في كل من السودان والنرويج، حيث نال درجة الدكتوراة بجامعة النيلين عام 2006م، أما في مملكة النرويج فقد تخصص بالدراسات التربوية وكذا الثقافات واللغات المتعددة في جامعة همر بالنرويج. وعمل أستاد التاريخ والحضارة الإسلامية في الجامعة الإسلامية في مقديشو - الصومال، وهو عضو في عدد من المنظمات المحلية والإقليمية والدولية، أصدر "ديوان الشاعر بعدلي" عام 2002م ، و"الثقافة العربية وروّادها في الصومال" عام 2010م، وله عدة بحوث أخرى، يقيم الآن بالنرويج .
زر الذهاب إلى الأعلى