شهد الصومال تطورا ملحوظا في التعليم العالي ابان الحكومات المتعاقبة في الصومال بدءا من استقلال الصومال عام 1960م ، حيث عمدت الحكومات الصومالية الى تطوير التعليم عموما والتعليم العالي خصوصا في الصومال ، وخلال حكم الرئيس الصومال الأسبق محمد سياد بري واعتنائه بالتعليم وسعيه نحو محو الأمية تطورت الجامعات ومعاهد التعليم العالي في الصومال، وأصبح للجامعات الصومالية شأن كبير حيث اصبحت قبلة للمواطنين الصوماليين وللأجانب نظرا لسمعة الجامعات الصومالية آنذاك ، وتخرج من هذه الجامعات كوادر صومالية مثقفة كانت لديها الكفاء العلمية والمقدرة على تعليم المجتمع ونشر الثقافة والتعليم بين اواسط المجتمع الصومالي .
وكانت جامعتا الأمة وجاهيري من اهم الجامعات الوطنية في ذاك الزمن ، ويعد السفير الصييني الحالي من خريجي جامعة الأمة في ذاك الزمن ، مما يدل على مكانة الجامعات الوطنية في ذاك الزمن.
وبعد سقوط الحكومة المركزية الصومالية عام 1991م ودخول الصومال في صراعات ونزاعات وحروب داخلية ، وخراب القطاعات العامة والخاصة ، كانت ملف التعليم عموما والتعليم العالي خصوصا من اهم المجالات التي تأثرت بسقوط الحكومة المركزية ، حيث فرَ الأساتذة والطلاب والكوادر العلمية من هذه الجامعات ولجؤا الى الدول المجاورة فارين من هذه الحروب والنزاعات الشرسة، وفقد الصومال كوادر علمية هائلة بسبب هذه الظروف البائسة .
إلى جانب هذا تأثرت المباني الجامعية بهذه الحروب والنزاعات ، حيث تدمرت معظم الكليات والمباني لهذه الجامعات واصبحت في بعض المرات ثكنات عسكرية للفئات المتقاتلة في الصومال ، وضاعت المكتبات الوطنية .
إلا انه رغم هذا فإن الكوادر الصومالية والتي قررت في العموم اعادة الاستقرار والكرامة للصومال ، عقدت العزم على اعادة تأهيل قطاع التعليم العالي في الصومال ، وارجاع الكوادر التعليمية الى البلد وتمكين الطلاب الصوماليين المتخرجين من المدارس الوطنية بالالتحاق بالجامعات الوطنية نظرا لعدم مقدرة كمية كبيرة من الطلبة بالالتحاق بجامعات الخارج.
وخلال هذه الفترة التحق اعداد كبيرة من الطلبة بجامعات الخارج في بعض الدول التي منحت منح تعليمية لأهل الصومال من اجل مساعدة المجتمع الصومالي على اعادة تأهيل قطاع التعليم العالي ، وكان للسودان الدور الأبرز في مساعدة الصوماليين في المجال الثقافي والتعليمي ، حيث قررت الحكومة السودانية استيعاب اعداد هائلة من الطلاب الصوماليين والسماح لهم بالإلتحاق بالجامعات السودانية سواء في مرحلة البكلاريوس او الماجستير او الدكتوراه .
بالإضافة الى السودان لعبت اليمن ومصر والسعودية مثل هذا الدور واستوعبت بعض الطلاب الصوماليين في جامعاتها ، وتخرجوا من كليات مختلفة ،
وساهم هؤلاء الطلاب المتخرجين من هذه الدول بالإضافة الى الكوادر الصومالية التى تخرجت من الجامعات الوطنية ابان الحكومات المركزية في اعادة افتتاح مجال التعليم العالي في الصومال.
وحدثت في العاصمة الصومالية ومقديشوا والولايات الصومالية ثورة من اجل اعادة تأسيس التعليم العالي في الصومال ، وتم افتتاح الجامعات ومعاهد التعليم العالي في كافة ارجاء البلد.
وتمكنت هذه الجامعات من اخراج الآلاف من الطلاب الصوماليين بمختلف التخصصات ، ومكنت المجتمع الصومالي من الحصول على كوادر تعليمية ومثقفة تستطيع اعادة الامن والاستقرار لصومالنا العزيز.
لذا يبرز السؤال الرئيس هنا وهو ما هي الانجازات التي تمكنت هذه الجامعات من الوصول إليه ، وماهي الأخفاقات والعقبات التي لم تتمكن هذه الجامعات من تجاوزه؟، لذا سنتاول فيما يلي بعض الانجازات والاخفاقات للتعليم العالي في الصومال بعد سقوط الحكومة المركزية الصومالية عام 1991م .
إنجازات التعليم العالي في الصومال
تمكنت الجامعات ومعاهد التعليم العالي في الصومال من سد فراغ كبير حصل جراء سقوط الحكومة المركزية وانهيار مؤسسات التعليم العالي في الصومال ، واصبحت هي المسؤولة في اعادة قطاع التعليم العالي في الصومال.
ويرى الاستاذ مصطفى محمد صلاد خبير في الشؤون التربوية ومحاضر في الجامعة الوطنية في الصومال ، ان هذه الجامعات تمكنت من اعادة روح التعليم العالي في الصومال ، واعداد كوادر تعليمية وطنية تعلمت في خارج الوطن وتثقفت بالثقافة الوطنية ، وانها مكنت الصومال من تجاوز عقبة قلة الكوادر المثقفة ، وبدونها كان الصومال يعاني من عدم تواجد كوادر صومالية .
من جانبه يشير الأستاذ موسى احمد عيسى محاضر في بعض الجامعات الصومالية ان قطاع التعليم العالي في الصومال بدأ من الصفر ، وتمكن خلال مدة قصيرة من بلوغ مرحلة طيبة وعالية في اعادة قطاع التعليم العالي في البلد، وان الكوادر المثقفة التي تخرجت بعد سقوط الحكومة تمكنت من اعادة الوجه الطيب للصومال ،وان الجامعات الوطنية فتحت معظم التخصصات العلمية المتواجد في العالم ، وانه رغم قلة الموارد المالية والبشريه لديها إلى انها تمكنت من مواجهة معظم التحديات والعقبات التي واجهتها.
اخفاقات التعليم العالي في الصومال
رغم الانجازات التي اشار لها القائمون في شئون التعليم العالي في الصومال ، إلا ان هناك تحديات واخفاقات واجهت هذا القطاع ، حيث تكاثرت الجامعات ومعاهد التعليم العالي بأعداد هائلة في المدن الصومالية بدون رقابة حقيقة من وزارة التعليم العالي في الصومال والتي تواجه تحديات كبيرة في عملية تحديد احقية الجامعات في إنشائها واستمراريتها ، حيث لا تخضع هذه الجامعات للشروط العالمية في افتتاحها وان عملية فتح الجامعات في الصومال اصبح سهلة وبدون خضوعها لشروط سياسة التعليم العالي في البلد، وأصبح الهم الرئيس للجامعات كثرة اعداد الطلبة دون الإهتمام بالجودة التعليمية والإهتمام بالبحث العلمي.
ويشير الاستاذ مصطفى ان مؤسسات التعليم العالي في الصومال ، لم تستطع بلورة جانب البحث العلمي في هذه المؤسسات ، حيث ان الجامعات لا تمتلك معاهد ومراكز علمية قادرة على البحث العلمي ، وان الطلاب في الجامعات ورغم قيامهم ببحوث التخرج إلا ان معظم هذه البحوث ليست قوية ولا تلبي شروط البحث العلمي القيم.
ويضيف الاستاذ مصطفى محمد صلاد ان على وزارة التعليم العالي في الصومال ان تضع سياسة التعليم العالي في البلد ، وتتحكم فيه وتضع الشروط اللازمة لافتتاح المؤسسات التعليمية وانها عليها ان تنفذ هذه السياسيات .
وينبه الاستاذ موسى احمد عيسى انه رغم هذه الاخفاقات التي تواجه الجامعات الصومالية إلا ان لها دورا كبيرا في المجتمع الصومالي ، وان على الجامعات ومعاهد التعليم العالي وزارة التعليم العالي التعاون من اجل تطوير مؤسسات التعليم العالي في البلد ، وان يسعوا من اجل التعاون الحقيقي بين الجانبين.
من جانبه يوصى الاستاذ مصطفى محمد صلاد بمؤسسات التعليم العالي في البلد الاهتمام بالبحث العلمي والسعي من اجل تشييد التعليم العالي في البلد واخراج كوادر علمية قادرة على البحث العلمي والتعاون الوثيق فيما بينها لتطوير هذه المؤسسات