تمر بك قصص في كتب التاريخ تمزجها ثقافة الكراهية للآخرين بسبب مقولة كاذبة وأخبار مختلقة.
نقل لابن حزم أن ابن فورك وهو أحد فضلاء الأشعرية وصلحائهم، قال: إن رسول الله ليس هو رسول الله اليوم، لكنه كان رسول الله. فجاشت أحاسيسه وانطلق لسانه بلعن ابن فورك بناء على هذه الرواية المزعومة.
كما زعم خالد القسري- أحد طغاة بني أمية- أن الجعد بن درهم – رحمة الله عليه- يقول: إن الله لم يتخذ إبراهيم خليلا، ولم يكلم موسي تكليما.
ثم نزل من على المنبر وذبحه يوم الأضحى كما تذبح النعاج، ثم سارت مقالة هذه الطاغية في كتب التاريخ مسير الشمس، وتناقلها جمع من المؤرخين وأهل العلم وكأنها جاءت من عندالله لا من عند سلطان طاغية واتخذوها حجة للعن الجعد بن درهم كما يصنع ابن كثير في تاريخه، واستحسن ابن قيم قتل جعد بن درهم وشكرصنيع خالد القسري في نونيته.
و بعد هذا كله يظهر أن قتل الجعد كان لسبب سياسي لا أكثر ولا أقل، وأنه مع ثورة يزيد بن المهلب ضد الدولة الأموية كماذكر ذلك الدكتور سامي في (نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام1/331، وشعيب أرنوط في تحقيقه على سير أعلام النبلاء 5/433، والبحاثة حسن بن فرحان المالكي في قراءة على العقائد ص92، والدكتور حسين عطوان في الفرق الإسلامية في بلاد الشام في العصر الأموي)
لقد فعلت السياسة في التاريخ والوجدان كثيرا، واصبح العقل مرتهنا لهذا الموروث الخطير الذي يدعم التناحر،
وانقسم المسلمون إلى فرق شتئ ، واحزاب متناحرة وضلل بعضهم بعضا ، وكفر بعضهم بعضا بناء على هذه المرويات الباطلة والأقاويل الكاذبة.
لقد تواترت كتب الملل والنحل على تصنيف فرقة الإباضية ضمن فرق الخوارج حتى جاء العصر الحديث، وزالت الحواجز وظهر أنهم ينفون نسبتهم إلى الخوارج ويتبرؤون من طريقتهم كما تراه في كتب الخليلي، واطفيش وغيرهم من أئمتهم.
وأفتى الشيخ عبد العزيز بن باز بعدم جواز الصلاة وراء الزيدية لغلوهم بناء على ما نقل اليه ثم رجع عن ذالك كما في (فتاوى سماحة السيخ عبد العزيزبن عبدالله بن باز 2/280).
وبناء على هذا انقسم المسلمون إلى حزبين: شيعة وسنة، وصار كل حزب ينبز الآخر بالنبز الخاص به، فالشيعي ينبز السني بأنه ناصبي، والسني ينبز الشيعي بأنه رافضي.
وهكذا أصبح النبز بالنصب في المكان الذي يسود فيه التشيع سياسة تستخدم في وجه من يراد إيقاع الضر به، وتنزيل رتبته وهذا ما حصل مع إبن الوزيز، وابن الأمير، والمقبلي، والشوكاني وغيرهم ممن عاشوا في بيئة شيعية واجتهدوا في آرائهم منصفين آراء إخوانهم من السنة.
وشاع نفس الأمر في البلدان التي يكثر فيها التسنن فلا تجد فيها تهمة مثل تهمة الرفض وهذا فعله المتعصبون من السنة مع النسائي، وابن عقدة، والطبري، وابن عبد البر،وابن شهاب ، وابن عقيل من الذين انصفوا في كتب إخوانهم الشيعة.
وهكذا أصبح النبز سلاحا فتاكا مقدسا يستخدم لدفع الخصوم، والتنفير عنهم، وتهييج المشاعر ضدهم .
و ما اتهم الحافظ الدارقطني خصومه بالرفض إلا لكونه يحفظ ديوان السيد الحميري، وما اتهم الشاطبي صاحب الموافقات بالرفض إلا أنه لم يلتزم ذكر الخلفاء الراشدين في الخطبة، وقد كان يفتي العز ابن عبد السلام ببدعة ذكر الخلفاء يوم الجمعة كما في الفتاوى الموصلية.
كما اتهم ابن الأمير بالنصب بسبب عدم ذكره في الخطبة أئمة اليمن، وثارت حوله ضجة.
ولعل أبرز تصوير لما وصل إليه الحال ما ذكره محمود ممدوح في (غاية التبجيل وترك القطع في التفضيل) نقلا عن لسان الميزان لابن حجر في ترجمة إبراهيم بن عبد العزيز الأصفهاني قال:(ذكر أبو الشيخ،ثم أبو نعيم، أنه قعد للتحديث فأخرج الفضائل فأملى فضائل أبي بكر ثم عمر ثم قال: نبدء بعثمان أو بعلي، فقالو: هذا رافضي فتركوا حديثه).
والحاصل أن تهمة الرفض والنصب وإن كان لها أصل معتبر لكنها استغلت أيما استغلال من متعصبة الشيعة والسنة على حد سواء، واستخدمت إزاء كل من يجتهد في الرأي ، ويأبى التقليد