حصاد الأحداث
لأول مرة في تاريخ الصومال الحديث يصبح التشيع خطرا داهما على أرض الواقع بعد تزايد الأدلة والمعطيات والأحداث الدالة على وجوده في منطقة القرن الإفريقي ،حيث صار لمذهب الرافضة أتباع –وإن كانوا قلة- وخلايا نائمة وأخرى ظاهرة داخل البلاد وفي مساكن المغتربين الصوماليين في أنحاء العالم. ونظرا لأن وسائل التواصل في عالمنا تغيرت بشكل كبير فقد تغيرت معه طرق التأثير ونقل الأفكار، ومن هنا وجد المذهب الجديد ساحة آمنة للانتشار والتأثير منتقلا عبر الفضاء الإلكتروني ووسائل التواصل الاجتماعي بأشكالها المتعددة. صار التشيع حديث الناس وأصبح كثير من الصوماليين يتعرفون على هذا المذهب بعد أن كان شيئا مبهما غير متضح القسمات، ولا معروف الوجه، ففي رأي الكثيرين أن التشيع ليس إلا أحد المذاهب الإسلامية مثل الشافعية.
الغزو الجديد : الدوافع والوسائل
يذكر الباحثون في موضوع انتشار التشيع في القرن الإفريقي حقبا متعاقبة لانتشاره ويقسمونه إلى المرحلة الأولى وهي المرحلة التي وصل فيها المذهب إلى القرن الإفريقي مع المهاجرين الذين وصلوا إلى بر القرن الإفريقي في حقب موغلة في القدم، ولكن المذهب لم ينتشر وغلبت عليه التأثيرات السنية التي سبقته أو تزامنت مع وصوله ولم تبق من وجود المذهب إلى آثار باهتة يصعب تلمسها، وتتمثل الفترة الثانية في عهد الاستعمار ومع الجاليات الهندية واليمنية والإيرانية في الأوساط الشعبية وداخل الجاليات التي أشرنا إليها، وتشير البحوث إلى أنه وجدت قبيل سقوط الحكومة المركزية الصومالية عام 1990 أقلية شيعية لم تكن من الظهور بحيث تلفت الانتباه إليها
مجاعة الصومال 2011
الاهتمام الإيراني الجديد بالشأن الصومالي يرجع إلى عام إلى عام 2011م حين أعلنت الأمم المتحدة أن الصومال تشهد مجاعة تهدد حياة ملايين الصوماليين في جنوب البلاد، وفي تلك الفترة الحرجة تحركت إيران مع من تحرك ودخلت في البلاد تحت ستار إغاثة المتضررين. بعد إعلان الرئيس الصومالي شيخ شريف شيخ أحمد، وكذلك الأمم المتحدة، حالة المجاعة في المناطق الجنوبية من الصومال، وانتشر الخبر في كبريات وسائل الإعلام الدولية، وضعت هذا القصة الصومال أعلى سُلَّم الأجندة الدولية، واهتمام السياسة الخارجية لبلدان عديدة، إسلامية وغربية.
في 23 أغسطس عام 2011، زار مقديشو وزيرُ الخارجية الإيراني علي أكبر صالحي، والتقى بالرئيس شيخ شريف شيخ أحمد، وذلك أثناء المجاعة التي ضربت الصومال، وأعلن آنذاك بناء مستشفى متكامل ومجهز لتلبية الاحتياجات العلاجية، مع إنشاء مخيم يتسع لألفى نازح، وهي المرة الأولى التي يُسجَّل فيها اهتمام إيراني رسمي، وفي نوفمبر عام 2012، توجه الوزير الإيراني نفسه إلى مقديشو مرة أخرى، والتقى خلالها الرئيس حسن شيخ محمود، في القصر الرئاسي، وأعلن أثناء مؤتمره الصحفي افتتاح سفارتهم في الصومال بعد أكثر من عقدين من الغياب، وفتح مكتب للهلال الأحمر الإيراني، ومكتب آخر لمؤسسة الامام الخوميني الخيرية. واللافت أن السفارة الإيرانية، وكذلك مقرات مؤسساتهم الخيرية تعمل خارج الأماكن المحصنة أمنيًّا في مقديشو
حرب الحوثيين في اليمن
سيطرت حركة الحوثي الشيعية المتشدة على العاصمة اليمنية صنعاء في 21 سبتمبر 2014م بدعم إيراني، وهذا الحدث لفت إنتباه الصوماليين عموما حيث انتقلت أحوال مدينة صنعاء من إدارة الدولة إلى حكم المليشيات، من الهدوء إلى الفوضى، من حفظ أموال وممتلكات الدولة إلى نهبها، ومن حماية سيادة الدولة وكرامتها إلى إهدار سمعتها وتبعيتها إلى ملالي إيران، ومن استقرار العيش نسبيا إلى النزوح والفرار والضياع. وهذا المشهد المضطرب انتقلت آثاره إلى الصومال حيث وجد من يناصر الحوثيين عبر وسائل التواصل الاجتماعي وفي الجلسات الخاصة والعامة أحيانا بيد أن غالبية الصوماليين لم يخفوا تأييدهم وتعاطفهم مع إخوانهم السنة والحكومة الشرعية في اليمن ومع حملة عاصفة الحزم التي أوقفت تقدم الحوثيين أولا وحررت محافظات إستراتيجية ثانيا والتي جاءت في اللحظة التاريخية الحاسمة، فمنذ ذلك الوقت بدت الصومال منطقة مهمة لكل من يسعى للاستيلاء على اليم أو تحريرها على حد سواء.
ومنذ إستيلاء الحوثيين على مدينة صنعاء العاصمة اليمينة زادت التدخلات الإيرانية في المياه البحرية الإقليمية للصومال لدعم الحوثيين[1]
في 5 جمادي الثانية 1436هـ الموافق 26مارس 2015 بدأت المملكة العربية السعودية بإجهاض محاولات جماعة الحوثي المتمردة التي استولت على العاصمة صنعاء، ثم بدأت حركتها التوسعية التي وصلت إلى مدينة عدن الساحلية، والمناطق القريبة منها، وهي مناطق تحتضن مخيمات اللاجئين الصوماليين الذين أجبرتهم ظروف الحرب للعودة إلى الصومال، وفي شهر أبريل ومايو تدفق الفارون من أتون الحرب في اليمن وتوجه القسم الأكبر إلى ميناء بوصاصو الذي استقبل اكبر عدد من العائدين من اليمن ، وبهذا أضحى الصومال الموطن الجديد لقرابة 30,560 شخصاً فروا من القتال في اليمن ، وهناك ما لا يقل عن 4,360 من الوافدين الجدد من اليمنيين الذين دفعوا حوالي 150 دولاراً نظير ركوب القارب للفرار من أعمال العنف والأزمة الإنسانية في بلادهم، حيث يحتاج 21.1 مليون يمني – أي قرابة 80 بالمائة من السكان – إلى شكل من أشكال الحماية الإنسانية أو المساعدة[2]، وفي خضم تصاعد الحرب في اليمن ارتفعت التحذيرات من التشيع في منطقة القرن الإفريقي وبدأت تحذيرات العلماء.
مقتل النمر النمر
وقد تزامن ذلك مع سخونة الأجواء السياسية بين دول الخليج العربي وإيران إثر مقتل المرجع الديني الشيعي السعودي الجنسية المعارض للنظام السعودي الشيخ نمر النمر في 02 يناير2016م وقد أثار مقتله عاصفة أخرى من الألم لدى الشيعة، وترددت تأثيراته على مجريات الأحداث السياسية في منطقة الشرق الأوسط، فعقب مقتله اقتحم متظاهرون غاضبون السفارة السعودية في ظهران وأحرقوها، وتبع ذلك أن المملكة العربية قدمت شكوى ضد إيران إلى الأمم المتحدة، ثم في اليوم التالي قطعت السعودية علاقاتها الدبلوماسية لإيران واستتبع ذلك طرد السفراء الإيرانيين من دول الخليج العربي ، ومن العديد من الدول العربية، هذه الأجواء الساخنة لم تنحصر في الخليج العربي بل تعدت شظاياها إلى دول أخرى ليست في خط المواجهة الأولى مع إيران مثل الصومال وجيبوتي وجزر القمر، وكما هو واضح فإن هذه الدول الأخيرة أصبحت مجبرة على مسايرة السعودية في قرارها لمقاطعة إيران رغم اتصافه بالاستعجال الدبلوماسي نظرا لعوامل مختلفة أهمها العامل المذهبي ثم المصالح الاقتصادية وضعف العلاقات الإيرانية الصومالية أصلا فقطع العلاقات معها لا يحمل في طياتها خطرا وشيكا أو مشكلات اقتصادية مباشرة بخلاف السعودية.
الموضوع يتبع
[1] – مركز الإرشاد للحوار الفكري، دراسة عن التشيع في الصومال، نشر بتاريخ 24/11/2015م.
[2] –انظر،الصومال يوفر لليمنيين موطناً أكثر أماناً، وكالة إيرين للأنباء الإنسانية http://arabic.irinnews.org/Report/5195/%D8%A7%D9%84%D8%B5%