بعد وصول فخامة الرئيس حسن شيخ محمود إلى سدة الحكم في البلاد عام 2012، خرجت البلاد من المرحلة الإنتقالية، واعترف العالم بالصومال من جديد وتسابق الأشقاء والأصدقاء إلى الوقوف بجانب الحكومة ومساعدتها في تخطى موروثات سنوات الحرب ، واستبشر الجميع بخير وبدت الأمور تسير على مايرام وعاد الأمل في نفوس الشعب ، وأصبح الجميع يرى مستقبلا باهرا للبلاد والعباد.
اعتقد الجميع أننا بدأنا نسلك طريق الخلاص من النعرات القبلية ونتجه نحو بناء صومال قوي كما كان، تشكلت إدارات إقليمية كل على مآربه وبحسن النية، تشكلت جوبا لاند وجنوب غرب، وجلمدغ لتضاف إلى أرض الصومال وبوندلاند، والسادسة في طريقها إلى المخاض.
وبغص النظر عن الظروف التي تشكلت بها الإدارات، إلا أن القادة كانو يرون أن الفدرالية هي الضمان للسلام والاستقرار في الصومال وأنها تخلق حالة من التنافس الإيجابي بين الإدارات مما يحققنمو الدولة عسكربا وإداريا واقتصاديا.
هذا النظام الفدرالي العفوي جاء دون دراسة ودون الأخذ في الإعتبار بثوابت المجتمع الصومالي المتمثلة بـوحدة الدين واللغة والمذهب والثقافة والتعايش المجتمعي والمصاهرة، ولم يتم الرجوع إلى كلمة الشعب لتقرير مصيرة، فقط إنصاغ الجميع بتوجيهات الكبار ورغبات الساسة الصوماليين الطامحين بالمتلازمين (المال والسلطة).
وعلى أرض الواقع، انقسم الشعب حول هذا المشروع الجديد الذي لم يعرفه من قبل، فمنهم من تحفظ و لزم الصمت، ومنهم من أنذر وأبدى تخوفه من هذا السعي ، ومنهم من كان يسعى أصلا تطبيق هذا النظام بإعتباره أنه الخلاص من المشاكل التي أهلكت البلادطوال سنوات الفوضى.
لكنالإشتباكات الأخيرة التي دارت بين إدارة جلمدغ وبوندلاند برهنت أن النظام الفدرالي إن بنى على العاطفة وعلى الرغبات والمصالح الشخصية، ولم يراع وضع الأسس الكفيلة لعدم عودة الاقتتال بين أبناء القبائل، والجميع سعى فقط إلى رسم حدود دولته!، فمدينة جالكعيو أصبحت متنازعة بين بونتلاندا وجلمدغ، وقبلها كاد أن يطفو على السطح خلاف بين عمدة بنادر السابق( مونغاب) ، وبين إدارة جنوب غرب حول تبعية منطقة جزيرة، هل تتبع إقليم بنادر أم تتبع جنوب غرب.
فالحرب بين إدارتي بوندلاند وجلمدغ أعطت مؤشرا واضحا يوحي بضبابية القضايا المشتركة بين الإدارات وأثبتت أن عقلية الرؤساء لم ترتقى بعد إلى مستوى المسئولية والحفاظ على الوحدة الوطنية وأن العقلية القبلية هي المحرك الأساسى والمفعول الفطري الطبيعى لقرارات الرؤساء بشان القضايا الخلافيةومواجهة الآخر بقوة السلاح في أي خلاف ينشأ بين الإدارتين المتجاورتين.
وهناك قنابل مدفونة تحت النظام الفدرالي في صورته الحالية قابلة للإنفجار في أي لحظة، وتتمثل في الحدود المشتركة وتقاسم ثروات البلاد، وتقاسم الحصص الأخرى كالمنح الدراسية وتوزيع المساعدات الخارجية.
هذا الأمر يستدعي طرح مشروع التلاحم الوطني من أجل الحفاظ على الوحدة الوطنية والحفاظ على المكتسبات التي حققناها منذ تولى حسن شيخ رئاسة البلد عام 2012،كما يلزم عليناتقديم حلول جذرية للقضايا التي من شأنها أن تثير الخلافات بين الحكومة المركزية وبين الإدارات الفدراليةأو فيما بين الإدارات حتي لا يتكرر سيناريو مماثل بسيناريو جالكعيو.
وعلى القادة تغليب صوت العقل وهدوئه على صوت العاطفة القبلية ، والتخلي عن الأنانية وحب التملك ، وتقديم الروح من أجل الحفاظ على وحدة الوطن وتقديم الغالي والنفيس من أجل تحقيق الأمن والأمان والحفاظ على استقرار البلد والتعايش السلمي المبني على الأخوة .
وعلى القادة ، العلم بأن الحدود التي تتطلب الحماية من العدو ليست الحدود البينية وإنما الحدود البرية والبحرية والجوية للجمهورية مع الغير( الدول الأجنبية) وهي التي تتطلب الحماية والموت من أجلها ومسئوليتها تقع على كل مواطن صومالي.
وعلى صناع القرار في البلد وضع ميثاق شرف يجرم ويمنع الإقتتال الدخلي بين الإدارات مهما بلغ الإحتقان والإختلاف بين الإدارات المتجاورة وذلك من أجل الحفاظ على وحدة الوطن. فغياب الوحدة الوطنية يؤدى إلى الاختلاف والنزاع، وهذا يقود للفتنة والاقتتال بين فئات الشعب ، لذلك يجب أن تكون العلاقة بين الإدارات الإقليمية قائمة على التسامح والتعايش وصون الحقوق الأخوية بين القبائل، والشراكة الوطنية القائمة على التفاهم والوفاق والمسؤولية، لأنها بذلك ستنهى التوتر والشكوك وستتصدى لأي محاولة للعبث بالمجتمع وستمنع التشرذم.