لتحميل الملف على صيغة pdf ملف المصالحة الصومالية
تعتبر مسألة المصالحة “الصومالية-الصومالية” هاجسًا يسيطر على كل مهتم بالشأن الصومالي، من حيث ضرورته لتعافي البلد والتئام جراح شعبه من ناحية، وأهمية النتائج التي قد تترتب عليها، للخروج من عنق الزجاجة التي تقبع فيها المسألة الصومالية منذ بداية العقد الثاني من هذه الألفية الثانية.
وعلى الرغم من رغبة الكثير من القراء “العابرين” في الحصول على “وصفة جاهزة” لحل جيمع الاإشكالات المؤدية للوضع القائم، فإنّ “فهم” ما جرى على الأرض الصومالية، في فترة زمنية يمكننا بدؤها بحال المجتمع والظروف المؤدية لاستقلال البلاد على الوجه الذي تمَّ به، في الرقعة التي قامت عليها الدولة الصومالية، فإنّه يمكننا تلخيص الأزمة الصومالية بحالة الاستعصاء الناتجة عن غياب قيادات سياسية قادرة على المخاطرة بطرح الحقائق المبدئية والمصيرية أمام فئات الشعب التي تتولى شؤونها السياسية والأمنية، ناهيك عن الاستعداد لاتخاذ قرارات سياسيية وأمنية مصيرية قد تؤدي بالضرورة إلى تمهيد الطريق أمام هذا الشعب ليعود قطاره إلى سكة التّقدم التي خرج عنها بانقلاب سنة 1969م، والتي لازال غير قادر على العودة إليها نظرًا للأزمات المتلاحقة التي تمّ اختلاقها له، عبر عدم كفاءة قادته وفساد سياسييه وارتفاع أصوات الغوغاء على صوت العقل.
ومع الميل المضطرد لدى الكثيرين للبحث عن مصادر مختصرة وملخصة حول وطننا، فإنّهم يدفعون المتابعين الأعمق معرفة من الكتّاب والمحلّلين إلى مجاراة الجو العام، مما يدخل الحديث عن الشأن الصومالي في مجمله في حالة من التبسيط والاستسهال، بناءًا على التنميطات السائدة ـ إن داخليًا أو خارجيًا ـ والتي من السهل تقبّلها على كثرة تردّدها، بشكل يرسّخ كل ما يجب مكافحته وبذل الجهد في الحد منه!
- علام يتصالح الصوماليون؟!
من الواضح أنه لدى حديثنا عن المصالحة، فإننا نؤشر للوجود خلافات حقيقية، كانت لها تداعيات أمنية وسياسية، أنتجت صراعات حدثت على الأرض وأسقطت القتلى والجرحى وشرّدت الأسر ودمّرت المدن، وتسببت في انتهاكات مخالفة للإنسانية والدين وكل أشكال الأخوة والروابط العشائرية وحسن الجوار وكافة القيم النبيلة التي يتفاخر بها مجتمعنا القبلي سواءًا كان بدويًا أو حضريًا، مؤدية لسلسلة المواجهات التي طبعها العنف بين الطبقتين العسكرية والمدنية في الحكم، انتهت بسيطرة العسكر والدخول في العصر الدكتاتوري، وانتقال الصراع نحو الأجندة الفكرية الحكومية المعلنة، بين النظام والتيارات الفكرية الدينية وتصفية قيادات دينية، ومن ثمّ دخول الصراع مرحلته الأخطر، بلجوء القيادات “المعارضة للنظام” إلى حضنها القبلي، لتتم مواجهة مع الحكومة العسكرية بالعنصر الأكثر ثباتًا في تاريخ البلاد “القبائل”، ما أدى لسقوطه وانهيار الدولة التي أصبحت الدكتاتورية الوجه الوحيد لها، ومع معاناة القبائل من آثار الضعف الذي اعترى منظوماتها الاجتماعية، على مدى ثلاثة أجيال منذ دخول القوى الغربية حتى سقوط النظام، دخلت البلاد في عهد من الفوضى لم تنجُ منه بقعة من بقاعها، رغم تفاوت حجم الانتهاكات والجرائم والتعدّيات التي ارتُكِبَت من منطقة لأخرى، حسب طبيعة تكوينها السكاني والقوة المعنوية لقادتها القبليين.
- أهم القضايا الخلافية:
بداوة المجتمع الصومالي في غالبيته، تطبعه بصفتين رئيسيين لا تفارقان المجتمعات البدوية، أوّلها الأنفة الشديدة المؤدية للتمرد وتفضيل التعجيل بالمواجهة ولو أدّى إلى الهجرة والانتقال من الأرض إلى أرض أخرى، على التعاطي السلمي والصبور مع طغيان الطرف الأكثر قوة، وقد تعرّضت تلك الصفة للكثير من التهذيب نتيجة للمشاكل التي خلقتها الهجرة والنزوح، والظروف المهينة التي تعايش ويتعايش معها الصوماليون اللاجئون في كل مكان، أمّا الصفة الثانة فهي سيادة التراث الشفوي على المكتوب، واستمرار توثيق الأحداث من وجهة نظر معيّنة، عبر تناقل منطوق الأفراد “المرموقين” في المجتمع وعلى رأسهم “الشعراء”، لذا يبقى دائمًا من الصعب في “خضمّ الحدث” معرفة الحقائق المطلوبة للوقوف على الحاصل واتخاذ موقف سريع يسمح بالحد من بوادر الخلاف أو كشف هزالة أسباب الصراع وعدم جدواه في هذه الحالة، رغم الاتفاق المبدئي على عدم جدوى الصراع على أي حال.
وإننا في حال رغبنا في الخروج بفكرة عن أهم القضايا الخلافية يجب علينا أن نضع في الاعتبار حالتي “الأنفة” و”الشفوية” السائدة كجزء من “الباقة” المترافقة مع المعلومات التي يتم نقلها وتحليلها لنقد الوضع الحاصل، وليمكننا ونحن نتعامل مع الأمر “الخلاف” محتويًا “باقته” تلك، يُفترض علينا أن نبتعد قدر الاستطاعة عن التحيّز في النقل أو الحذر من أخذ موقف جازم حيال تاريخنا المعاصر الحيوي والمتجدد، بأكثر مما تمليه أشد الحقائق ثباتًا وتواترًا، وأن يكون ذلك أيضًا بأكبر قد من الانضباط والتقيّد بالقيم الدينية والإنسانية الأساسية، ليمكننا أخذ موقف بنّاء يتّسع لجميع الاطراف التي عانت وتعاني من ذات التعديات مهما اختلفت درجاتها، لفتح طريق ثالث يمكن من خلاله حل الخلافات، بعيدًا عن السلوك القطيعي السائد في التعصب لطرف، إلى حدّ لا يمكن معه حل الإشكال سوى بتصفية الطرف الآخر وإلغاء وجوده، رغم تكرار الأيام تأكيدها “عدم منطقية” التفكير التصفوي الإلغائي، لأنه بكل بساطة “غير ممكن” التحقق!
وهكذا بعد أن أشرنا لمحددات أساسية تساهم في التعامل الإيجابي مع أسباب الصراع لدى الصوماليين، فإننا نستطيع الحديث عن أسباب الخلافات الرئيسية بين فئات المجتمع الصومالي، والتي تسبب القادة السياسيون والميدانيون أثناء تنافسهم على النفوذ والسلطة في تحويلها إلى صراعات تاريخية خلقت شروخًا في بناء المجتمع الصومالي، شروخًا ستحتاج لجهد متعمّد ومستمر لليتم لأمُها وتجاوز المخاطر التي زرعت بها أرضنا، والخلافات الكبرى لدى المجتمع الصومالي تنقسم لقسمين أساسيين، “خلافات مزمنة” و “خلافات حادة”، وقد تكون الخلافات المزمنة هي الأقدم والسبب في تأهيل المجتمع وطبع ذهنيات أبنائه بمجموعة من الإفكار المتطرفة التي سهّلت الوصول لمرحلة الخلافات الحادة التي كان السلاح فيها الحكم كالتالي:
- الخلافات المزمنة “العنصرية”:
كان المجتمع الصومالي في مجمله، مجتمع “غلبة” يسود فيه القوي على الضعيف، إلّا أنّ وجود منظومة الحكم القبلي المبنية على الصلح والقضاء العرفي الـ”حير”، واهتمام المجتمع بصفات الشجاعة والكرم والنجدة والوفاء، إضافة إلى التقدير الكبير لفئتي الشعراء وأصحاب المعرفة بالدين، ساهمت إلى حد كبير في إيجاد توازنات في المجتمع حالت دون “إبادة” الاطراف الأضعف من ناحية، لكنها لم تحلّ بصورة نهائية من تهميشهم والإغراء بنزع إنسانيتهم من ناحية أخرى، بما خلق حالة من الطبقية المعنوية التي لا علاقة لها بالمكانة الاقتصادية أو الشجاعة أو العلم أو الفصاحة، إنّما حصرت الأمر في مسألة الانتماء الأبوي “النسب”، في تقسيم للمجتمع إلى فئات تنتمي لفئات ذات المكانة “غُوب” وفئات تنتمي لغير ذات المكانة “غُون”، رغم كون الصفتين رديفتين لكل من “الكرم” الفعلي و”اللؤم” الفعلي، بما يجعلها أفعال تمنح الصفة ـ الكرم واللؤم ـ دون علاقة بآباء الإنسان وأمهاته، وعلى الرغم من كل ذلك ينقسم الأمر ويتفرّع ما بين من هو “نبيل = لان طير” و “أقل نبلًا =لان غاب”، رغم ارتباط الصفتين بـ”عدد الآباء” وصولًا للأب المشترك بين المتفاضلَيْن!
وقد دخلت فئات كبيرة ومؤثرة من المجتمع الصومالي، بكل مناطقه وأقاليمه في حالة ذهنية تنامت لقرون، سيطرت فيها أفكار التفاضل والتفضيل، تسهيلًا وتبريرًا لهدر الحقوق، واسقاط الحواجز القيمية التي تحول دون ممارسة التعديات والظلم، عبر خلق وهم قائم على تقديس “تقاليد” وهمية مصطنعة الهدف منها، خلق “آخر” في المجتمع يمكن اعتباره وكل ما يملك، كمًّا مؤهلًا للاستباحة في حال تعرّض الطرف الأقوى لشحّ الموارد بسبب ظروف بيئية ـ الجفاف ـ أو سوء التدبير!
- الخلافات الحادة “الصراعات”:
تميل الصراعات الحادة في البلاد إلى قسمين أساسيين، يشتركان كلاهما في صفتي “التطرّف” المخالف لكل القيم والعقائد والشرائع ومنظومات الفكر التي تستند إليها، أمّا الصفة الأخرى فهي الميل الشديد لـ”العنف”، وبوجود تلك الصفتين القائمتين كـ”النار” و”وقودها”، يبقى المجتمع عرضة لتدمير مكتسباته وتأخير كل أشكال التقدّم فيه، بما يخلق بيئات تشجّع نمو فئات انتهازية تميل للاستفادة من نكبات المجتمع، وتعتاش على حالة التوتر والشلل التي يعيشها تطبيق الشرع والقانون، مساهمة في اتساع دائرة الفساد الناشئ عن القبول العام بتلك الحالة السيئة، بما لا يسمح بالتعايش بين التيارات الفكرية دون تصفية أو إقصاء، ويقلل من فرص التعاون بين فئات المجتمع الأوسع، جاعلًا بعضها في عرضة دائمة للانتهاك والتهميش، وقد يكون من الممكن فرز أهم أشكال الصراعات الحادة إلى منحيين ذوي جذرين رئيسيين فكري و فئوي كالتالي:
- صراعات “فكرية” حادة:
إنّ من المهم دائمًا إدراك طبيعة الصراع الفكري-السياسي بالبلاد، والقائم غالبًا على “ردّ الفعل” المناهض، فمن الملاحظ قيام توجهات فكرية جديدة شديدة اللهجة والتأثير في احتجاجها أو انشقاقات خطيرة في التيارات القائمة، لمجرّد بروز قيادة فكرية أو سياسية جديدة، وعلى الرغم من الخطورة التي يبدو عليها ذلك للوهلة الأولى، وحالة التجييش والتحشيد التي يستلزمها والنمو المفاجئ الذي تحققه، فإن سرعة خبو حالة الغليان اللحظي تلك، بسبب دخول قادتها في تسويات لا علاقة لها بالفكر أو المطالب الكبرى المعلنة، يؤدي إلى تخلي الأطراف عن “الدعاة” المتحمسين، و”الأفراد” الأكثر إخلاصًا، في حال لم يتم إقناعهم بدواعي ضرورة وقف النشاط أو تغيير خطابه، أو عبر إفسادهم بتقاسم مكاسب التسوية معهم، بما يشكف عن حالة من عدم النضج الفكري، أو ابتسار لثمار العمل الفكري أو السياسي، مما يزرع البلاد بحالة فسيفسائية باهتة، كما يسهّل اختراق جميع أشكال التيارات والأحزاب والجمعيات، ووجود لمئات من الأفراد الأكثر نشاطًا وإبداعًا، هائمين في مجتمعاتهم منبوذين وشاعرين بالمرارة والتعرض للخيانة من قبل قادتهم الذين آمنوا بهم وبـ”القضية” التي تم إصابتها في مقتل بسبب القبول بالتسوية!
وقد أدّى إعلان النظام الدكتاتوري في الصومال سنة 1974م، عن اعتناق الدولة الصومالية للماركسية اللينينية، والانتقال السريع نحو “الاشتراكية العلمية” و”الثورة الثقافية”، في بلد ذي شعب مسلم فخور وتقليدي في ممارسته للدين الإسلامي، ومع ارتفاع الاعتراضات على المسلك اليومي للحكومة، وسيرها الجادّ في إيصال توجهها الجديد إلى المجتمع باستخدام المنظومة التعليمية، وخلق مناهج تهدف لإحداث تغيير جذري في طرق تفكير الأطفال والفئات الشابة، حدثت المواجهات الأولى للحكم “المتطرف” والعجول في اتجاهه الجديد، والقيادات الدينية الأعلى صوتًا في البلاد، مما أدّى لتصفية وإعدام عدد من علماء الدين في سابقة ستفتح الباب واسعًا أمام تطرّف مقابل، بانتقال الحراك الديني إلى مرحلة “العمل السرّي”، وخالقًا شعورًا بالاضطهاد والعزلة لدى الملتزمين دينيًا تجاه المجتمع الكبير الذي ـ حسب وجهة نظرهم ـ سمح للحكومة الكافرة أن تضطهدهم وتقتل قياديهم، دون وازع أو رادع!
كل ذلك أدّى إلى نشأة طبقة اجتماعية جديدة، منعزلة إلى حدّ كبير عمّا حولها، في محاولة لحماية ذاتها من الاخترق، معانية في ذات الوقت من شظف العيش الناتج عن خياراتها في ممارسة التعليم الديني وتعليم اللغة العربية، وهما مجالان لازلا يعانيان حتى يومنا هذا من التهميش وعدم مبالاة المجتمع، كنتيجة لعقدين من إساءة الدولة لمن يقوم بتعليمهما، من حيث اعتبار ما يقوم أولئك بتعليمه من “الدين” و”اللغة العربية”، علومًا غير مفيدة للمجتمع، بل تؤدي لتخلفه وتدهوره!
وتحت ثقل التهميش وكبر التضحيات التي قام بها العلماء الدينيون والملتزمون من الشعب، إضافة لحالة الملاحقة الأمنية وقيام بعض المنتسبين للحزب الحاكم في تزلفهم لقادتهم، عبر تشجيع مرؤوسيهم على الاعتداء والحط من قدر من تبدو عليه سيماء الالتزام، أو تتم ملاحظة تردده على المساجد أو أماكن المشتبه بها في تقديم التعليم الديني، ازداد الشعور بالعزلة لدى تلك الفئة المضهدة، كما أدّت الاختراقات التي نجحت فيها الجهات الأمنية إلى إحداث شروخ في التنظيمات الأولى، ومع تصاعد المواجهة بين التيار الإسلامي والحكومة، ودخول العامل القبلي تم تفكيك التنظيم الأكبر، بما فتح الباب أمام اعتياد الانشقاق الذي نشهده في الحركات الإسلامية بالبلاد!
ومع دخول عوامل الصراع الصومالي والإثيوبي، والرغبة الشعبية في تحرير الأراضي الصومالية، واتساق المسار العام للإرادة الشعبية في وحدة قومية، وحلم القيادات العلمية الدينية ومجمل الشعب في أن يُحكم بالقانون الذي يرضونه، وهو الشريعة الإسلامية، فقد كان العداء مع الحكم الإثيوبي جزءًا أساسيًا من المنظومة الفكرية القومية والدينية لفئات واسعة من المجتمع، مما جعل التلويح بتلك الورقة وسيلة لجذب الأتباع، والتعبئة في الصراعات العسكرية والسياسية في البلاد، باتجاه الصراع “الحتمي” نحو تحرير الصوماليين والمسلمين في إثيوبيا من ظلم الأنظمة الحاكمة والمتعاقبة على هضبة الحبشة منذ قرون!
إذ لا شكّ أن قيام حركة “الاتحاد الإسلامي” بمحاولة السيطرة على الأقاليم الشمالية الشرقية في منتصف التسعينيات، والتدخل الأثيوبي العسكري المباشر والمبكر، ثمرتين متلازمتين لتلك الحالة، خاصة مع تطوّر الأمر واتساع حجم التدخل الإثيوبي والإفريقي “AMISOM “العسكري على الأرض، نتيجة لبروز نجم حركة المحاكم الإسلامية – خلال ستة أشهر -، وبالتالي مؤديًا لهزيمتها ودخول قوات قادمة من هضبة الحبشة، للعاصمة مقديشو للمرة الأولى في التاريخ، بذلك يمكننا فهم الجذور الأساسية للسلوك المتطرف وشديد الخطورة لحركة الشباب المجاهدين، إلّا أن الطبيعة المغايرة للحركة من حيث استمرارها في القتال طوال تلك الفترة الزمنية، يؤشر إلى وجود عامل أجنبي واضح يساهم في دعمها وتمويلها وتيسير استمرار جذبها للمتطوعين والمجندين!
- صراعات فئوية حادة:
يتكون الشعب الصومالي في غالبه الأعم من قبائل، وهو سرّ قيام الدولة الصومالية عبر اتفاق سياي تمثل في “كوتا” تم السعي من خلالها لنشأة دولة تمثل الجميع، وذلك بتقسيم الشعب إلى مجموعات قبلية كبرى على صورة “أربعة قبائل” رئيسية حصل كل منها على “حصّة كاملة”، وتمثيل القبائل الأخرى الأصغر والعائلات – مجموعة كلها – في “نصف حصة”، بحيث تكون المحصلة “أربعة حصص ونصف”.
وقد كان هذا التقسيم نموذجًا لحالة التعجّل والاستسهال التي يمارسها القادة السياسيون الصوماليون، في محاولتهم للتجاوب مع الضغط الدولي الذي أتى ردًا على نجاحهم في الضغط نحو التعجيل باستقلال البلاد قبل الموعد المخطط له بعقد كامل، كما بدى نجاح القادة السياسيين الصوماليين في التوصل لشكل من أشكال تقاسم السلطة، إنجازًا هائلًا بحد ذاته حينها، لتأشيش أول دولة صومالية في التاريخ تجمع ممثلين عن كل القبائل الصومالية، وتغطي مساحة بهذا الحجم، رغم عدم كونها لا تشمل كامل تراب البقعة المتصلة التي يعيش عليها الصوماليون.
تنافس الساسة من القبائل الأربعة الكبرى، والحرص على تمثيل القبائل المجموعة في الـ”نصف حصة”، ضمن إلى حد كبير عملية سياسية حيوية، مستفيدة من عدم وجود تفاوت كبير في قوة “الفِرَقْ” السياسية التي تمثل كل منها فسيفساء المجتمع، مجتمعة كل فرقة حول عدد من القادة البارزين، دون أن تبلغ العملية السياسية مرحلة قيام أحزاب حقيقية، تحمل فكرًا ملفتًا أو برامج سياسية حقيقية، ومع التساهل الحاصل مع الفساد الذي بدأ ينتعش في تلك البيئة السياسية الفتية، والتي لازال اللاعبون الكبار المتنافسون فيها، يتركون الباب مفتوحًا للتحالف عبر البعد عن إحراج كتلهم السياسية، في حال تم الكشف عن ممارسات فاسدة لبعض المنتسبين للكتلة الرئيسية في الحكم، أمام شعب مبهور بقيام دولة له، وفخور إلى درجة كبيرة بقيام الحكومات بمهامها دون انقطاع أو توقف!
وفي ظل تنافس الفرق السياسية، بتلك الصورة المستقرة والهادئة، لا يكون بعيدًا عن الصواب الاستنتاج بوجود اتفاق سياسي ضمن الـ”كوتا” المذكورة، يضمن تناوبًا في السلطة على أساسه، خاصة مع ما أشرنا إليه من غياب لتيارات سياسية فكرية، أو بمرامج متفاوتة تقدمها الكتل السياسية، للحصول على أصوات الناخبين والوصول للسلطة، كما ليس مستبعدًا عجز القادة السياسيين الصوماليين الحاليين، عن الإفصاح عن حقيقة اتفاق التناوب ذاك، مدعاة لحالة الاستعصاء الحاصلة في عملية المصالحة، والاستمرار في الهروب إلى الأمام، عبر ما يتم به تضليل الشعب من مشاريع الانفصال والفيدرالية وتأسيس الولايات والعجز عن القضاء على حركة الشباب المجاهدين المتطرفة!
وعليه فإن تواني القيادات السياسة، التي غدت اليوم تمتلك مصادر تمويلها الخاصة، من خلال مؤسسات الحكم التي تم بناؤها في الكيانات السياسية المتناثرة على خريطة البلد، والاستقلال عن الحاجة للقبائل وقادتها في تقديم الدعم المالي، وخروج عملية تحشيد المقاتلين عن حالة النفير القبلي العام القائم على العصبية والنخوة التي لا يمكن تحريكها إلّا بيد القادة القبليين، إلى ممارسة التجنيد في السلكين الشرطي والعسكري النظامي، فإنّ كل ذلك يسقط ورقة التوت عنهم، لانتهاء صلاحية شمّاعة القادة القبليين التقليديينالتي يلوحون بها، كعذر لهم في حال مواجهتهم بالمماطلة التي يقومون بها، في التقدم خطوة أخرى باتجاه المصالحة العامة، والمساهمة في استعادة فئات الشعب علاقاته الطبيعية مع بعضه، على طرفي الحدود المصطنعة لدولايتهم وولاياتهم، ويمكننا تمثيل الحالة السياسية القائمة في البلاد، واستعصاء المصالحة عبر محاولة توصيف أحوال أطراف رئيسية من الجدير بالأهمية تسليط الضوء عليها ومنها:
- جمهورية صوماليلاند “أرض الصومال” المعلنة من طرف واحد:
تمثل “صوماليلاند” حالة مميزة في المشهد الصومالي، بسبب تاريخها المختلف لحد ما عن مناطق واسعة من الصومال، نتيجة لموقعها الجغرافي وطبيعة الأرض فيها، مما أدّى لاستقلالها لفترات طويلة عن القوى الأقليمية في المنطقة، ناهيك عن أخذها صفة “المحمية” لا المستعمرة، كون علاقتها بالوجود البريطاني تأطّرت بسلسلة من معاهدات الحمابة التي دخلتها القيادات القبلية فيها مع الحكومة البريطانية، وقيام البريطانيين بتأسيس إدارة موحدة للإقليم وعاصمته “بربرة” ونقل العاصمة إلى “هرجيسا” في نهاية العقد الرابع من القرن العشرين، على خلاف حالة الاستعمار التي سادت في البلاد من قبل الإيطاليين والفرنسيين ومملكة الحبشة، كما أن اختلاف طبيعتها الجغرافية الداخلية والديمغرافية، وإفرازات مناهضة فئات معينة من السكان، ذات حجم وازن وموقع جغرافي يتوسط المنطقة، للنظام الدكتاتوري لـ”محمد سياد بري”، وقوة القيادات القبلية فيها نسبيًا، أدّى كل ذلك إلى تحقق نوعٍ من الاستقرار.
وعليه تم الإعلان عن قيام جمهورية صوماليلاند في ختام مؤتمر جمع أطراف متعددة من سكان المنطقة، في مدينة “برعو” وذلك يوم الجمعة 17 من مايو سنة 1991م، ليتم نقل الخبر في وسائل الإعلام الأجنبية في اليوم التالي، كمحصلة لمؤتمرات سلام عُقدت في مدن المنطقة، إثر خروج “الحركة الوطنية الصومالية-SNM”كأحد الأطراف المنتصرة في الصراع مع النظام الدكتاتوري، بارزة كأكبر قوة عسكرية في مناطق شمال الصومال.
وعلى الرغم من النفي العلني لقيادتها أي نوايا انفصالية، قبل دخول قواتها البلاد بعد الاتفاق الي عقده الرئيس الصومالي”محمد سياد بري” مع نظيره الإثيوبي “منجستو هيلاماريام”، والقاضي بوقف كلا الطرفين الدعم عن الحركات والجبهات المتمردة عليهما، فإن قيادة الحركة ممثلة بـ”عبدالرحمن علي تور” هي من اعلن “انفصال/إعادة استقلال” صوماليلاند، (امتثالًا للإرادة غالبية الشعب القاطن في المستعمرة البريطانية السابقة وشريك الوحدة مع صوماليا!)
وقد دخلت الجمهورية المعلنة من طرف واحد، في سلسلة من الصراعات العشائرية، ما أدّى للإطاحة بـ”عبدالرحمن علي تور” ونفيه، معلنًا على الإثر ندمه وتراجعه عن ما قام به من إعلان استقلال المحمية البريطانية السابقة والشريك الثاني في الوحدة الصومالية.
عانت فئات واسعة من المجتمع الصومالي في شمال البلاد، من التهميش والتخوين والإقصاء نتيجة للمحاولة الانفصالية الانقلابية سنة 1961م، و لتعارض طرق حياة السكان ومصادر عيشهم مع سياسات الحكومة الاشتراكية التي سعت لبناء اقتصاد الدولة، عبر السيطرة على كل انواع النشاط الاقتصادي في البلاد، وهو ما لم يعتد عليه السكّان في المنطقة، ومع اعتمادهم على التجارة عبر الحدود، بالطرق النظامية أحيانًا وممارسة أعمال التحايل على سلطات الجمارك تارة أخرى، بالتحديد مع الجانب الإثيوبي من الحدود، ساهم قيام الدولة الصومالية بالسعي لإحكام السيطرة على العمليات التجارية، وتطبيق الرسوم والجمارك العالية، إلى وقوع التجارة في شمال البلاد بين مطرقة السلطات الصومالية وسندان السلطات الإثيوبية، ما أدّى لحالة من التدهور الاقتصادي.
ومع ازدياد التبرّم بسياسات الحكومة، وانكشاف ما يمكن أن تقوم به الحكومة العسكرية، في عقابها لمن يخالفها، من خلال ما تم تنفيذه من عقاب جماعي لسكّان المناطق الشرقية، وتكليف الرئيس “محمد سياد بري” لأربعة من القادة العسكريين من أبناء الشمال الصومالي، لقيادة أعمال القتل والانتهاك وتسميم الآبار سنة 1978م، لضمان إخماد التمرد العسكري في مناطق شمال شرق البلاد بقيادة أحد أبنائها “عبدالله يوسف أحمد”، وهو ما تحقق للحكومة العسكرية، وعلى الإثر تم إعلان قيام الحركة الوطنية الصومالية سنة 1981م، لتستمر في أعمال حرب العصابات، حتى نجحت في توريط الحكومة العسكرية في القيام بحملة عقاب جماعي لأهالي شمال الصومال، أدّت إلى مقتل ما يقدر بـخمسين ألفًا مدني، وتدمير مدينة “هرجيسا” عاصمة الشمال الصومالي، مؤديًا ذلك لمرحلة الخروج الذي قام به مئات الآلاف من السكّان، مما منح الحركة موردًا حقيقًا للقوة البشرية اللازمة لاقتحام البلاد والقيام بعمليات عسكرية في مناطق واسعة، ونقل ثقل الجيش الصومالي من الجنوب إلى الشمال، وانكشاف العاصمة مقديشو، مسهلًا دخول الجبهات الحليفة إلى العاصمة وسقوط النظام وفرار الجنرال “محمد سياد بري” منها.
مبررات الانفصال:
- تفاوت النظامين الإداريين إبان الاستقلال، ما أدّى لعدم التكافؤ في الدرجات الوظيفية بين موظفي الإقليمين المتحدين ما كان في غير صالح القادمين إلى العاصمة مقديشو من المحمية البريطانية.
- تبيان النظم القبلية، وهو ما ظهر جليًا في تدارك الصراعات المحلية عبر التحرك القوي للقيادات التقليدية، وقدرتها على إلزام أتباعها بما تقرره وتتفق عليه من صلح وتسويات.
- تركيز السلطات على العاصمة مقديشو، وتفاقم التهميش للمحافظات بما في ذلك المحافظات الشمالية، إبّان حكم محمد سياد بري.
- انحدار الحكومة باتجاه ممارسة المحاباة القبلية، وإساءة استخدام السلطة على يد المتنفذين ذوي الولاء المطلق لمحمد سياد بري.
- اعتماد سياسات اقتصادية أدت لإفقار متوسطي الدخل.
- تشجيع سلوكيات مخالفة للتقاليد، أدّت إلى ازدياد تبرّم القيادات القبلية نتيجة لعجزها عن التعامل مع الإشكالات الإجتماعية التي تسببت بها سياسات الدولة، في الوقت الذي رأت تلك القيادات أنها الخاضعة لضغوط كبيرة، أدت لاضطرار فئات منها لتقبل الرشاوى نتيجة لتفقير أتباعها الممولين لها.
- محاربة تعليم اللغة العربية وانتشار ثقافة الاستخفاف بالدين الإسلامي.
- سياسة العقاب الجماعي، واستخدام مقدرات الدولة، والجيش الوطني في قتل آلاف المدنيين وقصف المدن والتهجير.
- اتهام نظام سياد بري بمحاولة التصفية الإثنية، وإخلاء مدن “برعو” و”بربرة” و”هرجيسا” من سكّانها، وإحلال آخرين محلهم.
دوافع سياسية أخرى:
بدى جليًا منذ الوهلة الأولى، أن القيادات السياسية في شمال الصومال، تسعى لاستغلال المشاعر الشعبية لخلق أوضاع معينة على الأرض، ومن ثمّ كسب المزيد من أوراق الضغط على الأطراف المناوئة، لتحقيق المزيد من المكاسب السياسية، لإازمة لاجئي “بربرة” واعتقال فرقة “نجوم الأمة” وخلافه دلالة على محاولة خلق اجواء متوترة تؤدي لانتعاش الخطاب الشعبوي الرخيص، وتحقيق حالة من التحشيد تطيل أمد استمرار المزايدات الحاصلة وتضخ دماء جديدة فيها، ومن ذلك أنّه ليس غريبًا ما حدث في شمال الصومال بصورة متكررة من تأسيس كيانات متزامنة أو متتالية بعضها فوق بعض، “صوماليلاند” و” SCC” و”ماخر” و “خاتمو” والولاية الفيدرالية القادمة التي يسوّق لها في المهاجر سياسيون من محافظتي “صول” و”سناغ”، ومع بروز كيانات جديدة وخبوّها، يتضرر الكيان الأكثر قدرة على الاستمرارية وهو في هذه الحالة “صوماليلاند”.
إنّ من المفيد العودة بالتاريخ إلى ما تلى اغتيال الرئيس عبدالرشيد علي شرماركه، الرئيس الثاني الذي كان منتميًا لقبيلة الثانية، متوليًا الرئاسة بعد أن خدم كرئيس للوزراء في عهد الرئيس الأول آدن عبدالله عثمان “عدي” المنتمي للقبيلة الأولى، وملاحظة الإشكال السياسي الذي أدّى لعقد اجتماع استمر لأكثر من عشرة أيام لتحديد من يتولى الرئاسة عبر تسوية سياسية رغم دقة الدستور في تحديده بأن رئيس البرلمان يتولى منصب الرئاسة حتى انتهاء المدة أو إجراء انتخابات مبكرة، إلّا أن ذات التسوية السياسية التي خرجت بنظام “4,5”كانت قد حددت ناظم التناوب الذي تعارض مع الدستور، ومع تمسّك طرفي الخلاف “رئيس البرلمان” شيخ مختار محمد حسن و”رئيس الوزراء” محمد حاجي إبراهيم عقال بمواقفهما، سقط الحكم في يد العسكر بالانقلاب الذي تم.
وقد يكون الدافع السياسي الرئيسي لإقدام قادة الحركة الوطنية الصومالية، بإعلانهم الانفصال، إدراكهم أنّ 21 سنة من الحكم الدكتاتوري، وتغيّر الواقع السياسي والاقتصادي في البلاد لصالح الجنوب على حساب الشمال، بصورة جعلت القيادات الجنوبية تتعامل مع القيادات الشمالية على أنّها مجرد أتباع وأن انضمامهم ووجودهم مجرد تحصيل حاصل، بما يبرر انشغال أولئك القادة الجنوبيين في الصراع ما بينهم، كأن من سواهم كم مهمل، أدت إلى انتفاء الأسس التي قام عليها الاتحاد من أساسها، بما يُخالف الموقف المعلن للشعب عن أن المبرر محض التظلّم من ممارسات النظام الدكتاتوري الذي انتهى أمره.
ومما يؤكد هذه الخلاصة تصريحات عدد من الساسة والأكاديميين المرموقين المنتمين إلى شرق وغرب صوماليلاند، ممن ساقهم الطموح السياسي محمولًا بتوجههم الوحدوي، لمحاولة الوصول إلى السلطة في استجابة للمستجدات التي أفرزتها عودة الاهتمام الدولي بالشان الصومالي، إذ أن إثنين من أهم أولئك القادة السياسيين والفكرين “د.أحمد إسماعيل سمتر” و”د.علي خليف غلّير” اعلنا خيبة أمل كبيرة في أن تنصلح الأوضاع في العاصمة “مقديشو” بسبب السلوك الفوقي للسياسيين الجنوبيين تجاه نظرائهم الشماليين، مما أدّى إلى عودة “د.سمتر” إلى “هرجيسا”، واستقباله فيها وقيامه بجولات في أنحاء “صوماليلاند” شارحًا موقفه من الوحدة وما حدى به إلى العودة، في حين أعلن مؤخرًا “د.أحمد خليف غلّير” من “نيروبي” أن مركز الانفصال ومسببه يقع في “مقديشو” وليس “هرجيسا”، بسبب سياسة التعامل الإقصائي والمهين تجاه جميع أبناء الشمال، الوحدويين منهم والانفصاليين، الذي تمارسه الطبقة السياسية والحكومة هناك!
- وضع الحكومة الفيدرالية وموقفها من المصالحة.
من المؤكد أن الأوضاع في العاصمة “مقديشو” شديدة التعقيد، باعتبارها لازالت مركز النفوذ الحقيقي وشبه الوحيد للحكومة الفيدرالية، وعلى الرغم من ذلك لازالت تعاني من اختراقات أمنية خطيرة، منها ما تقوم به حركة الشباب المجاهدين، ومنها ما يتردد أنه تصفيات سياسية وتجارية وقبلية، يتم تنفيذها باعتماد أساليب الحركة لتسهل نسبتها إليها، وهي التي يبدو أنها ترحب بكل عمل يؤدي لاستمرار الوضع الأمني المتدهور والكابح للتقدم في البلاد.
إن فهم طريقة نشأة الحكومة الفيدرالية الحالية، عامل مفتاحي لمعرفة ما تستطيعه وما لا تقدر عليه في سبيل السعي باتجاه المصالحة الشاملة الاجتماعية أولًا، والسياسية مع الأطراف المناوئة لها ثانيًا، كل ذلك مع انجزاها لما يقتضيه الأمر للحفاظ على استقرارها، وقدرتها على تحديد استراتيجية واضحة في التعامل مع الخلافات الداخلية فيها، وكبح طفو خلافاتها مع الأطراف التابعة لها اسميًا ضمن النظام الفيدرالي على السطح أيضًا.
وقد يكون من المهم السعي لاستيعاب كمية التناقضات السياسية التي تحملها، الحكومة الفيدرالية في ذات الوقت الذي تتسع فيها تلك التناقضات كلما ابتعدنا من المركز، بصورة يجعلنا ندرك أن عملية المصالحة بين جميع الأطراف “الحقيقية” المتضررة مما حدث في البلاد على مدى ستة وثلاثين عامًا، وخصوصًا ربع القرن الأخير تحتاج للكثير من العمل والوقت والموارد ليمكن وضع مقاربة ممكنة التطبيق، وقادرة على الإثمار وتغيير حالة الاستقطاب والتنافر الحاصلة بين أبناء الشعب الواحد، لذا من المهم محاولة فهم نقاط قوة الحكومة الفيدرالية لتحقيق المزيد من التقدم، ويجب دراسة نقاط ضعفها ليمكن تلافي آثارها لحين إزالتها:
- نقاط قوة الحكومة الفيدرالية:
- حاظية بالاعتراف الدولي ومفوّضة بالنطق باسم كافة الأطراف الصومالية.
- ذات علاقات دبلوماسية رسمية قابلة للتطوير مع حكومات العالم.
- تعد المستقبل الرئيسي للمساعدات الدولية.
- عضو في المنظمات الإقليمية والدولية والمتخصصة.
- تحظى بدعم المجتمع الدولي في تقوية مؤسسات الدولة المدنية والأمنية والعسكرية.
- قدرتها على قيادة العمل الاقتصادي والتجاري في شبه الجزيرة الصومالية في حال تفعيل البنك المركزي الصومالي.
- نقاط ضعف الحكومة الفيدرالية:
- عجزها عن مد سيطرتها على كل المناطق التابعة لها اسميًا.
- اعتمادها على تسويات قبلية في تحديد مناطق نفوذها بما يجعلها نظيرة لغيرها من الكيانات الصومالية.
- ضعفها العسكري والأمني.
- اعتياد الفساد المالي والإداري.
- الاعتماد شبه الكلي على الدعم والمساعدات الأجنبية.
- الاعتماد على الوجود العسكري الأجنبي في حفظ الأمن.
- بطء أو عدم وجود ما يدل على السعي لتحقيق الاعتماد على الذات.
- الانعدام شبه التام لدى الشعب في قوات الجيش والأمن، نتيجة للخلل في آليات التجنيد، والفساد المالي.
- هيمنة العامل القبلي والفساد على الجانب الفكري المنتسب إليه من قبل جانب مهم مكونات الحكومة، بما يسيء إلى الفكر المنتسب إليه.
عبر لفت النظر لما ساقه رجلان من أعلام التوجه الوحدوي الشمالي، وعودة أحد أبرز السياسيين الشماليين “إسماعيل هورّي بوبا”إلى “هرجيسا” مؤخرًا، يكون من المهم محاولة فهم موقف الحكومة الفيدرالية الوليدة، وأوضاعها بما يمكننا من رسم صورة كاملة لما يجري في الساحة السياسية على مستوى البلاد بأكملها.
أفاق الوصول إلى المصالحة الشاملة:
- المصالحة الاجتماعية:
رغم الأهمية الكبيرة للوصول إلى المصالحة السياسية بين الأطراف المهيمنة على الساحة في البلاد، فإنّه من الضروري تسليط الضوء على المصالحة الاجتماعية بين جميع فئات المجتمع، خاصة تلك التي تعاني التهميش والاستضعاف والعنصرية، لذا من الضروري تحقيق التالي لها:
- رد الاعتبار الاجتماعي الانساني الديني الوطني.
- التعويض عن التعرض للتصفية والاستضعاف والتهميش والانتهاك وتدمير الممتلكات.
- دعم التطبيع الاجتماعي وإزالة كافة أشكال الحظر والعزل.
- منح فرص التعليم والتأهيل.
- فتح المجال لانخراطهم في العمل الحكومي.
- عمل مشاريع وبرامج للدعم الاقتصادي.
ويكون ذلك بـ:
- تقوية الخطاب المناهض للممارسات.
- مساهمة كافة القيادات التقليدية في تصحيح مفاهيم أتباعها تجاه الفئات المستهدفة.
- التركيز على التوعية الدينية والثقافية.
- تجريم ممارسة النفاق الاجتماعي من قبل دعاة تحقيق المصالحة.
- الكف عن تسييس القضايا الكبرى، وفتح باب التعاون للجميع على تحقيق النتائج المرجوة.
- كف المؤسسات السياسية عن رشوة بعض القادة التقليديين للفئات المهمشة بغرض إخماد تحركهم.
- دعم المشاركة العملية والاقتصادية والسياسية للفئات المهمشة، عبر إزالة عقبات الفساد والمحسوبية من أمامهم للارتقاء في العمل الوظيفي والاقتصادي والساسي.
- المصالحة السياسية:
تبقى الإرادة السياسية حجر الأساس للنهضة بمجتمع ما، وفي حال غيابها يصبح المجتمع نهبًا للتخبط والفساد والصراعات الدنيئة التي تؤدي به إلى التفرّق والاندثار، لذا كان من المهم الإشارة للإشكالات السياسية التي تحول دون الوصول لتلك “الإرادة” وتحقيقها للمراد الذي يتوقع إليه الشعب الصومالي عمومًا:
في صوماليلاند:
لقد شهدت الساحة السياسية والإعلامية في صوماليلاند مواقف مؤسفة، ومتكررة لدرجة سببت إنقسامًا شعبيًا بين التيار العام والمثقفين، مستوجبة التنديد من قبل الفئات المتعلمة والمثقفة المخلصة لهذا الشعب، فمن أزمة اللاجئين في ميناء بربرة وصولًا إلى إلقاء القبض على الفنانين الذين أحيوا حفلًا في “مقديشو”، إذ في خضم تعقيد حياة المستضعفين المحتاجين للمساعدة، وتعريض حرية التعبير للخطر، وجذب الانتباه لحالة المراهقة السياسية التي يعيشها كهول يحملون مسميات وظيفية وزارية، ترتفع وتيرة الحملات الإعلامية الشعبية، ويُفتح المجال واسعًا لتناحر لفظي وتسابق على التخلي عن الأخلاق ونكئ جراح العداوة وإشعال الغضب والكراهية بين المواطنين من كل انتماء.
في الوقت الذي لا نجد من يحرك ساكنًا، حين يقوم أحد رؤساء الأحزاب المعارضة باتصالات سياسية منفردة ولقاءات مع الرئيس الصومالي السابق أثناء فترة حكمه في بلد خليحي، إضافة لما تم رصده من اقتحامه لإحدىالمناسبات لمسؤولين من الحكومة الفيدرالية، والتمحك بهم ومحاولته التي تم تصويرها وهو يمرر إلى احدهم قصاصة ورق بطريقة مريبة! تخرج تصريحات من رجل مسؤول “عضو برلمان” من حزب آخر مشيرًا إلى مراسلات يقوم بها رئيس حزبه من “هرجيسا” مع مقام الرئاسة في “مقديشو” طالبًا الدعم المالي والسياسي على خصومه، ليصل إلى السلطة ويكون في موقع يؤهله لأخذ القرارت اللازمة للتفاوض وإعادة الوحدة! ويمر الأمر دون التحقيق مع صاحب التصريح، ولا محاسبة رئيس الحزب! ناهيك عن فتح باب الابتزاز للحكومة عبر دخول أطراف اجتماعية غير سياسية على خط المفاوضات، نظرًا لفراغ الذي خلقه تراخي الساسة وانشغالهم في سفاسف الأمور، والمؤامرات السياسية المدرة للأرباح المالية والنفوذ، ثم افتعال أزمة مع أحدى الدول التي تعدّ من أكبر الداعمين للشعب الصومالي، بصورة قد تهدد حتى منح التعليم التي تقدمها لخريجي الثانويات الطامحين لمستقبل علمي أفضل، كل ذلك يدل على عدم مصارحة الطبقة السياسية المدركة للواقع لشعبها الذي يتم إشغاله بمفرقعات إعلامية بين الفينة والأخرى،
إذن فإن المطلوب من القيادات السياسية في “صوماليلاند”، ليس تقديم نقيض للخطاب الشعبوي فقط، هذا الخطاب الذي ظلّوا يرددونه طويلًا دونما طائلٍ سوى ترسيخ الشعور لدى العامة بالاضطهاد وعيش دور الضحية، رغم ما حققه الشعب من تقدم ونجاحات، بل المطلوب أكثر من ذلك ومنه:
- مكافحة الفساد وتطبيق الشفافية وعدم تعليق الاخفاقات على شماعة الآخرين.
- عدم وضع القضايا التنموية محل شد وجذب سياسي.
- القيام بجهود ملموسة في إيصال الخدمات للمناطق البعيدة عن “هرجيسا”.
- دعم تداول السلطة وتمثيل أبناء كل المناطق بصورة تضمن المشاركة والتأثير في صنع القرار السياسي والاقتصادي.
- السعي نحو قادة المشاريع السياسية المناوئة دون تردد، وأخذ طاولة المفاوضات إليهم لوضع مطالبهم المحقة محل التنفيذ.
- ارتقاء الطبقة السياسية بخاطبها وتجاوز الحالة السوقية التي يشيعها البعض.
- الكف عن تحشيد العامة عبر خطابات شعبوية تثير الكراهية وتأخر أجل المصالحة.
- الكف عن المزايدة على الضحايا، والتركيز على خدمة الشعب ببناء مرافق ومنشآت عامة لتوفير المتطلبات الصحية والتعليمية والاقتصادية.
- الكف عن اختلاق أزمات سياسية مفتعلة وإحراج الذات وتعويد الشعب على سلوكيات سياسية واجتماعية غير مسؤولة ولا مقبولة.
- الخروج من مرحلة التسويات السياسية إلى مرحلة مباشرة من احترام الدستور وتطبيق القانون.
- إدراك أن تيارات فكرية إسلامية وقومية حاضرة بقوة في البلد على المستويين السياسي والاقتصادي والثقافي.
- إدراك وجود فعلي للتيار الوحدوي في البرلمان بما لا يقل عن الربع من كل مناطق البلد وقبائله، وإن كان الاتفاق قائمًا على عدم إشهار هذا التوجه في المرحلة الحالية.
في “مقديشو”:
- الحكومة الفيدرالية:
- وضع الدستور موضع التطبيق والخروج من حالة المراوحة بين “العهد الفيدرالي/الإعلان الدستوري” لعبد الله يوسف والدستور الفيدرالي الذي تمت الموافقة عليه من قبل البرلمان.
- الكشف عن البنود المحجوبة من الدستور الفيدرالي.
- عدم التردد في تطبيق الاتفاق السياسي التأسيسي للدولة ” 4,5 ” لحين التوصل للمصالحة وطرح اتفاق أكثر عدالة.
- التعامل كحكومة ممثلة للبلد بأكمله وليس لفئة معينة أو مدينة محددة وعدم الغرق في تفاصيل المماحكات السياسية التي يمكن تجاوزها دون تأخير أو تصعيد.
- الكشف عن مجريات المفاوضات الحاصلة مع “صوماليلاند”.
- عدم وضع القضايا التنموية محل شد وجذب سياسي.
- الكتل والحركات السياسية:
- تقديم مرشحين اتساقًا مع الاتفاق السياسي التأسيسي للدولة ” 4,5 ” وحشد الدعم لهم.
- الاستعداد التام لتداول السلطة بناءًا على الاتفاق السياسي التأسيسي بمنح الفرصة لمرشحين من الحصتين والنصف الأخريين.