التهدئة الهشّة بين إسرائيل وإيران: نذر تصعيد أوسع في أفق المنطقة

ربما فاجأ كثيرين أن تتوصّل إسرائيل وإيران إلى اتفاقٍ سريّ لوقف إطلاق النار، بعد أكثر من عشرة أيام من المواجهات الدامية التي اندلعت عقب القصف الإسرائيلي لمنشآت نووية إيرانية ومواقع ترسانتها الصاروخية. ورغم التصعيد الحادّ الذي أثار مخاوف إقليمية ودولية من انزلاق المنطقة إلى حرب استنزاف شاملة، فقد نجحت الوساطات الدولية والضغوط الأمريكية المكثّفة في احتواء الموقف مؤقتًا، ودفع طهران إلى القبول بالتهدئة، ولو على مضض.

وقد أظهرت إسرائيل، التي بادرت إلى شنّ الهجمات، استعدادها لوقف إطلاق النار طالما أنّها حقّقت جانبًا كبيرًا من أهدافها العسكرية.
أمّا إيران، فقد بدت الخاسر الأكبر؛ فرغم سعيها للردّ باستهداف مقرات عسكرية واستخبارية إسرائيلية بصواريخ باليستية وطائرات مسيّرة — نجح كثيرٌ منها في اختراق منظومات الدفاع الإسرائيلية مخلّفًا دمارًا وذعرًا واسعًا — فإنّها لم تكن مهيّأة لإنهاء المواجهة بهذه السرعة. ومع ذلك، دفعتها الضغوط الدبلوماسية والضربات الأمريكية القاصمة إلى التراجع سريعًا والدخول في مسار التهدئة.

ومع ذلك، لا تزال منطقة الشرق الأوسط عُرضةً لتصاعد التوتّر وعدم الاستقرار، إلى جانب الإبادة اليومية المستمرّة التي يتعرّض لها الفلسطينيون في الأراضي المحتلة. ويزداد الأمر خطورة مع تصاعد إصرار إسرائيل وجماعات المسيحية الصهيونية على المضيّ في تنفيذ أجنداتها التوراتية–الإنجيلية، مستندةً إلى معتقدات دينية متشدّدة تغذّي نزعتها التوسّعية وتُضفي غطاءً دينيًا على عدوانها.

ولا يُستبعد أن يُفضي الاتفاق الأخير إلى منح الاحتلال الإسرائيلي وحلفائه من الصهاينة الإنجيليين مزيدًا من الجرأة، ما يفتح الباب أمام جولات جديدة من التصعيد، قد تشمل مواجهات مباشرة أو عبر وكلاء ضدّ تركيا في الساحة السورية، أو ضدّ باكستان من خلال استثمار التوتّرات المتجدّدة مع الهند، وتوظيف الخلافات التاريخية العميقة بينهما.

وما يزيد المشهد تعقيدًا أنّ الأطراف المعتدية لا تأبه بالتداعيات المدمّرة التي قد تنجم عن مثل هذه المواجهات المحتملة، حتى وإن بلغت مستويات أكثر فتكًا وأعمق تأثيرًا من سابقاتها. فتركيا وباكستان ليستا كإيران التي ظلت معزولة ومكبّلة بصراعاتها الإقليمية؛ بل إنّهما قوّتان وازنتان تربطهما شبكة واسعة من المصالح والتحالفات، ما يمنحهما القدرة على قلب المعادلات وتوسيع دائرة الصراع إلى أبعادٍ قد يصعب احتواؤها لاحقًا.

في ظلّ هذه التطوّرات، من المرجّح أن يبقى المشهد الإقليمي في الشرق الأوسط مفتوحًا على مختلف الاحتمالات، ما يُحتّم على الأطراف الإقليمية والدولية تبنّي قراءة أعمق وتحرّك أكثر مسؤولية، استعدادًا لمواجهة تحدّيات أوسع وأخطر بسبب سياسات الاحتلال الإسرائيلي العدوانية والدعم المطلق الذي يتلقّاه من المتطرفين المسيحيين الصهاينة، وبما يكفل صون الأمن والاستقرار الإقليمي ويمنع انزلاق المنطقة إلى صراعات مدمّرة.

بقلم: علي أحمد محمد المقدشي

زر الذهاب إلى الأعلى