أيديولوجيا الدم والنبوءات المزعومة… خطرٌ يُداهم العالم

تمثِّل دولة الاحتلال الإسرائيلي والحركة المسيحية الصهيونية المتحالفة معها وجهين لعملة أيديولوجية واحدة، يجمعهما مشروع ديني–سياسي قائم على تسويغ العدوان وتبرير الجرائم المرتكبة بحقّ الفلسطينيين خصوصًا، والعالم الإسلامي عمومًا. ويتغذّى هذا المشروع من تأويلات محرّفة لنصوص العهدين القديم والجديد، تُوظَّف لإشعال صراعات دينية واسعة النطاق، وتحويل العالم الإسلامي إلى ساحة نزاعات دموية لن يسلم من لهيبها أحد من العالمين.

فالحرب لدى هؤلاء ليست مجرّد أداة سياسية، بل “جهادٌ مقدّس” يُزعم أنّه يُعجِّل بتحقيق النبوءات. من جهة، يدّعي الاحتلال الإسرائيلي أنّ هدفه إقامة “الهيكل الثالث” على أنقاض المسجد الأقصى، والتعجيل بظهور “المسيح المُخلِّص” (الدجال) الذي سيحكم العالم بأسره بحسب معتقداتهم. ومن جهة أخرى، ترى المسيحية الصهيونية أنّ دعم إسرائيل جزءٌ من خطة إلهية لعودة المسيح ثانية، حتى وإن اقتضى ذلك إشعال حروب مدمّرة تُفني الملايين وتهجّر الشعوب وتدمّير المدن والأوطان.

وتستند هذه الرؤية الدموية إلى نصوص محرّفة ومفاهيم مشوّهة من كتبهم المقدسة لديهم، تُبيح القتل وتبرّر النهب باسم الإله، كما جاء في سفر الخروج: ﴿الربّ رجل الحرب﴾ (خر 15: 3)، وفي سفر العدد: ﴿احرقوا جميع مدنهم بمساكنها وجميع حصونها بالنار﴾ (عد 31: 10)، و﴿اقتلوا كلّ ذكر من الأطفال وكلّ امرأة﴾ (عد 31: 17)، و﴿احرقوا حتى بنيهم وبناتهم بالنار﴾ (تث 12: 31)، وكذلك في سفر التثنية: ﴿فضربًا تضرب سكان تلك المدينة بحدّ السيف وتحرّمها بكلّ ما فيها مع بهائمها بحدّ السيف. تجمع كلّ أمتعتها إلى وسط ساحتها وتحرق بالنار المدينة وجميع أمتعتها كاملة للربّ إلهك﴾ (تث 13: 15-16).

ويتجلّى ذلك بوضوح أكبر في سفر التثنية (الإصحاح 20)، حيث نجد أمرًا صريحًا يقول: ﴿وحين تتقدّمون لمحاربة مدينةٍ فادعوها إلى الصلح أولًا. فإن أجابتكم إلى الصلح واستسلمت لكم، فكلّ الشعب الساكن فيها يصبح عبيدًا لكم. وإن أبت الصلح وحاربتكم فحاصروها، فإذا أسقطها الربّ إلهكم في أيديكم، فاقتلوا جميع ذكورها بحدّ السيف. وأما النساء والأطفال والبهائم وكلّ ما في المدينة من أسلاب فاغنموه لأنفسكم، وتمتّعوا بغنائم أعدائكم التي وهبها الربّ إلهكم لكم﴾.

بهذه الصورة يُكرّس النصّ التوراتي لعقلية دينية–سياسية ترى أنّ إبادة الرجال وأسر النساء والأطفال ونهب الممتلكات أعمالٌ مشروعة ومباركة من “الربّ”، طالما أنّها تخدم النبوءة وأهداف المؤمنين بها. ويؤكد ذلك ما جاء في سفر يشوع (الإصحاح 6: 21، 24): ﴿وحرّموا كلّ ما في المدينة من رجلٍ وامرأةٍ، من طفلٍ وشيخٍ، حتى البقر والغنم والحمير بحدّ السيف… وأحرقوا المدينة بالنار مع كلّ ما فيها﴾.

وليس مستغربًا إذن أن تستند جماعات متطرفة من اليهود والمسيحيين الصهاينة إلى هذه النصوص، فتسعى إلى إشعال الحروب وممارسة القتل والتخريب باسم الدين، مصوّرة ذلك على أنّه إرادةٌ إلهية ومهمةٌ مقدّسة. والأخطر من ذلك أنّ هذا الفكر المتطرف آخذٌ بالتصاعد داخل أوساط واسعة من الغرب، مهدّدًا بتحويل مناطق كثيرة من العالم إلى ميادين صراع ديني طويل الأمد لن يُبقي ولن يذر.

إنّ على الأمة الإسلامية، على وجه الخصوص، أن تستشعر حجم الخطر الذي يُداهمها في عقر دارها بسبب أيديولوجيات الدم والنبوءات المزعومة قبل فوات الأوان، حماية للأوطان والشعوب والمقدسات من ويلات هذا الفكر الهدّام.

بقلم: علي أحمد محمد المقدشي

زر الذهاب إلى الأعلى