أمنٌ يتجّلى في عيد الأضحى المبارك وخطر يتخفى: خوارج العصر في مرمى الوعي الصومالي

الحمد لله على نعمة الأمن التي تنعم بها مقديشو وأكثر المدن الصومالية الرئيسية، بعد سنوات من الخوف والعنف، والشكر لله أولًا ثم لأبطال الأمن الذين بذلوا أرواحهم وسهروا لتهنأ حياة الناس بالطمأنينة. إنها نعمة لا تُقدّر بثمن في بلدٍ جُرّب فيه الفوضى، وتجرّعت فيه الأسر مرارة التهجير والتفجير.وقد تجلت هذه النعمة العظيمة في أبهى صورها خلال عيد الأضحى المبارك، حيث شهدت العاصمة وأسواقها وشوارعها ومصلياتها أجواء من الطمأنينة والسكينة، فخرج الناس إلى الصلاة والمعايدة والتسوّق دون خوف أو رعب. فالعيد هذا العام لم يكن مجرد طقس ديني،بل كان احتفالًا جماعيًا بعودة الحياة، ورسالة شعبية تعلن الأمل المتجدد والثقة في الله عز وجل، ثم في مؤسسات الدولة التي بدأت تستعيد زمام المبادرة.وإنه من تمام الشكر وتمام الفقه أن نقف وقفة امتنان، فنحمد الله أولًا وأخيرًا على نعمة الأمن، ثم نرفع التحية والتقدير لكل من أسهم في إرساء هذا الاستقرار، من قيادة، ورجال أمن أوفياء، وشعب صامد. وكما قال النبي ﷺ: “من لا يشكر الناس لا يشكر الله.”ورغم هذا التحسّن النسبي، يظلّ التهديد قائمًا في ظل وجود جماعات متطرفة لا تزال تمارس حربًا مزدوجة ضد الدين والوطن:مثل حركة الشباب ، وداعش. جماعات تحمل فكرًا منحرفًا، تعادي الدولة والمجتمع معا، وتستبيح الحرمات تحت عباءة مزيفة من التدين.لقد تجاوزت هذه التنظيمات حدود الغلو إلى ممارسة إرهاب منظم ضد المدنيين، حيث فجّرت الأسواق والمساجد والطرقات، كما في تفجيرات زوبى 1 و2، على سبيل المثال لا الحصر،  وقتلت المصلين وروّعت الأبرياء. جماعات لا تؤمن إلا بالعنف، ولا ترى في الدولة إلا عدوًا مرتدا، ولا تقبل من الشعب إلا بيعة السلاح أو الهلاك.

فكرها يُكفّر، ويدها تقتل، وصوتها يُروّع. إنها لا تقف عند تدمير المباني، بل تسعى لنسف المعاني: معاني الاعتدال والرحمة والانتماء. وتستغل الهشاشة الأمنية والانقسام السياسي والقبلي، لتوسيع مناطق نفوذها وفرض رؤيتها الظلامية.

لا خيار أمام الصوماليين – دولة ومجتمعًا – إلا أن يّعوا أن هذه الجماعات ليست معارضة مسلّحة، بل سرطان فكري وجودي، لا علاج له إلا باجتثاثه من الجذور: بالفكر، والتعليم، والإعلام، والإدراك المجتمعي المشترك الذي يحصّن المجتمع من الانحراف، ويحمي الدولة من التفكك. ويصون الدين من التحريف.فالنصر الحقيقي لا يُقاس بتحرير أرضٍ فقط، بل بتحرير العقول من قبضة الأوهام، وإنقاذ الفكر من براثن الغلو وخطاب الكراهية،  واستعادة وعي المجتمع من مستنقع الخرافة والتضليل.

  فليكن شعار المرحلة: لا مكان لخوارج العصر في أرض الصومال.

كاتب ومحلل سياسي صومالي

Abdulkadirali@gmail.com

زر الذهاب إلى الأعلى