من باريس إلى الخرطوم “رسائل مخفية”

هناك حكمة إفريقية قديمة تعود لقبيلة “Bamana” في أقصى الغرب الإفريقي تقول “الجيش ينتصر في المعركة ولكن الشعب ينتصر في التاريخ”.
في ظل الجدل القائم في الأمم المتحدة حول تشكيل لجنة مكونة من ستة خبراء لتقييم الوضع في السودان، نجحت الخرطوم مؤخراً في كسب موقف أربعة دول وهي الصومال والصين والجزائر وباكستان، حيث أبدت تلك الدول تحفظها على إثنان من الخبراء الستة المرشحين، أحدهم خبير مالي يحمل الجنسية الكينية، والأخر بريطاني متخصص في قضايا الأسلحة، وجاءت تحفظات تلك الدول بناءاً على إعتراض الخرطوم لوجود هاذان الخبيران، فالحكومة السودانية تسعى إلى منع نيروبي من مواصلة عملها المضاد لتوجهات الخرطوم من خلال أذرعها العامله في المؤسسات الدولية، ومن ناحية أخرى ترفض الخرطوم الموقف البريطاني الذي يحاول مساواة الحكومة السودانية بمليشيا الدعم السريع.
سيتم البت في أمر الخبراء الستة قبل سبتمبر وحتى ذلك الوقت هناك فرصة للخرطوم لإعادة رسم خارطة تحالفاتها الجديدة وإكمال ما بدأته، والعمل على إحكام حلقة غرب البلاد “إقليم دارفور” ودحر مليشيا الدعم السريع وتبديد ما تبقى منها ومن مقدراتها.
في خضم ذلك تداولت بعض الأوساط الأمنية الإفريقية خاصة تلك القريبة من مراكز صنع القرار الفرنسي بأن هناك وفداً فرنسياً سيزور الخرطوم يونيو القادم، أي قبل تعيين الخبراء السته، وإذا ما صح ذلك فهذه دلالة على صحة ما تداولته بعض النخب الإفريقية منذ أكتوبر 2024 بإنخراط دوائر إفريقية مؤثرة في الملف السوداني.
في الحقيقة لم يفاجئني التوجه الفرنسي الصريح للسودان والذي أراه بأنه جاء متزامناً مع حرص فرنسي قديم طالما بحثت باريس عن أرضية لتنفيذه ولم تجد، والذي أراه أنه جاء ترجمة لرؤية فرنسية قديمة لم يدونها “جاك فوكار” مهندس إستراتيجية “Françafrique” في ملفات “Quai d’Orsay” ولكن إقتضت الحاجة لإقتناصها ولو عنوه، وتبقى الكلمة الأخيرة للخرطوم الساعية إلى ما أطلق عليه الإعلام الفرنسي منذ يناير الماضي
‏La stratégie de diversification des alliés” وتعني باللغة العربية “إستراتيجية تعدد الحلفاء”.
‏بدأ الإهتمام الفرنسي بالسودان جلياً منذ ما قبل عهد حكومة الإنقاذ ١٩٨٩، وتضاعف في عهدها، فالسودان جغرافياً يقع في المنتصف ما بين أهم المعاقل الفرنسية شرقاً “جيبوتي” الواقعة على باب المندب وخليج عدن، وغرباً أفريقيا الوسطى و ⁧‫تشاد‬⁩ ، ومن هنا ولدت الإستراتيجية الفرنسية تجاه ⁧‫السودان‬⁩ الذي تراه باريس إما أن يكون الدعامة الأولى لرؤيتها الجديدة في القرن الإفريقي وبالتالي يستوجب وضع خطة طريق للتعامل مع ⁧‫الخرطوم‬⁩، وإما أن يكون السودان المعقل الفرنسي القادم وبالتالي وجب إنتهاز فرصة الإهمال ⁧‫العربي‬⁩ للخرطوم ووقوعه تحت الحصار والعقوبات الأمريكية وإبداء التعاون معه تمهيداً لتشكيله ومن ثم تأهيله ليمارس دوره الذي سبقته إليه بقية المعاقل الفرنسية في ‬⁩القارة الإفريقية .

د.أمينة العريمي
باحثة إماراتية في الشأن الإفريقي

د.أمينة العريمي

أمينة العربمي باحثة إماراتية في الشأن الأفريقي
زر الذهاب إلى الأعلى