الأناقة في مواجهة الصلابة

من بين أشهر الخصومات في هوليوود، تبرز قصة سيلفستر ستالون وريتشارد جير، لا كخلاف شخصي فحسب، بل كصدام بين مدرستين تمثيليتين: مدرسة القوة الغاضبة، ومدرسة الأناقة المتأنية.

في عام 1974، كان كل من ستالون وجير في مستهل صعوده الفني، وقد وقع عليهما الاختيار للمشاركة في فيلم أسياد فلاتبوش (The Lords of Flatbush)، الذي تدور أحداثه حول مجموعة من الشبان في أحد أحياء بروكلين. بدا العمل آنذاك فرصة لبداية صداقة، وربما لتعاونات مستقبلية، غير أنّه سرعان ما تحوّل إلى شرارة خصومة امتدت لعقود.

في إحدى فترات الاستراحة، جلسا داخل سيارة ضيقة يتناولان الغداء. كان جير يحمل ساندويتش دجاج مغموسا بالخردل، يأكله بلا مبالاة، بينما راح ستالون يرمقه بقلق، يخشى أن ينسكب شيء من محتواه. نبّهه بتحفّظ، لكن جير لم يأبه. ولم تمض سوى لحظات حتى تناثر الخردل على بنطال ستالون الجديد. فاشتعل غضبه، ووجّه له ضربة بالكوع أطاحت به خارج السيارة.

سادت أجواء التوتر موقع التصوير، ما اضطر المخرج إلى التدخل لاحتواء الموقف. وفي نهاية المطاف، انسحب ريتشارد جير من المشروع، ليحلّ مكانه الممثل بيري كينغ، بينما بقي ستالون، مواصلا مسيرة ستجعله لاحقا أيقونة الرجولة الصلبة في سينما الثمانينات.

مضت السنوات، وبلغ كلّ منهما ذروة مجده بطريقته، لكن الخلاف ظلّ كامنا في الخلفية، لا يندمل ولا يُنسى. وفي عام 1996، جمعهما من جديد حفل فاخر نظّمه المغني إلتون جون. كانت الأميرة ديانا من بين الحضور، تخطف الأنظار حيثما حلّت. تبادل جير أطراف الحديث معها، فلاحظ ستالون المشهد، وارتسم على وجهه الإنزعاج ، وكأن شبح 1974 قد عاد، لا بالخردل هذه المرة، بل بصراع خفيّ على اهتمام واحدة من أكثر نساء العالم سحرا ونفوذا. ولحسن الحظ، تدخّل ديفيد فورنيش، شريك إلتون جون، فأعاد الأمور إلى نصابها قبل أن تنفجر.

لم تكن هذه الخصومة مجرد حادثة عابرة خلف الكواليس، بل مرآة لصدام شخصيتين تقفان على طرفي نقيض. ستالون، الذي حفر اسمه في ذاكرة السينما بأفلام روكي ورامبو، كان تجسيدا للصلابة، للرجل الذي يتحدث بقبضته قبل كلماته. في المقابل، كان ريتشارد جير رمزا للرقي، والذكاء العاطفي، والسحر الهادئ، ذاك الذي أسر القلوب في فيلم امرأة جميلة (Pretty Woman)، لا بعضلاته، بل بابتسامته ونظرته العميقة.

الأول لا يعرف التراجع، والثاني لا يحتاج إلى فرض ذاته بالقوة. ولعلّ هذا التباين الجوهري هو ما حال دون اجتماعهما يوما في عمل واحد، أو حتى في صورة ودية تحفظها ذاكرة السينما، رغم مرور العقود.

هكذا هي هوليوود، تصنع الأساطير، وتُبقي على بعض الخلافات حيّة، كأنّها مشهد دائم في فيلم لا تنتهي فصوله. خصومة بدأت ببقعة خردل، وامتدت لتتحوّل إلى فصل من فصول رواية الفن السابع. قد لا يكون بينهما ود، لكن كليهما ترك بصمته، وسحره، وذاكرته الخاصة في قلوب عشاق الشاشة الكبيرة.

عبد الرحمن غوري

عبدالرحمن غوري باحث في الأدب والفلسفة
زر الذهاب إلى الأعلى