هل نجح الصومال في مكافحة الإرهاب؟ نظرة تقييمية لجهود الدولة ومدى كفاءتها وفاعليتها في مواجهة الجماعات الإرهابية

القاهرة: صفاء عزب

 لاشك أن الصومال يواجه تهديدات كبيرة من جماعات الإرهاب أدت إلى امتداد واتساع أمد الحرب الضروس لتطهير الأرض من الإرهابيين الذين يستنزفون بمخططاتهم مقدرات البلاد وأرواح العباد في الوقت الذي كان الصومال يستعد لتنفس الصعداء من أزمته السياسية المستحكمة منذ سنوات طويلة، ولكن لم يكد ينهض استعدادا لتحقيق إنجازات وعمليات تطوير جديدة في البلاد، حتى تتعقد الأمور من جديد ويتراجع كل شئ للوراء بسبب تجدد العمليات الإجرامية بما فيها تلك التي حدثت مؤخرا وأحدثت ردود أفعال كبيرة داخليا وخارجيا.

وأمام تجدد هذه الأحداث وتكرارها رغم الجهود المبذولة والمكثفة من الجهات الصومالية المسؤولة والمعنية بالأمر، نحتاج للتوقف عند حقيقة فاعلية تلك الجهود وجدواها ومدى الاحتياج لإعادة النظر في الكيفية والأسلوب المتبع في مكافحة الإرهاب وذلك في رؤية تقييمية لهذه الجهود.

وتستلزم عملية التقييم إلقاء الضوء على بعض التفاصيل المتعلقة بظاهرة الإرهاب في الصومال وبداية ظهورها والظروف التي صاحبت انتشارها بصورة خطيرة تهدد المجتمع وتقوض أركان الأمن الصومالي.

بداية عمليات الإرهاب في الصومال

ترتبط بداية ظاهرة الإرهاب بتردي الأوضاع السياسية والأمنية في الصومال بانهيار الحكومة المركزية الصومالية واشتعال الحرب الأهلية عام 1991 ومنذ ذلك التاريخ ظهرت مرحلتان للنشاط الإرهابي أولها استمر حتى عام 2006 حيث كان هناك فراغ في السلطة مما ساعد على ظهور الفصائل المسلحة ومنها تلك التي كانت ذات طبيعة متطرفة دينيا والتي تحولت فيما بعد إلى نواة لحركة الشباب.

وفي عام 2006 بدأ صعود نشاط هذه الحركة حيث تأسست رسميا في ذلك التاريخ مستغلة حالة الغضب الشعبي من تدخل القوات الإثيوبية في الصومال وانتشرت كالنار في الهشيم بأفكارها المتطرفة، ونفذت العديد من الهجمات الإرهابية ضد المدنيين والحكوميين والقوات الحكومية. وواصلت هذه الجماعة نشاطها فيما بعد مستغلة عدم الاستقرار السياسي وضعف المؤسسات وانتشار الفساد والصراعات القبلية وصعوبة الأوضاع الاقتصادية مما أدى في نهاية الأمر إلى تفاقم الوضع الأمني خاصة بعد ظهور آثار لتنظيم داعش أيضا في الصومال. وهو ما كان دافعا للرئيس الدكتور حسن شيخ محمود إلى التأكيد في بداية فترته الانتخابية الجديدة عام 2022 على شن حرب شاملة ضد الإرهاب والتعهد بالقضاء عليه. وقد ساهمت التدخلات الإقليمية والدولية في تعقيد الأمر.

خسائر الإرهاب في الصومال

في ظل التهديدات التي أحدثها النشاط الإرهابي في الصومال، أدى الأمر إلى وقوع خسائر عديدة وفادحة على كافة الأصعدة والمستويات، يأتي في مقدمتها الخسائر البشرية والإنسانية حيث تسبب الإرهاب في مقتل وإصابة الآلاف من المدنيين والعسكريين، وتشريد الملايين من منازلهم ومن ثم تفاقم الأزمة الإنسانية في الصومال بزيادة عدد المشردين والنازحين. كما تسبب الإرهاب في عرقلة وصول المساعدات إلى المحتاجين. ومن ناحية أخرى أدت العمليات الإرهابية إلى تدمير مجتمعات بأكملها وفقدان الأسر لأفرادها. ويرتبط بذلك حدوث خسائر اجتماعية بسبب تفكك النسيج الاجتماعي وتدهور الوضع النفسي لأفراد المجتمع لافتقاد الثقة بين الناس.

بطبيعة الحال تسببت العمليات الإرهابية في تدهور الوضع الأمني وإضعاف المؤسسات الأمنية وزعزعة الاستقرار وتصديره إلى الدول المجاورة.

ولا ينفصل حال الاقتصاد عن تلك الأوضاع حيث تأثر سلبيا بشكل كبير فكانت هناك خسائر اقتصادية شديدة نتيجة العمليات الإرهابية التي أحدثت تدميرا في البنية التحتية وتعطيل الأنشطة الاقتصادية وإعاقة جهود التنمية ومنع بناء المؤسسات والخدمات الأساسية وهروب الاستثمارات، كما ترتب على ذلك تدهور الأوضاع المعيشية للصوماليين نتيجة تفاقم الفقر والبطالة.

ملامح الجهود الصومالية في مكافحة الإرهاب

في ظل هذه الأوضاع الصعبة التي خلفها الإرهاب في الصومال كان على الحكومة الصومالية بذل الجهود المطلوبة لمواجهة هذا الخطر ومحاولة القضاء عليه واتخذت هذه الجهود أشكالا مختلفة تشمل:

  1. القيام بعمليات عسكرية

وفي هذا السياق شنت الحكومة الصومالية عمليات عسكرية كبيرة ضد جماعة الشباب استهدفت استعادة السيطرة على المناطق التي استولى عليها الإرهابيون وتقليم أظافرهم ومنعهم من القيام بهجمات مضادة.

  • رفع مستوى القدرات الأمنية

تواصل الحكومة الصومالية العمل على تعزيز قدرات قواتها الأمنية والقدرات العسكرية للبلاد ورفع مستواهم من خلال التدريب والتجهيز وتوفير الآليات المطلوبة لزيادة كفاءة وفاعلية جهود المكافحة وكذلك دعم المؤسسات الأمنية الصومالية.

  • المواجهة الفكرية للتطرف

لم تقتصر جهود مكافحة التطرف على الحرب بالسلاح وإنما شملت مواجهة التشدد بالفكر من خلال برامج خاصة تسهل عملية تفكيك الجماعة وتفكيك شبكات تمويلهاوتجفيف منابعها.

  • تعاون  القبائل الصومالية

في هذا الصدد لا يمكن تجاهل الدور الكبير الذي تلعبه القبائل الصومالية والمعول عليها في مساندة الحكومة لمواجهة خطر التطرف والإرهاب ويمكن رصد ملامح هذا الدور متمثلة في :

  • التعاون المباشر مع القوات الحكومية والمشاركة في العمليات العسكرية، وتوفير معلومات استخبارتية هامة وتأمين المناطق التي تقع في نطاق سيطرتهم.
  • تشكيل قوات محلية، حيث قامت القبائل في بعض المناطق بتشكيل قوات مسلحة تدافع عن مناطقها ضد الجماعات الإرهابية. وهي تعد قوات فعالة خاصة في المناطق الريفية والنائية.

ج- استخدام النفوذ الاجتماعي والثقافي لزيادة الوعي المجتمعي بخطورة التطرف والجماعات الإرهابية وخلق بيئة صالحة لمكافحتها ومهيأة لرفض التشدد والعنف والتصدي له.

وعلى الرغم من محورية دور القبائل وتأثيره في ديناميكيات الصومال باعتبارها جزء أصيل من النسيج الاجتماعي الصومالي، إلا أن هذا الدور يبدو معقدا عند الحديث عن فاعليته في مكافحة الإرهاب بسبب الانقسامات القبلية والصراعات الداخلية التي تعقد جهود المكافحة، وتخلق بيئة صالحة لتغلغل الإرهاب مستغلا هذه الانقسامات لزيادة أفرادها. كما توجد مشكلة الولاءات التي قد تعوق الجهود الحكومية حينما يحدث الخلاف بين المركز والإقليم حيث يكون ولاء بعض القبائل لقادتها في بعض الأحيان وليس للوطن الأكبر والحكومة المركزية وهو ما يضرب الوحدة وروح التعاون المطلوبة لمكافحة هذا الإرهاب.

  • الدعم الإنساني

لا ينفصل عن الخطوة السابقة الاهتمام بالجوانب الإنسانية باعتبارها جزء لا يتجزأ  عن المكافحة بمساعدة المتضررين وتخفيف معاناتهم من توابع العمليات الإرهابية وما تحدثه من خسائر. وقد ثبت أن تدهور الأوضاع الإنسانية قد يدفع البعض للانخراط في هذه الأعمال الإرهابية بسبب اليأس والإحباط ومن ثم فإن الجهود الإنسانية وما يصاحبها من حرص على توفير الخدمات الأساسية تسهم بشكل فعال في منع انتشار الجماعة أو عودتها ثانية.

  • التعاون الإقليمي والدولي

لاشك أن مواجهة هذا الخطر يستلزم تضافر كل الجهود للتعاون في القضاء عليه وهو أمر يتجاوز قدرات بلد واحدة ويتطلب جهودا إقليمية ودولية كبيرة وهو أحد الخطوات التي اتبعها الصومال مع الشركاء الدوليين والإقليميين من خلال تبادل المعلومات الاستخباراتية وتنسيق العمليات العسكرية والحصول على مساعدات مالية وتقنية.

وتتضمن الأطراف الدولية التي تتعاون مع الصومال في حربه ضد الإرهاب كلا من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي، وذلك إلى جانب الدعم الإقليمي سواء من الاتحاد الإفريقي أو دول الجوار.

وفي إطار هذا التعاون المشترك قام الصومال بعمليات عسكرية بدعم من الشركاء الدوليين بما فيهم الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الإفريقي “أتميس” ونجح في طرد حركة الشباب من بعض المناطق. كما نجحت القوات الفيدرالية الصومالية بالتعاون مع القوات الأمريكية في تنفيذ عمليات مشتركة استهدفت كبار القادة وأعضاء تنظيم داعش في جبال “علي مسكاد” بمنطقة باري في ولاية بونتلاند وذلك في أعقاب هجوم لمسلحين على قاعدة عسكرية بسيارة محملة بالمتفجرات. وقد أعلنت القوات الصومالية عن مقتل العشرات من مقاتلي التنظيم خلال اشتباكات عنيفة مع قوات الأمن الإقليمية بالمنطقة، وهي موقعة تكبدت فيها قوات الأمن خسائر في الأرواح.

ورغم ذلك  لازالت أذرع الإرهاب تمارس نشاطها بشن هجماتها في المناطق الحضرية ما يشي باستمرار الخطر وأن الجهود المبذولة غير كافية.

نظرة تقييمية:

بالنظر إلى هذه المعطيات الموجودة على أرض الواقع يمكن تقييم الجهود المبذولة لمواجهة الإرهاب وفق عدة محاور كالتالي:

  1. إنجازات تحققت

استطاعت القوات الصومالية مع شركائها الدوليين تحقيق إنجازات متمثلة في استعادة السيطرة على بعض مناطق كانت تحت سيطرة حركة الشباب. كما نجحت في تقليل قدرة الحركة على شن هجمات واسعة النطاق في بعض المناطق. و يحسب للمسؤولين الصوماليين نجاحهم في تحرير مناطق القبائل من سيطرة حركة الشباب. وقد نجحت الحكومة أيضا في تجفيف منابع الإرهاب بقطعا لطريق على التمويلات التي تتلقاها هذه الجماعات.

  • جهود التعاون

تعد جهود التعاون المشترك بين الحكومة الصومالية وشركائها ضرورية لكفالة الأمن والاستقرار ليس للصومال فقط وإنما لكل المنطقة. كما أنها لازمة لرفع قدرات الصومال في مكافحة الإرهاب، ولذلك لابد من استمرار هذه الجهود لأن مواجهة عدو مثل الإرهاب تحتاج لجهود كل الأطراف وليس جهد طرف واحد.

  • شمولية نهج التعاطي مع الإرهاب

رغم ما تحقق على أرض الواقع فإن الأمر لازال يفتقد إلى نهج شامل لايعتمد فقط على العمليات العسكرية وإنما يمتد لاستخدام كافة الوسائل بما فيها الوسائل الفكرية لمواجهة الفكر بالفكر والحجة كما يجب معالجة الأسباب الجذرية لحدوث هذا التطرف وخاصة ما يتعلق بضرورة مواجهة مثلث الخطر  المتمثل في الفقر والجهل والفراغ.

  • استمرار التحديات

من الطبيعي أن يستمر النشاط الإرهابي في ظل وجود ثغرات خطيرة منها الفساد وضعف المؤسسات الحكومية وعدم الاستقرار السياسي. إلى جانب ذلك تبرز مشكلة خطيرة تتمثل في الطبيعة المتغيرة للتهديدات الإرهابية في ظل استغلال الوسائل التكنولوجية الحديثة وهو ما يفرض على الدولة ضرورة مواكبة واحتواء هذه التطورات وتقويض قدرات الجماعات الإرهابية فيها.

نظرة مستقبلية

رغم النجاح الذي حققته القوات الصومالية على أرض الواقع لكن الجهود تظل محل انتقاد نظرا للثغرات التي تمت الإشارة إليها، وكذلك التحديات المذكورة سابقا، وهو ما يخلق حالة من الضبابية وعدم اليقين بشأن تأثير الجهود الحالية على مستقبل الجماعات الإرهابية في الصومال. ومن ثم تبقى كل الاحتمالات مفتوحة ما يجعلنا أمام ثلاثة سيناريوهات هي:

  1. بقاء الوضع على ما هو عليه من تهديدات مستمرة بنفس الوتيرة الحالية وسط حالة من الكر والفر أمام عمليات القوات الصومالية وشركائها. وهو أمر يمكن أن تغذيه المشكلات القائمة في الصومال والمتعلقة بضعف المؤسسات والفساد والأزمات الاقتصادية والصراعات القبلية والسياسية.
  2. ازدياد الوضع سوءا بانتشار وتغلغل الإرهاب في ظل المشكلات المذكورة وتطور أساليب تنفيذ الهجمات وتوسيع النشاط في دوائر تشمل دول الجوار وهو ما يعرض المنطقة كلها لعدم الاستقرار.
  3. حدوث تراجع لظاهرة الإرهاب وهو سيناريو ممكن وليس مستحيلا خاصة لو نجحت الدولة في استعادة قوتها وسيطرتها على كافة الأوضاع مع دعم دولي وإقليمي متواز يضمن استمرار دولة الصومال في مواجهاتها بكفاءة وفاعلية ضد الإرهاب.

وتلعب التحديات الكبرى التي يواجهها الصومال دورا  كبيرا في ترجيح أحد الاحتمالات على الآخر لأثرها في عرقلة جهود الدولة المبذولة في مكافحة الإرهاب. ومع ذلك فإن هناك عوامل تؤثر في ملامح مستقبل الظاهرة وانتشارها وتشمل:

  • الجهود الأمنية والعسكرية ومدى التعاون بين مؤسسات الدولة للتنسيق تحقيقا للفاعلية في تقويض الإرهاب.
  • الوضع السياسي ومدى استقراره داخليا خاصة ما يتعلق بالصراعات بين الحكومة المركزية والأقاليم أو القبائل.
  • الأحوال الاقتصادية والاجتماعية ومدى تطورها أو تدهورها الذي يشكل دافعا قويا لقدرة الجماعة على تجنيد الشباب.
  • حجم وطبيعة التعاون الدولي في كافة المجالات بما فيها العسكري والإنساني.

استرايجيات مطلوبة

وإذا كانت التحديات كبيرة فإن هناك متطلبات من الإدارة الصومالية تستلزمها عملية مكافحة الإرهاب وتشمل:

  1. الاهتمام بتعزيز وتقوية المؤسسات الحكومية خاصة الأمنية والقضائية لكفالة أمن المواطنين ومكافحة الفساد الذي يشكل بيئة خصبة للإرهاب.
  2. الاستمرار بقوة في العمليات العسكرية واستهداف الكيانات الكبيرة والأساسية في الجماعات الإرهابية.
  3. حرص الحكومة على إشراك المجتمعات المحلية في جهود المكافحة والعمل على بناء الثقة فيما بينهم ودعم جهود المصالحة للتخلص من أجواء المشاحنات القبلية التي تعكر صفو العلاقات الداخلية.
  4. تنفيذ برامج مواجهة التطرف وتفكيك شبكاته وتجفيف منابعه وقطع وصول الدعم المالي له.
  5. معالجة الأسباب الرئيسية للإرهاب من ظروف اقتصادية سيئة وتهميش وبطالة ونشر الوعي من خلال تعزيز التعليم المتطور المستنير.
  6. استمرار تعاون الدولة الصومالية مع الجهات الدولية والأطراف الإقليمية كشركاء يسهمون في رفع قدرات الصومال ماليا وعسكريا واستخباراتيا. وهي جهود تقع على عاتق المجتمع الدولي، وتستلزم عدم التقصير أو التراجع أو التراخي في تقديمها للصومال، في ظل قناعات مؤكدة بأن أمن الصومال لا ينفصل عن أمن المنطقة كلها ومن ثم الأمن العالمي في تلك المنطقة الحيوية من العالم.

وختاما:

 فإن مكافحة ظاهرة الإرهاب في الصومال تعد مهمة أساسية وضرورية تقع على عاتق الصومال والمجتمع الدولي والإقليمي معا ولا يمكن التراخي فيها لتوابعها الخطيرة. ومع الإصرار على استمرار المكافحة ومعالجة المشكلات والتحديات المذكورة يصبح من الممكن القضاء على الإرهاب حتى لو بدا ذلك صعبا في المدى القريب.

صفاء عزب

كاتبة وصجفية مصرية
زر الذهاب إلى الأعلى