تدهور الوضع المعيشي في الصومال: الأسباب والمآلات

يواجه الصومال في الآونة الأخيرة أوضاعا معيشية، أثرت على غالبية سكان البلاد، مما أدخل البلاد حالة من الركود الاقتصادي والتجاري، وبالتالي تجلى ذلك في سبل العيش بالبلاد.

مظاهر التدهور المعيشي في البلاد:

وتتخذ مظاهر التدهور المعيشي في البلاد، عدة أشكال أبرزها:

  1. إفلاس بعض الشركات وإغلاق أبواب بعض المحلات ومراكز الخدمات: أغلقت بعض الشركات والمحلات التجارية ومراكز الخدمات أبوابها خلال العامين الماضيين، وذلك بعد مواجهتها ظروفا اقتصادية صعبة، أجبرتها على إيقاف خدماتها وإغلاق أبوابها. وهو ما يشاهده الشخص الصومالي، وخاصة، الشخص الذي يعيش في العاصمة “مقديشو”، بشكل شبه يومي، الأمر الذي يلفت نظر الملاحظ والمتابع للتطورات الاقتصادية في البلاد.
  2. تخفيض بعض المؤسسات لخدماتها وتسريح بعض عمالها: لمواجهة الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بالبلاد، لجأت بعض المؤسسات إلى تقييد وتخفيض بعض خدماتها، وبالتالي إلى تسريح بعض عمالها، مما يعد مؤشرا سلبيا على الأوضاع الاقتصادية في البلاد.
  3. ارتفاع معدلات البطالة في أوساط الشباب: إن الحلول التي لجأت إليها بعض المؤسسات والشركات التجارية، لتجاوز الظروف الصعبة التي تواجهها، أدت إلى ارتفاع معدلات البطالة، وإن لم يتم إحصاؤها بعد من جهة رسمية أو مستقلة، لكن المتابع للأوضاع الاقتصادية في البلاد، يلاحظ ذلك، حيث أفرزت عمليات إغلاق المحلات وتسريح العمال، حالة من اتساع شرخ البطالة في الأوساط الشبابية.
  4. تراجع القوى الشرائية: يلاحظ تراجع مستويات القوى الشرائية في البلاد، حيث يظهر ذلك في الأسواق والمراكز التجارية التي كانت مكتظة بالباعة والمشترين.

أسباب التدهور المعيشي في البلاد:

على الرغم من أننا لم نجري دراسة علمية معمقة حول هذه الظاهرة، إلا أنه ومن خلال تتبع الأوضاع الاقتصادية في البلاد وتقصيها ومحاولة تفسيرها وتحليلها عبر الملاحظات الشخصية، تواصلنا إلى أن هناك عدة فرضيات قد تشكل الأسباب التي أدت إلى هذا الوضع المعيشي في البلاد.

ومن أهم هذه الأسباب:

  1. انقطاع أو انخفاض المساعدات الدولية: إن قرار دونالد ترامب بإيقاف المساعدات الخارجية بعد عودته إلى البيت الأبيض مطلع العام الجاري ٢٠٢٥م، قد أثر على دول أفريقية، من بينها الصومال التي كانت تعتمد على المساعدات الأمريكية في كثير من المجالات، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، فمثلا، صرح السيد بيحي إيمان عغي، وزير المالية في الحكومة الفيدرالية الصومالية، قبل أشهر، بأن إيقاف الولايات المتحدة الأمريكية لمساعدتها الخارجية المقدمة عبر الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID)، قد أثر على الحكومة الصومالية، حيث يتوجب عليها منذ الآن صرف رواتب الفرقة العسكرية الخاصة في الجيش الصومالي والمعروف بالصاعقة (دنب/DANAB) والتي دربتها الولايات المتحدة، وكانت تتولى دعمها ماليا وعسكريا، منذ تأسيسها، وهذا يعد تأثيرا مباشرا لانقطاع المساعدات الخارجية، بالإضافة إلى ذلك هناك بعض المنظمات المحلية التي كانت تتلقى بطريقة أو بأخرى على مساعدات من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية أوقفت النشاطات والخدمات التي توفرها لعملائها وللمجتمع كافة.
  2. انتقال معظم الأغنياء ورجال الأعمال مع أسرهم إلى الخارج: لظروف مختلفة، انتقل معظم رجال الأعمال والموسرين الصوماليين من التجار والسياسيين وغيرهم، للعيش في الخارج، مما ترتب على ذلك نقل بعض أصولهم وممتلكاتهم وربما استثماراتهم إلى الخارج، مما قد يؤدّي إلى انخفاض القوى الشرائية وتراجع حركة الأسواق الرئيسية بالبلاد.
  3. الضرائب المتعددة والإتاوات المتنوعة: تفرض الدولة الصومالية على مستويها الفيدرالي والإقليمي ضرائب متعددة على التجار ورجال الأعمال والعاملين أو الموظفين في القطاعات العامة والخاصة، فضلا عن ضرائب العقارات والإسكان وما إلى ذلك، علاوة على ذلك المبالغ التي تفرضها حركة “الشباب” على التجار والمزارعين باسم “الزكوات”، مما يكون له دور في التضخم وارتفاع الأسعار الذي قد يؤدي إلى توقف الأنشطة، ما لم تستطع الاستجابة لمتطلبات مصلحة الضرائب في الحكومة الفيدرالية والولايات الإقليمية والبلديات، ومكاتب المالية لحركة “الشباب”، خاصة وأن معظم هذه الجبايات لا تعود بالنفع على المجتمع، سواء مشاريع تنموية أو خدمات أساسية.
  4. محدودية الإنتاج الزراعي والصناعي: يشهد القطاع الزراعي والصناعي في البلاد منذ فترات طويلة محدودية الإنتاج الزراعي والصناعي، حيث لا تغطي الإنتاجات الزراعية والصناعية حاجة البلاد، فضلا عن تصديرها إلى الخارج، مما يعني محدودية مصادر الدخل في الصومال، الأمر الذي يساعد في تنامي تدهور الوضع المعيشي في البلاد، ما لم تتبنى الجهات المعنية بالتنمية الاقتصادية سياسات واضحة ومرنة لتطوير اقتصاد البلاد وتحسين إنتاجاته الزراعية والصناعية.

المآلات:

انطلاقا من معطيات أرض الواقع، وعلى الرغم من تصريحات المسؤولين، حول ارتفاع معدل النمو الاقتصادي في البلاد، إلا أن متابعين ومعنيين بالتنمية الاقتصادية في البلاد، يرون أن الأوضاع ستزداد سوءا ما لم تتضافر الجهود للقضاء على أسباب التدهور المعيشي في البلاد ومظاهره، ووضع سياسات تنموية تهدف إلى إصلاح اقتصاد البلاد عبر تطوير الإنتاجات والخدمات وخلق فرص عمل للشباب، وتشجيع الاستثمار في البلاد واستقطاب المستثمرين بتوفير بيئة استثمارية جذابة وهادفة.

زر الذهاب إلى الأعلى