القاهرة: صفاء عزب
تتسم العلاقات الصومالية الإثيوبية بخصوصية شديدة لحساسيتها العالية لأية أحداث أو تطورات في كلا البلدين وكذلك تأثرها الشديد وتأثيرها على التوجهات السياسية الداخلية والخارجية لهما وعلاقاتهما مع المحيط الإقليمي والجغرافي. وعلى مدار فترات طويلة شهدت هذه العلاقة حالة من الشد والجذب وسط أجواء متباينة ما بين الوفاق والخلاف وصولا للعداء في بعض الأحيان بسبب السياسات المستفزة التي تلجأ إليها إثيوبيا في بعض المواقف سعيا وراء مصالحها البحتة حتى لو كانت تضر بالمصالح الصومالية وتنال من سيادتها أحيانا. والسبب في ذلك يرجع لأطماع إثيوبيا وهو ما أكدته وقائع وأحداث عبر تاريخ العلاقات الثنائية بين البلدين. ويعد الوصول للمياه الدفيئة والبحث عن منفذ بحري على البحر الأحمر والمحيط الهندي، هدفا رئيسيا ومحركا قويا للسياسات الإثيوبية وهو الأمر الذي لم يتورع أبي أحمد رئيس الوزراء الإثيوبي عن التأكيد عليه في خطاباته المحلية والكشف عن أطماعه في موانئ الجيران. ولعل موقفه الأخير بإبرام اتفاق مع إقليم صومالي انفصالي غير معترف به، تحقيقا لمطامعه في الوصول للبحر الأحمر وامتلاك منفذ ساحلي عليه، خير شاهد على هذه الاستفزازات، وهو الاتفاق الذي نص على حصوله على منفذ على البحر الأحمر بطول 20 كيلو يضم خصوصا ميناء بربرة وقاعدة عسكرية وهو ما تسبب في أزمة كبيرة مع دولة الصومال، إضافة إلى ردود فعل دولية وإقليمية رافضة لهذا المسلك الإثيوبي بما فيها موقف الاتحاد الإفريقي و “الإيجاد” وجامعة الدول العربية التي وصفت ما حدث بأنه انقلاب صارخ على الثوابت العربية والإفريقية. وهي محطة فارقة لاتغيب عن الذاكرة الصومالية حتى بعد انعقاد الصلح بين البلدين برعاية تركية.
وبسبب نفس النهج الاستفزازي في السياسة الإثيوبية توترت علاقة إثيوبيا مع جيرانها في القارة الإفريقية سواء في محيطها القريب أو وصولا لأقصى شمال القارة مع مصر.
على امتداد روافده التي تفيض بالخير، يجمع نهر النيل بين عدة دول منها إثيوبيا التي تقع عند المنبع ومصر التي تعد دولة مصب وجاء مشروع سد النهضة الإثيوبي ليشعل التوتر في العلاقة مع مصر بسبب تهديده لأمنها المائي كما ازدادت حدة الصراعات بين البلدين مع تعنت الطرف الإثيوبي خلال المفاوضات وإصراره على المضي قدما في استكمال المشروع وصولا لمرحلة الملء الكامل للسد ضاربا بالمطالب المصرية عرض الحائط فيما يتعلق بمسألة التنسيق ومراعاة الحقوق المائية لمصر.
ومن ثم فإن وجود إثيوبيا كطرف في أي علاقة يثير اهتمام الجانب المصري وربما قلقه نظرا لوجود اعتبارات تتعلق بالمصالح المصرية العليا.
وإذا كانت العلاقات الصومالية الإثيوبية يعتريها فترات مختلطة من الوفاق والتوتر فإن ذلك يرتبط بأسباب سياسية واقتصادية وأمنية أيضا ما يجعلنا نتطرق إلى أبعادها في السطور القادمة.
أبعاد العلاقات الصومالية الإثيوبية:
وفي ذلك يمكن تحديد مجموعة من الأبعاد التي تقوم عليها العلاقات الصومالية الإثيوبية وترسم ملامحها، وهي نوعان إيجابية وسلبية كالتالي:
- أبعاد ذات طبيعة سلبية:
- الخلافات الحدودية
لايخفى عن الذهن أن مشكلة الخلافات الحدودية بين د ول القارة السمراء تعد من المشكلات المزمنة والتي تتسبب كثيرا في إحداث أزمات وصراعات تصل إلى الحروب كتلك التي قامت بين الصومال وإثيوبيا في فترات سابقة.
- تدخلات إثيوبية في الشأن الصومالي
اتسمت العلاقات الثنائية بين البلدين ببعض الشوائب والإشكاليات المرتبطة بمحاولات إثيوبيا للتدخل في شؤون الصومال والعبث بمصالحه تحقيقا لمصالح إثيوبية وهو ما يثير استفزازات كثيرة لدى الطرف الصومالي.
- أبعاد ذات طبيعة إيجابية:
- تعاون أمني:
رغم الخلافات التي تثيرها السلوكيات الإثيوبية السلبية في علاقتها بجارتها الصومال إلا أن علاقاتهما تشهد بعض ملامح التعاون الأمني الذي تفرضه بعض التهديدات المشتركة للطرفين وتجعلهما مضطرين لتوحيد الجهود في مواجهتها وفي مقدمتها خطر الإرهاب وانتشار جماعات العنف المسلحة.
- تعاون اقتصادي:
بحكم علاقة الجوار يعتمد كلا البلدين على الآخر في بعض الجوانب الاقتصادية الحيوية ومنها موضوع الموانئ الصومالية التي تعتمد عليها إثيوبيا في حركة التجارة وخاصة الصادرات. وفي المقابل يلجأ الصومال إلى استيراد بعض السلع وكذلك الخدمات الإثيوبية لتغطية احتياجاته المحلية.
الاتفاق الصومالي الإثيوبي برعاية تركية:
تمر العلاقات الثنائية بين الصومال وإثيوبيا حاليا بمرحلة جديدة تقوم على تفاهمات مشتركة حول سبل التعاون بموجب اتفاق المصالحة الذي تم برعاية تركية بعد ثلاث جولات من المفاوضات، الذي طوى صفحة من صفحات الخصومة والنزاع على خلفية الاتفاقية التي كانت إثيوبيا قد وقعتها مع جمهورية أرض الصومال غير المعترف بها دوليا للحصول على 20 كيلومترا في محيط ميناء بربرة على البحر الأحمر لمدة 50 عاما مقابل الاعتراف الإثيوبي بها وهو الأمر الذي أثار غضب دولة الصومال لما تضمنه من اعتداء سافر على سيادتها. ونجحت تركيا في تصفية هذا الخلاف بوساطة توجت باتفاق الصلح والتعاون التجاري الذي يتيح لإثيوبيا- الدولة الحبيسة- أن تصل بشكل آمن وقانوني لمياه البحر الأحمر عند نقطة التقائه بالمحيط الهندي. كما تضمن الاتفاق عقد جولات ولقاءات مشتركة لبحث الأمور الفنية لفترة لا تتجاوز أربعة أشهر.
الرؤية المصرية للعلاقات الصومالية الإثيوبية
لاشك أن المصالحة التي نجحت تركيا في تحقيقها بين الجارتين الكبيرتينفي القرن الإفريقي، جعلتهما على أعتاب محطة جديدة لها سمات مختلفة، جاءت بعد فترة قصيرة من توقيع الصومال لاتفاقه الاستراتيجي مع مصر وإريتريا وهو ما يتستلزم التعاطي معها ببراجماتية من الأطراف الأخرى وخاصة مصر التي تولي الأمر أهمية كبرى نظرا لوجود اعتبارات مصرية أساسية في رؤيتها للعلاقات الصومالية الإثيوبية يمكن تحديدها كالتالي:
أولا: الاعتبارات الأمنية
ترتبط هذه الاعتبارات بنظرة مصر لأمن القرن الإفريقي باعتباره جزء من أمنها القومي لأن استقرار المنطقة ينعكس بشكل كبير على أمن البحر الأحمر وقناة السويس المصرية التي يمر منها جزء كبير من التجارة العالمية. كما أن الأمن ضرورة لحفاظ مصر على علاقاتها مع دول المنطقة ومنهم إثيوبيا والصومال، وبالتالي فإن أي توتر بين الدولتين الأخيرتين يثير مخاوف لدى مصر.
ثانيا: الاعتبارات السياسية إقليمية
بطبيعة الحال تحرص مصر على الحفاظ على مكانتها كقوة إقليمية لها وزنها بالمنطقة من خلال أدوارها التي تقوم بها في الوساطة وحل النزاعات وتهدئة الصراعات ومن ثم يهمها الحفاظ على حالة الهدوء في القرن الإفريقي وتهدئة الأوضاع فيما بين العلاقات الصومالية الإثيوبية تأكيدا على هذا الدور.
ثالثا: اعتبارات المصالح الاقتصادية
لاشك أن هناك مصالح مصرية اقتصادية في كل من الصومال وإثيوبيا ترتبط بحجم التجارة وحركة الاستيراد والتصدير وكذلك الاستثمارات المصرية لديهما.
انعكاسات العلاقات الصومالية الإثيوبية على المصالح المصرية:
وبناء على ما سبق يمكن رصد مجموعة من نتائج العلاقات الصومالية الإثيوبية وانعكاساتها على مصر كالتالي:
- الأمن الإقليمي
بمعنى أن أي توتر في العلاقات الثنائية بين الصومال وإثيوبيا ينعكس سلبيا على استقرار أمن منطقة القرن الإفريقي بما يلقي بظلاله على اعتبارات المصالح المصرية العليا وذلك لأن مصر تعتبر أن أمنها القومي والاستراتيجي لا ينفصل عن أمن القرن الإفريقي بل يرتبط به ارتباطا وثيقا.
- الاستقرار السياسي
من مصلحة مصر الحفاظ على حالة الهدوء والاستقرار في المنطقة لضمان الحفاظ على مصالحها لذلك تبادر بممارسة دور سياسي مهم في التدخل والتوسط لحل القضايا الخلافية محل النزاع.
- الأوضاع الاقتصادية
لاشك أن الاقتصاد لاينفك عن الظروف السياسية والأمنية ولذلك ترتبط مصالح مصر الاقتصادية كثيرا بكفالة أمن واستقرار المنطقة ومن ثم فحدوث أي توتر أو تعكر في صفو العلاقة بين الصومال وإثيوبيا من شأنه أن يزعج مصر قلقا على مصالحها الاقتصادية بالمنطقة.
ومن ثم فإن مصر تنظر للعلاقات الصومالية الإثيوبية في إطار عوامل ثلاثة هي أمنها القومي المرتبط بأمن المنطقة ونفوذها وتأثيرها الإقليمي ومصالحها الاقتصادية.
وتنعكس ملامح مستقبل هذه العلاقة بدورها على مصالح مصر في إطار العوامل الثلاثة المشار إليها سابقا مثلما تلقي بظلالها وتحدث تداعياتها الكبيرة عل ىدول المنطقة ككل.
مستقبل العلاقات الثنائية وأثره على مصر:
باستشراف ما سوف يؤول إليه واقع وتطور العلاقات الصومالية الإثيوبية يمكن الوقوف على عدة احتمالات:
- إما التعاون والتوافق في السياسات
مع استمرار حالة الهدوء في العلاقات يتوقع زيادة التعاون في شتى المجالات الأمنية والاقتصادية والسياسية، والسعي نحو تحقيق التكامل ويأتي ذلك متناغما مع توقيع البلدين لاتفاق المصالحة الذي تم برعاية تركية بهدف تصفية الأجواء.
وفي هذه الحالة تتطور المنطقة نحو استقرار راسخ يدعم المصالح المصرية في المنطقةالحيوية من الساحل الشرقي الإفريقي ويعزز أواصر التعاون على المستوى الإقليمي ككل.
- وإما تجدد التوتر والصراعات بين الصومال وإثيوبيا وتناقض المصالح
وفي هذه الحالة يحدث تصعيد خطير للأمور يضرب الاستقرار في مقتل بما يعرض المصالح المصرية لتحديات كبيرة ويهدد أمنها القومي.
- وإما بقاء الوضع على ما هو عليه
بمعنى ألا تشهد العلاقات الصومالية الإثيوبية أي تطور جديد عما هو عليه حاليا فلا تراجع ولا تقدم وهو واقع يصحبه استقرار نسبي وجمود في الأوضاع قد يعيق مساعي مصر لتطوير دورها الإقليمي ويحد من جهودها الداعمة للاستقرار.
محفزات التغير في العلاقات الصومالية الإثيوبية ودوافع توجيهها
وهنا يثور التساؤل حول محفزات التغير في العلاقات الصومالية الإثيوبية ودوافع توجيهها صعودا وهبوطا وهو ما يعتمد على عدة عوامل:
- التوجهات السياسية الداخلية وما يطرأ عليها من تغيرات
وهو أمر يرتبط بالأنظمة السياسية واحتمالات تغيرها لأنه لاتوجد ثوابت دائمة في السياسات الداخلية للدول النامية حيث يؤثر تغيير القيادات بشكل كبير على تغير السياسات وذلك بخلاف الدول الكبرى والمتقدمة التي لا تؤثر إداراتها المتغيرة على مضمون وتوجهاتها سياساتها بشكل جذري لوجود ثوابت سياسية عندها.
- التحديات الأمنية
يمكن أن تؤدي التهديدات الأمنية لدفع الدول لوضع أياديها معا وتوطيد العلاقات لمواجهة التحديات المشتركة، وهو أمر بديهي يتوافق مع الطبيعة البشرية في التعاون حينما يكون هناك تهديد مشترك.
- موقف القوى الإقليمية والدولية
لا شك أن تلقي كل من الصومال أو إثيوبيا لأي نوع من الدعم إقليميا وعالميا يسهم في التأثير على توازنات العلاقة الثنائية بحسب قوة وطبيعة الدعم التي يتلقاها كل طرف. وبطبيعة الحال فإن الطرف المدعوم بشكل أكبر يكون له تأثير أقوى على العلاقة من حيث القدرة على توجيهها وفق أهدافه.
استراتيجية مصر لمواجهة الأوجه المحتملة لملامح العلاقة الصومالية الإثيوبية
في ضوء ذلك يجب أن تكون لمصر استراتيجية فعالة لمواجهة هذه الاحتمالات بمعطياتها المتباينة بما يحافظ على مصالحها وفق رؤيتها الخاصة.
ويتطلب ذلك جهودا على كافة المستويات والأصعدة الدبلوماسية والأمنية والاقتصادية.
- وتعتبر القنوات الدبلوماسية من الوسائل المهمة لمصر في تعزيز دورها كدولة ذات وزن وتأثير في حل الخلافات بين الدولتين وغيرهما من دول المنطقة. ولاشك أن نجاحها في دور الوساطة وتهدئة الأحوال يبرز أهميتها ويتناغم مع نظرتها لأهمية العلاقة الصومالية الإثيوبية.
- كما يعتبر التعاون الاقتصادي من المجالات الفعالة التي تسهم بقوة في دعم استراتيجية مصر تجاه القرن الإفريقي. وذلك من خلال زيادة أوجه التعاون في مشروعات تنموية عديدة ومتنوعة مشتركة تجلب الخير لكل الأطراف ويكون لها مردود إيجابي أيضا على المستوى الاجتماعي لشعوب المنطقة.
- ولايمكن تجاهل عنصر ثالث غاية في الأهمية ويتعلق بالجانب الأمني وضرورة تعزيزه حتى يمكنت هيئة البيئة الصالحة للتعاون في مختلف المجالات. ومن المهم أن تقوى الروابط الأمنية بين مصر وكل من الصومال وإثيوبيا خاصة في مجال مكافحة الجرائم المنظمة والإرهاب وكافة صور الممارسات المجرَمة، وهي مسألة تجعل مصر على مقربة دائما من الأحداث وحاضرة بوزنها وتأثيرها.
وختاما
إذا كانت تركيا نجحت بجهود وساطتها في الصلح بين الصومال وإثيوبيا والخروج من دائرة النزاع والخصومة، فإن الأمر لازال تحت التجربة خاصة وأنه لازالت هناك جولات ثنائية مشتركة لبحث الأمور الفنية المتعلقة بتنفيذ اتفاقيات التعاون، وهو ما يجعل الباب مفتوحا لأكثر من احتمال.
وفي ظل احتمالات التقلب والتغير في العلاقة الصومالية الإثيوبية، بحكم المؤثرات والمتغيرات التي تمت الإشارة إليها، فإن مصر مطالبة بمراقبة الأمر باهتمام ورصد أي انعكاس محتمل على مصالحها والتعامل معه بحكمة وموضوعية في إطار تعزيز استقرار وأمن دول القرن الإفريقي دون المساس بشؤونهم الداخلية…مع التأكيد على ضرورة توفر حسن النوايا لدى كل الأطراف.