الرئيس حسن شيخ والانتخابات المقبلة… وضوح الرؤية وضبابية المشهد

 أن تجرى الانتخابات التشريعية والرئاسية في الصومال وفق نظام الاقتراع المباشر ،  وأن يختار الشعب ممثليه  بحرية ودون وسيط عبر انتخابات حرة ونزيهة، مطلب شعبي ودستوري ونص على ذلك  الدستور الصومالي المؤقت الصادر عام 2012.  

لكن إلى اليوم لم تتمكن الحكومات التي مرت بالبلاد من تحقيق هذا الاستحقاق . تعلن في بداية ولايتها عن عزمها على تنظيم  انتخابات تعددية بيد أنها في نهاية فترة ولايتها تقر بفشلها،  وتدعو إلى الذهاب إلى انتخابات تجرى على أساس نظام المحاصصة القبلية، لأسباب وعوامل متعددة. ومن أبرز تلك الأسباب غياب الاستقرار الأمني والسياسي . وفيما يبدو لن تكون حكومة الرئيس حسن شيخ محمود مستثناة من هذه القاعدة،  وأن هناك احتمال كبير  في أن يفشل  كما فشل أسلافه في اجراء انتخابات عامة مباشرة حرة وشفافة وتحظى بالتوافق الوطني.

اجراء انتخابات توافقية في الصومال ليس أمرا هينا وذلك بسبب تباين مصالح القبائل في الصومال ، وغياب الثقة بين الأطراف الفاعلة في  المشهد السياسي الصومالي ، وأن الحكومة الحالية لا تقوم حتى الآن بما فيه الكفاية لتحقيق ذلك وإنما تمارس سياسة الإقصاء ، وعدم الإكتراث للأصوات المنتقدة ، وتبرر بإنه عادة  في الإنتخابات  التي تجرى في العالم الثالث تبدأ بطريقة هشة ولا تتوفر لديها  في الغالب المعايير المتعارف عليها في الدول المتقدمة .  كان يجب أن تتخذ الحكومة بإجراءات جريئة لبناء الثقة ،  وردم  هوة الخلافات بين  القيادات الصومالية وأصحاب المصلحة المتعددين ، ومن بين تلك الإجراءات

  1. عقد مؤتمر جامع تشارك فيه كافة الأطراف السياسية في الصومال بما فيها  رؤساء الحكومات الاقليمية، وقوى المعارضة، وقيادات منظمات المجتمع المدني ، والأحزاب السياسية،  وأصحاب الرؤى والأفكار  المستقليين للإتفاق على التعديلات الدستورية المطلوبة،  وآليات والمعايير التي تنظم الإنتخابات
  2. أن تكون اللجنة المشرفة على الانتخابات لجنة مستقلة، ومحايدة تمثل كافة  أصحاب المصلحة، وتضم أيضا شخصيات تحظى بثقة الشعب الصومالي ، ويشهد لهم بالنزاهة ونظافة اليد
  3. أن تركز الحكومة جل اهتمامها على ما يتعلق بالإنتخابات وأن تبتعد عن كل المهمات الأخرى سواء على المستوى المحلي أو الخارجي التي من شأنها أن تشكل عقبة أمام  مشروع الإنتخابات
  4. أن يكون الرئيس الحالي  محايدا ويعلن نيته لعدم الترشح للإنتخابات المقبلة بهدف طمأنة المعارضة والشعب
  5. إعطاء مزيد من الوقت لإنشاء البنى التحتية المطلوبة لإجراء انتخابات حرة ونزيهة في بلد لم يشهد الانتخابات منذ أكثر من 30 عاما بالإضافة إلى رفع مستوى وعي المواطنيين وخاصة فيما يتعلق بالحقوق والواجبات الدستورية حيال الانتخابات

لم تنجح الحكومة الحالية في تنفيذ أي من هذه المطالب في وقت لم يتبق من فترة ولايتها سوى أقل من عام ونصف ، ما أثار جدلا واسعا حول نوايا الحكومة وما هي مخططاتها لإنجاح مشروع الانتخابات المباشرة ؟، وكيف يمكن أن تجرى هذه الإنتخابات في جمبع المناطق الصومالية التي تخضع لسيطرتها  ناهيك عن المناطق الأخرى؟ وكيف يمكن لها إجراء الانتخابات في ظل غياب ثلاث مناطق رئيسية في البلاد بونت لاند، صومالاند، جوبالاند ، وهل تثق أيضا أن الولايات الأخرى ، هيرشبيلي ، وجلمدغ ، وجنوب الصومال ستلتزم بتعهداتها مع اقتراب موعد الانتخابات  أم أنه من الممكن أن يقفز رؤساء هذه الولايات من السفينة قبل الغرق، ويتصرفوا وفق مصالحهم الخاصة ؟ وعلى المستوى الأمني ، هل يمكن أن تجرى الانتخابات بصرف النظر عن نزاهتها في ظل وجود صراعات ونزاعات قبلية في العديد من الاقاليم الصومالية؟، وماذا عن حركة الشباب  التي تعيد تنظيم صفوفها بعد تلقيها ضربات قوية على أيدى الجيش الصومالي لعرقلة الانتخابات ؟ والأهم من ذلك كله هل هناك إرادة لإنجاز هذا المهمة؟!،  كل هذه الأسئلة وغيرها باتت أمام الحكومة الصومالية وتنتظر الإجابة من الرئيس حسن شيخ محمود، ورئيس الوزراء حمزة عبدي بري.

لم يبق أمام الحكومة الفيدرالية وانطلاقا من هذه الحقائق سوى أن ينظم 3 نماذج من الإنتخابات  

  • النموذج الأول: أن ينجح الرئيس حسن شيخ محمود قبل منتصف العام الحالي في لي عنق رئيس ولاية جوبالاند أحمد مذوبي ويتمكن من بسط سيطرة قوات الحكومة على جميع المناطق التي تخضع لحكم مذوبي وذلك بالتعاون مع بعثة الاتحاد الإفريقي الجديدة بما فيها القوات الإثيوبية والكينية، ثم تبدأ الحكومة بتنظم انتخابات البلديات في مناطق ولاية جوبالاند أو على الأقل جزءا منها في حال لم تتمكن من بسط سيطرتها على مدينة كسمايو معقل أحمد مذوبي، وولابة هيرشبيي ، وولاية جنوب غرب الصومال، وولاية جلمدغ وبعدها يتم إجراء الانتخابات التشريعة  والرئاسية سواء على المستوى الولائي والفيدرالي ووفق آليات لا تتوفر لديها  أدنى المعايير  الدولية للانتخابات النزيهة مثل حق الحصول على نظام فاعل لتسجيله كناخب ، ووجود جهة تنفذ الانتخابات وتتمتع على قدر من الكفاءة والمهنية ولها مقبولية ومصداقية ، وضمان حق الترشح أو الاقتراع  وحق التعبير ، والحملات الانتخابية  ، وحق الحماية الأمنية ، وحق التقاضي لجميع مراحل الانتخابات .  ومن عيوب هذا النموذج أيضا أنه يناقض الدستور  الذي نص  على ضرورة أن يشارك في الإنتخابات جميع المواطنيين الصوماليين بدون استثناء وأن يكون الرئيس ممثلا لجميع الأقاليم الصومالية؛ لأن هذه الانتخابات جرت فقط في بعض الأقاليم وبالتالي لا يمكن  أن يمثل الرئيس المنتخب جميع أطياف الشعب الصومالي. ومن الممكن أن يدخل البلاد بعد هذه الإنتخابات إلى  دوامة عنف ، ومصير مجهول ، وحالة من التفكك والإنهيار ،  والوقوع في أيدى الجماعات المتطرفة.
  •  النموذج الثاني: أن تبدأ الحكومة بانتخابات البلديات وفق نظام الاقتراع المباشر في محافظة بنادر (العاصمة مقديشو) فاذا نجحت فيها، تبدأ العمل بإجراء انتخابات البلديات ثم الانتخابات التشريعية سواء على المستوى الولائي أو الفيدرالي  في المناطق الأخرى التي تخضع لسيطرة الحكومة الفيدرالية سواء في جوبالاند مثل اقليم جذو  غرب البلاد، ومناطق جنوب غرب الصومال، وهيرشبيلي وجلمذغ ولا تجرى الانتخابات في المناطق الأخرى سواء في جوبالاند و بونت لاند وصومالاند  أو في المناطق التي تخضع لسيطرة الجماعات الإسلامية المسحلة وأن ممثلي هذه المناطق في البرلمان الصومالي بغرفته سيتم انتخابهم في العاصمة مقديشو وفق آليات تحددها الحكومة، وبعدها سينتخب البرلمان الفيدرالي الرئيس الصومالي.
  • السيناريو الثالث: أن تبقى الحكومة في تيهها وتواجه المشاكل تلو المشاكل إلى أن تنتهي فترة ولايتها ثم تحاول البحث عن التمديد فإذا لم تنجح ستكون مرغمة أن تنزل من الشجرة ، وتبحث عن توافق حول  نظام انتخابي توافقي شبيه بنظام المحاصصة القبلية وهذا يعني  العودة إلى ما بات يعرف محليا بإنتخابات “الخيمية”، حيث يتم انتخاب الرئيس في خيمة “أفيسيوني” الواقعة داخل مجمع مطار مقديشو الدولي.

جميع هذه السيناريوهات لا تصب في مصلحة البلاد بل تفاقم الوضع. وهناك مخاوف من تقود البلاد إلى سيناريو أفغانسيان بعد الانتخابات التي جرت قبل شهور من سقوط نظام أشرف غني. ولذلك ينبغي أن تحتكم الحكومة إلى العقل و، ترقي إلى مستوى تحديات المرحلة وتتحمل مسؤولياتها تجاه الوطن والمواطن، وتنقذ البلاد من سيناريوهات أفغانستان أو ليبيا عبر التراجع من التعديلات الدستورية التي صادق عليها البرلمان بطريقة غير نزيهة، وتوجيه دعوة لعقد حوار وطني شامل قبل فوات الأوان إلى جميع قيادات مكونات الشعب الصومالي في الداخل والخارج  لطي صفحة الماضي والبحث عن طريق جديد لتنظيم انتخابات شعبية مباشرة تتمتع بالنزاهة والحرية، والتوافق ، لأن الإنتخابات المباشرة مطلب شعبي وأن جميع التيارات السياسية لا تريد العودة إلى نظام المحاصصة، لكنها تطالب فقط بنظام انتخابي نزيه وشامل ومحايد يتساوى فيها الجميع الحقوق والواجبات.

عبد الرحمن عبدي

كاتب وصحفي صومالي
زر الذهاب إلى الأعلى