التعامل الصومالي مع الملف الإثيوبي .. سياسة رشيدة أم دبلوماسية متخبطة؟

وصل الرئيس الصومالي الدّكتور حسن شيخ محمود، مساء أمس السبت، إلى مدينة “أديس أبابا” عاصمة إثيوبيا، عقب دعوة رسمية تلقاها من رئيس الوزراء الإثيوبي الدّكتور آبي أحمد، الّذي استقبل الرئيس الصومالي بحفاوة بالغة داخل المطار، قبل انتقالهما إلى مكان انعقاد اجتماعهما الأول بعد الوساطة التّركية الناجحة في التقريب بين قادة البلدين الّذين تنافروا بعد مذكّرة التفاهم التي وقّعتها “أديس أبابا” مطلع العام الماضي 2024م، مع إدارة “هرجيسا” الانفصالية.

بحث المسؤولان خلال لقائهما الأخير في “أديس أبابا” القضايا الثنائية والإقليمية ذات الاهتمام المشترك، واتّفقا على استعادة وتعزيز علاقاتهما من خلال تمثيلهما الدبلوماسي في عواصم البلدين، كما أكّدا على ضرورة التعاون في معالجة القضايا الإقليمية والعمل -عن كثب- على المصالح العامة.

وفيما يتعلّق بإعلان أنقرة، الّذي اتفق فيه البلدان بوساطة تركية على نبذ خلافاتهما، أكّد المسؤولان التزامهما بتنفيذه في جو من الصداقة وحسن النية، ووافقا على تفعيل اللجان الفنية المكلفة بتطبيق هذا الاتفاق وتنفيذه.

أثارت هذه الخطوة التي أقدم عليها السيد الرئيس حسن شيخ محمود، تساؤلات في الوسط الصومالي، وخاصة التأثيرات المحتملة لهذه الخطوة على السياسة الخارجية الصومالية وتحالفاتها الإقليمية الجديدة، فضلا عن انتصاراتها الدّبلوماسية خلال العام الماضي أمام الأطماع الإثيوبية نحو البحر الأحمر وبالأخص أطماعها نحو المياه الإقليمية الصومالية.

وصف الباحث والمحلل الصومالي، السيد عبدالرّشيد حاشي، وزير سابق، هذه الزيارة بالخطأ القاتل متسائلا عن الأسباب التي قد تدفع الرئيس إلى التسرّع في زيارة إثيوبيا-الدولة المتآمرة ضدّ الصومال- وفي هذا التوقيت بالذات حيث يخطط الرّئيس التركي لزيارة كل من الصومال وإثيوبيا في غضون أيام أو أسابيع-، فضلا عما في ذلك من مبالاة لرأي الشعب الصومالي الّذي وقف إلى جانب الرئيس قبل ما لا يقل عن 10 أشهر، عندما احتجزت السلطات الإثيوبية، الرئيس الصومالي، في أديس أبابا، وحاولت منعه من حضور قمة الاتّحاد الإفريقي لعام 2024م.

عرض السيد عبدالرّشيد حاشي على الرئيس الصومالي، التصالح مع كل من بونتلاند وجوبالاند وأقطاب المعارضة السياسية بدل التقارب مع آبي أحمد، إذ تمضي الصومال نحو الأمام بهذه الطريقة -(توحيد الجبهة الدّاخلية) وتمكّنها من انتخابات ومن دستور متّفق عليه!

وعبّر السيد حاشي في مقاله المنشور على حسابه في منصة “إكس/تويتر سابقا”، عن مخاوفه من صدق نوايا آبي أحمد الّذي وصفه بضابط مخابرات يريد أن يوقعه في فخ، مستبعدا إمكانية مساهمة آبي أحمد في الإصلاح -سلما أو حربا- بينه وبين رؤساء الولايات الإقليمية المعارضين له، مضيفا بأنه حتّى إذا حاول ذلك فلا يعد هذا مكسبا له -أي للرئيس حسن شيخ محمود- وللصومال أيضا.

وألمح السيد عبدالرشيد في مقاله، إلى أن هذه الخطوة، قد تؤثّر على التحالف الثلاثي بين الصومال ومصر وإرتيريا، وذلك عندما قال: “لقد كوّن الصومال تحالفا قويا يشمل كلا من: مصر، جيبوتي، وإرتيريا، الّذين خاطروا حياتهم من أجلك ومن أجل الصومال، كما خاطروا بعلاقاتهم مع إثيوبيا، فهل تتخلّص من هؤلاء أيضا؟”.

وفي وقت سابق، ذكر السيد عبدالرّحمن عبدالشكور ورسمي، عضو مجلس الشعب بالبرلمان الفيدرالي الصومالي الحادي عشر، أن القرارات والرسائل المتناقضة الصادرة من المسؤولين العسكريين والمدنيين في الحكومة الصومالية، وطريقة تعاملها مع الملف الإثيوبي يدلان على دبلوماسية عشوائية وسياسة غير رشيدة!

لقد انتقد قطاع عريض من الشارع الصومالي، الخطوة التي أقدمت عليها الحكومة الفيدرالية الصومالية التي يتزعّمها السيد الرئيس حسن شيخ محمود، والمتمثلة في تطبيع العلاقات مع إثيوبيا بعد عام من التحريض الإعلامي والدّبلوماسي، عقب انتهاك “أديس أبابا” سيادة الصومال، ووقّعت مذكّرة تفاهم غير قانونية بشأن الوصول إلى منفذ بحري في الصومال، مع إدارة صوماليلاند الانفصالية، الأمر الّذي رفضته الحكومة الفيدرالية وألغته واعتبرته انتهاكا لسيادة البلاد، ومن ثم اتّخذت عدّة خطوات قانونية ودبلوماسية، حالت دون دخول هذا الاتّفاق حيّز التنفيذ، قبل وأثناء توسّط تركيا بين الصومال وإثيوبيا في 3 جولات من المفاوضات، تعثّرت الأوليان، في حين انبثق عن الثالثة “إعلان أنقرة” الّذي كان بمثابة اتّفاق مبدئي بموجبه توصل البلدان إلى نبذ خلافاتهما وتشكيل لجان فنية تعمل على وصول البلدين إلى اتفاق كامل يمنح إثيوبيا حق الوصول إلى منفذ بحري في الصومال، بناء على الأعراف والمواثيق والقوانين الدّولية والإقليمية.

هذا، ويتساءل الكثير من المتابعين عن مدى نجاح الحكومة الفيدرالية الصومالية في التوفيق بين مكاسبها الدّبلوماسة وما تمخض عنها من تحالفات إقليمية، وبين تقاربها المفاجئ مع إثيوبيا، والّذي قد يصطدم مع بعض أهداف التحالف الثلاثي أو على الأقل قد يصطدم مع بعض أهداف دول الأعضاء فيه والمتمثلة -أي الأهداف- بعدم تمكين إثيوبيا إيجاد موطئ قدم عسكري لها في البحر الأحمر.

زر الذهاب إلى الأعلى