الاستراتيجية المصرية في الصومال والقرن الإفريقي…. الأهداف والتحديات

القاهرة: صفاء عزب

المقدمة

يعد الصومال بموقعه الحيوي الاستراتيجي ومكانته بمنطقة القرن الإفريقي ذا أهمية كبيرة بالنسبة لمصر وهو يمثل امتدادا للأمن القومي المصري جنوبا، لذلك فإن مصر تولىه أهمية كبيرة وتحرص على توطيد العلاقات ودعم أوجه التعاون كافة مع هذه الدولة المشاطئة للبحر الاحمر والمحيط الهندي بكل ما يمثله هذا الممران البحريان من أهمية استراتيجية أيضا ومعهما بحر العرب وخليج عدن ومضيق باب المندب ذو الأهمية العظمى بالنسبة لقناة السويس المصرية التي يمر منها ما يقرب من 12% من التجارة العالمية. لذلك يحتل الصومال مكانة كبيرة وعالية في الاستراتيجية المصرية تجاه منطقة االقرن الإفريقي لأهميتها متعددة الأبعاد استراتيجيا واقتصاديا وأمنيا. فهناك العديد من الملفات الحيوية التي تشملها تلك الاستراتيجية وتأخذها بعين الاعتبار منها أمن البحر الأحمر وملف سد النهضة الإثيوبي والصراعات العرقية والطائفية وظاهرة تنامي الأنشطة الإرهابية والتنافس بين دول عديدة لضمان التواجد وخلق النفوذ الذي يكفل لها تعظيم مكاسبها السياسية والاستراتيجية والاقتصادية.

في ضوء ذلك ترتبط الاستراتيجية المصرية بمحددات متعددة تتشابك فيها المصالح الأمنية والاقتصادية والسياسية وتتفاعل مع المعطيات والمتغيرات الإقليمية والدولية  الديناميكية والتي يمكن تحديدها في هذه النقاط:

  •  الأمن القومي المصري

    يرتبط الأمن القومي المصري في منطقة القرن الإفريقي  بقضايا حيوية خاصة بتأمين حصته من مياه نهر النيل باعتبارها حقا تاريخيا، وكذلك أمن الملاحة البحرية حيث توجد قناة السويس التي تعد شريان الاقتصاد المصري ومن ثم تأتي أهمية تأمين الملاحة في البحر الأحمر وخليج عدن من أية تهديدات وهو ما يرتبط بعنصر ثالث يؤثر على الأمن القومي المصري بالمنطقة وهو  مواجهة الإرهاب  مما يستلزم تعاونا أمنيا بين مصر ودول القرن الإفريقي وعلى رأسهم الصومال.

    •  المصالح الاقتصادية

    تحرص مصر على تنمية اقتصادها ودعمه بفتح استثمارات وأسواق وتوقيع اتفاقيات للتعاون مع دول القرن الإفريقي بهدف تعظيم المكاسب الاقتصادية المصرية وهو ما يشمل زيادة الاستثمار مع دول المنطقة وخاصة في مجال التجارة وتطوير البنية التحتية وتسهيل حركة التجارة البينية. كما تتضمن مصالح مصر الاقتصادية عنصرا مهما جدا ألا وهو  أمن الطاقة وذلك بحكم كون مصر مستوردة للطاقة فهي تسعى لتأمينها وتوفيرها من مصادر متنوعة من خلال تعاونها مع دول القرن الإفريقي والتي تأتي دولة الصومال في مقدمتهم لما تمتلكه من مخزون كبير في مجال الطاقة البكر التي لازالت قيد الاستكشاف والتنقيب.

    •  التواجد الإقليمي ومواجهة المنافسة الدولية

    لاشك أن مصر لها ثقل إقليمي ودولي محسوس ومهم تسعى دائما للتأكيد عليه من خلال التواجد والحضور القوي بالفاعليات الإفريقية والعالمية المختلفة خاصة ما يتعلق بالتواجد في محافل حل النزاعات وترسيخ السلام وجهودها في التنسيق مع الشركاء الدوليين مثل الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوروبا سيما في مكافحة الإرهاب وتعزيز الأمن.

    ويرتبط هذا الدور أيضا بمحدد آخر يتعلق بمواجهة أطماع المنافسين الإقليميين والراغبين في توسيع نفوذهم في منطقة القرن الإفريقي مثل دولة إثيوبيا حيث تحرص مصر على ضمان التوازن في مواجهة هذا الأمر وتطويق محاولاتها المستمرة في استفزاز الجيران وابتزازهم بشكل يهدد سيادتهم وأمنهم ويعرض المصالح المصرية للخطر. ولذلك تعمل مصر على تحقيق توازنها أمام مثل هذه المحاولات بتوطيد العلاقات بدول الجوار كما فعلت مع الصومال واريتريا من حرص على دعم أواصر التعاون معهم لبناء شراكة استراتيجية تساهم في تحقيق أمن واستقرار المنطقة مع تأكيدها المستمر على دعم وحدة أراضي دولها ومنها الصومال ورفض أية محاولات لتقسيمها أو المساس بسيادتها.

    أبعاد الاستراتيجية المصرية بالقرن الإفريقي والصومال

    بناء على ما سبق يمكن التوصل إلى وجود أبعاد متعددة تشملها الاستراتيجية المصرية بالصومال والقرن الإفريقي وترتكز عليها في سياستها وتمثل أركانها الركينة في تعاطيها مع قضايا المنطقة وهي كالتالي:

    أولا:  البعد الاستراتيجي:

    ويرتبط بقضايا أمنية تتضمن أمن المياه والأمن الإقليمي. وتعد قضية المياه بمثابة حياة أو موت بالنسبة للمصريين لذلك تأتي في مقدمة أهم أبعاد الاستراتيجية المصرية وهي ترتبط بكل ما له صلة بالمياه وتطوراتها على الساحة الإقليمية ومنها ملف سد النهضة الإثيوبي الشائك الذي ينعكس على حصة مصر من نهر النيل ومن ثم تأتي التحركات المصرية بالتعاون مع دول الاقليم للحفاظ على حقوقها المائية وضمان استمرار وجود الموارد المائية مدفوعة بقلقها الذي يثيره هذه الملف.

    أما فيما يتعلق بالأمن الإقليمي فهو الدافع لاتباع مصر سياسة تعزز الاستقرار في القرن الإفريقي تأسيسا على أن أمن المنطقة لايتجزأ عن أمن مصر القومي لأن أية صراعات أومشكلات أمنية في هذا المكان الحيوي من شأنها أن تهدد المصالح المصرية في البحر الأحمر وقناة السويس. ويرتبط ذلك بنقطة أخرى شديدة الأهمية تتعلق بمواجهة النشاط الإرهابي والعمل على القضاء عليه لما يشكله من تهديد خطير للمصالح المصرية.

    ثانيا البعد السياسي:

    يرتبط البعد السياسي للاستراتيجية المصرية بسياستها الخارجية تجاه المنطقة من حيث التأثير الإقليمي لتحقيق التوازن وتقويض محاولات نفوذ دول أخرى بالمنطقة إلى جانب تعزيز العلاقات مع دول الجوار كالصومال واريتريا وبناء شراكات استراتيجية معهم والدفاع عن وحدة التراب للبلد الواحد.

    ثالثا: البعد الديني والثقافي

    في إطار هذا البعد تسعى مصر إلى دعم التعاون مع المنطقة بتبادل الزيارات الثقافية والندوات واللقاءات ونشر الثقافة المصرية التي تعد قوة ناعمة مهمة إلى جانب الدور الديني لها في الدول الإسلامية وسعيها إلى نشر قيم الاعتدال والتسامح.

    رابعا: البعد الاقتصادي

    لاينفصل الاقتصاد عن السياسة وكلاهما وجهان لنفس العملة كما أن الاقتصاد هو عصب الحياة وقوة الدولة التي تمكنها من تنفيذ استراتيجيتها وهو ما يمثل أحد الأبعاد المهمة للاستراتيجية المصرية في منطقة القرن الإفريقي ويتم ذلك من خلال الاستثمار والتجارة مع دول المنطقة وتطوير البنية التحتية وتسهيل حركة التجارة فيما بينهم مع العمل على الاستفادة من هذه العلاقة في كفالة أمن الطاقة وتنويعها مع الصومال وجيرانها.

    أبرز التحديات أمام الاستراتيجية المصرية بالقرن الإفريقي

    بطبيعة الحال فإن هناك مجموعة من التحديات التي يمكن أن تقف عقبة في طريق تحقيق مصر لاستراتيجيتها بالصومال والقرن الإفريقي. وتتمثل هذه التحديات في نوعين داخلية خاصة بمصر وترتب ط بعمليات التحول الديمقراطي والأزمات الاقتصادية وعملية التنمية وأعباءها الثقيلة.

    كما توجد أنواع أخرى من التحديات الخارجية التي ترتبط بطبيعة ظروف منطقة القرن الإفريقي منها تعقد المشهد الإقليمي بسبب حالة الصراع المحموم والتنافس بين عدة على المصالح والنفوذ. كذلك توجد مشكلات خاصة بدولة الصومال ترتبط بمشكلاته الداخلية والصراعات العرقية المتشابكة مع أطراف خارجية من الجيران وكذلك الخلافات المستمرة والمتجددة بين الحكومة الفيدرالية وحكومات الأقاليم وهي تحديات تفرض ضغوطا على مصر وتتطلب منها جهودا كبيرة لإرساء الاستقرار والحيلولة دون تصعيد الموقف للحفاظ على مصالحها بالمنطقة. يضاف إلى ذلك تحديا إقليميا كبيرا يشكل صداعا مزمنا للإدارة المصرية ويرتبط بملف سد النهضة الإثيوبي.

    أدوات السياسة المصرية لمواجهة التحديات وتحقيق الاستراتيجية

    لاشك أن مصر أمام هذه التحديات ينبغي أن تسخر أدواتها لمواجهتها لتيسير تحقيقها لاستراتيجيتها بالمنطقة. وتأتي الدبلوماسية المصرية إحدى أهم الوسائل كقوة ناعمة لمصر تستعين بها لبناء  علاقات قوية مع أطراف دولية وإقليمية للحصول على الدعم لسياستها. كما يعتبر التعاون الاقتصادي وسيلة مهمة ايضا لتحقيق ذات الهدف سواء من خلال الاستثمار الاقتصادي المشترك أو من خلال تبادل الخبرات والتكنولوجيا. كما يأتي التعاون الامني سواء على الصعيد الاستخباراتي أو العسكري من خلال التدريب والإمداد بأجهزة ضمن هذه الأدوات. وبطبيعة الحال فإن الظروف الإنسانية تصبح مجالا مهما لإبراز مواقف الدول في الدعم الإنساني من خلال تقديم المساعدات للشعوب في فترات الأزمات والكوارث كما هو الحال في الصومال لتخفيف آلامهم ومعاناتهم وتحسين أوضاعهم المعيشية وهي مسألة تؤدي إلى التقارب بين الدول ونشر روح التعاون المشترك في مواجهة أجواء الخصومة والمنافسة.

    ماذا عن المستقبل؟

    إلى ذلك تظل هناك مؤثرات تحدث بفعل الأزمات والأحداث الطارئة وتؤدي إلى تغيرات في البيئة الدولية والإقليمية ومن ثم قد تنعكس سلبا وإيجابا على الاستراتيجية المصرية بجانب استمرار وجود المشكلات المعلقة خاصة تلك المرتبطة بالصراعات والانقسامات العرقية التي تعاني منها منطقة القرن الإفريقي بشكل مزمن. ويظل التعاون الإقليمي هو مفتاح الحل لكل دول المنطقة وتوجيه علاقاتها بشكل إيجابي.

    ومع ذلك تظل هناك علامة استفهام حول مستقبل وطبيعة الاستراتيجية المصرية بمنطقة القرن الإفريقي خلال سنوات مقبلة في ظل وجود تحديات وتغيرات أخرى يمكن اعتبارها خارجة عن السيطرة مثل مشكلة التغيرات المناخية وانعكاساتها على ندرة المياه والصراع على مياه الشرب والزراعة خاصة على موارد المياه المشتركة بين أكثر من دولة كنهر النيل. كما توجد مشكلة التزايد السكاني وما يمثله من ضغوط كبيرة على الموارد الطبيعية وأزمات الغذاء وحدوث المجاعات وما يرتبط بها من أزمات اقتصادية وسياسية وصولا لاشتعال حروب. ولاشك أنها تحديات ليست صعبة على الاستراتيجية المصرية فقط بل هي تمثل تحديا خطيرا للبشرية كلها.

    من أجل ذلك فإن توطيد أواصر التعاون بين اللشعوب هو الوسيلة الفعالة للاتحاد في مواجهة مثل تلك التحديات الكونية المشتركة.

    صفاء عزب

    كاتبة وصجفية مصرية
    زر الذهاب إلى الأعلى