أعلنت اللجنة المشرفة على الانتخابات الرئاسية في اقليم أرض الصومال المطل على خليج عدن، أمس الثلاثاء 19 نوفمبر عام 2024 عن انتخاب رئيس حزب الوطن عبد الرحمن محمد عبد الله المعروف بـ عبد الرحمن عرو رئيسا للإقليم بعد مسيرة سياسية حافلة استمرت أكثر من 20 عاما، حيث حصل على حوالي 64% من الأصوات بينما حصل منافسه الرئيسي الرئيس الحالي موسى بيحي أحمد على نحو 35%، وبذلك يصبح عبد الرحمن عرو (69 عاما) الرئيس السادس لمنطقة أرض الصومال الإستراتيجية والمعلنة انفصالها من جانب واحد عن الصومال إثر الإطاحة بنظام محمد سياد بري عام 1991 وأول رئيس منتخب يأتي من خارح رحم الدولة العميقة في منطقة أرض الصومال جراء انتخابات وصفها المراقبون بالحرة والنزيهة.
يمثل هذا الفوز نقطة تحول كبيرة في مسيرة منطقة أرض الصومال التي تسعى منذ أكثر من 30 عاما إلى الحصول على اعتراف دولي ، وخطوة لا فتة لا شك ستلقي بظلالها على الأوضاع السياسية والأمنية ليس في الصومال فحسب وإنما أيضا على منطقة القرن الإفريقي، ويتوقع أن يشكل انتخاب عبد الرحمن عرو رئيسا لأرض الصومال فرصة لإعادة النظر في قضايا عالقة تهم سكان الاقليم والصومال ، والمنطقة والتي فشلت حكومة الرئيس السابق موسي بيحي في معالجتها، وايجاد حلول لها ، ومن أبرز تلك القضايا قضية منطقة خاتمو، والمفاوضات مع الحكومة الصومالية في مقديشو ، والنزاع الصومالي الإثيوبي على خلفية مذكرة التفاهم التي وقعتها إثيوبيا مع صومالاند للحصول على منفذ بحري عبر المياه الصومالية، وملف تنظيم الشباب.
على الرغم من وجود أصوات كثيرة تعلق آمالا عريضة على الرئيس المنتخب عبد الرحمن عرو، في معالجة هذه القضايا الشائكة ذات الأبعاد والمسارات المتعددة بسبب حنكته السياسية والتأييد الشعبي والقبلي له. لكن في تقديري الفرصة سانحة أمام الرئيس المنتخب ، الا أنه لن يستطيع اتخاذ قرارات حاسمة ومصيرية تؤدي إلى تغيير شامل لا في أرض الصومال ، ولا فيما يتعلق بالعلاقة مع حكومة الصومال الفيدرالية ، ولن يحيد الرئيس عرو كثيرا عن نهج سلفه موسي بيحي وسياساته ومقارباته لمعالجة المسائل المعقدة داخليا وخارجيا، وذلك لأسباب عديدة من بينها الظروف السياسية والأمنية التي تفرضها علاقة الاقليم الجيوسياسية مع قوى اقليمية ذات نفوذ وتأثير في منطقة القرن الإفريقي.
أولا: الملف الداخلي
الوضع في أرض الصومال في الوقت الحالي ليس على ما يرام، ويشهد تراجعا كبيرا مقارنة بالسنوات الماضية، وهناك العديد من الملفات الداخلية التي تتطلب معالجها على وجه السرعة ، وخصوصا فيما يتعلق بالوضع الأمني والاقتصادي والصراعات بين العشائر . وأن الرئيس الجديد فيما يبدو ليس لديه حل سحري وخياراته محدودة لحسم تلك القضايا الملحة، وأنه يتولى السلطة وخزينتها فارغة ومثقلة بالديون وأن أقل ما يمكن فعله هو محاربة الفساد، والإرتقاء إلى مستوى هموم المواطن العادي والتفاعل معه ، لكن من الناحية الثانية هناك مخاوف من أن يشهد حزب الرئيس وتحالفه المكون من جهات لم توحدها سوى إسقاط موسي بيحي، تصدعات وخلافات تعيق عمل حكومة الرئيس المنتخب وتشغله عن توفير الخدمات المطلوبة لشعب أرض الصومال.
الجدير بالإشارة أن هناك أمل كبير في أن ينجح الرئيس المنتخب في طمأنة العشائر القاطنة في منطقة أودل بالحدود مع جيبوتي ويتعامل معها بطريقة مختلفة والتأكيد لها بأنها مكون أصيل من مكونات المجتمع الذي تهيمنه عشائر إسحاق.
ثانيا: ملف اقليم خاتمو
لا يمكن للرئيس المنتخب عرو في أي حال من الأحوال أن يقدم نتازلات كبيرة بشأن ملف خاتمو (منطقتي سناغ ولاسعانو) المرتبطتين بصورة أو بأخرى بقضية الانفصال والنفط والغاز، بل ينتابني القلق من تشهد القضية تصعيدا خطيرا جراء محاولة الرئيس الجديد في حسمها بقوة السلاح .
ربما يقبل اجراء مفاوضات غير مباشرة وتقديم بعض التنازلات من أجل استعادة الأسرى لأن هناك أعداد كبيرة من جنود أرض الصومال أسرى لدى إدارة خاتمو المعترفة من قبل الحكومة الفيدرالية في مقديشو بيد أنه لن يقدر على حل المشكلة بالطرق السلمية خوفا من أن يتهم بالضعف والخيانة. وبالتالي أتوقع بأن ملف خاتمو سيراوح مكانه خلال فترة حكم عرو التي ستمتد إلى 5 سنوات ما لم تحدث مفاجآت من العيار الثقيل وخصوصا فيما يتعلق بالعلاقة بين خاتمو وولاية بونت لاند.
ثالثا: المفاوضات مع مقديشو
قد تستأنف المفاوضات بين أقليم أرض الصومال والحكومة الصومالية خلال السنوات الأولى من حكم الرئيس عرو، لكن ليس أمرا هينا أن تحدث اختراقات ملموسة ؛ لأن المفاوضات التي بدأت عام 2012 في لندن وصلت إلى طريق مسدود، وتحتاج إعاة احيائها إلى وسيط جديد مختلف عن الوسطاء السابقين وأنماط ومقاربات جديدة، وأن الحكومة الفيدرالية في مقديشو لحد الآن ليست في موضع يشجع اقليم أرض الصومال ويدفعها نحو قبول الوحدة الجاذبة، ولا يتوقع أيضا أن تهدأ التوتر الحاصل في الوقت الحالي بين الطرفين جراء مذكرة التفاهم التي وقعها رئيس أرض الصومال السابق موسى بيحي مع رئيس الوزراء أبي أحمد والتي بموجبها تحصل إثيوبيا على شريط بحري عبر المياه الصومالية.
رابعا: العلاقة الخارجية
تحظى علاقة اقليم أرض الصومال مع إثيوبيا أهمية خاصة لدى صناع القرار في الإقليم وتوافق كبير بين الأحزاب والسياسين على محافظتها، ويعتبرونها استراتيجية، ولا يمكن لأي رئيس في هذا الاقليم أن يتخذ أي خطوة تغضب إثيوبيا وبالتالي يتوقع أن يستمر الرئيس الجديد في نهح وسياسات سلفه فيما يعلق بالعلاقة مع إثيوبيا . لكن المتوقع أيضا أن يقوم الرئيس الجديد بتحسن العلاقات مع جيبوتي التي ساءت في الآونة الأخيرة. أما بقية العلاقة مع القوى الاقليمية المهتمة بالمنطقة ستبقى على حالها في ظل حكم الرئيس المنتخب.
أما ملف مذكرة التفاهم مع إثيوبيا التي أغضبت الحكومة الفيدرالية في مقديشو وتعتبرتها اعتداء سافر على سيادة واستقلال الصومال، من الصعب أن يجرؤ الرئيس عبد الرحمن عرو على إلغاء هذه المذكرة لكن ربما يقترح تغيير بعض بنودها ؛ لأنه يعتبر مثل هذه الخطوة وحتى وإن لم يقلها علنا جزءا مهما من مساعي أرض الصومال للحصول على الإعتراف والإندماج في المجتمع الدولي.
خامسا: ملف تنظيم الشباب
يواجه الرئيس المنتخب ملف تنظيم الشباب بطريقة مختلفة عن سلفه موسي بيحي ويتوقع أن يتعامل معه بحسم وحزم ويمنع محاولات التنظيم من أجل الحصول على موطئ قدم في تلك المناطق أو يستمر في استخدامها كممر لإمداداته إلى جنوب الصومال.