الصراع السياسي في الصومال … الواقع والتوقعات

يصعب التكهن لمآلات ومسارات المشهد السياسي في مقديشو، لكن اللعبة السياسية الجارية تعكس تموضعات سياسية  قادمة، ومعركة قد تكون صعبة بين الحكومة المركزية من جهة ورؤساء الولايات الإقليمية والقوى السياسية المعارضة من جهة أخرى بحلول العام المقبل على أبعد تقدير؛ لأن هناك ملفات وقضايا ساخنة يعتبرها كل طرف بأنها مصيرية  لمستقبله السياسي ، ومن أبرز تلك القضايا، ملف الانتخابات، والحرب على الإرهاب، والأزمة مع إثيوبيا.

بيد أن ملف الانتخابات يعتبر  من أهم الملفات السياسية في الصومال وأكثرها تعقيدا وأنه  الوحيد المساهم بشكل كبير في تعافي الصومال من الحروب والانهيار، والمضي قدما في إعادة بناء الدولة ، والوحيد المتفق سواء على المستوى الشعبي أو الرسمي على ضرورة اجرائه في كل 4 أعوام مرة من أجل المحافظة على  وحدة البلاد وتماسك  الشعب.

أعلن الرئيس حسن شيخ محمود  أن الانتخابات التي تجرى على أساس نظام المحاصصة القبلية قد عفا عليها الزمن ، وأن انتخابات عام 2026  ستجرى وفق نظام انتخابي يسمح الشعب بإختيار قياداته السياسية وممثليه في البرلمان باقتراع مباشر، وقدم إلى البرلمان الفيدرالي مشاريع قوانين مثيرة للجدل  تتضمن مشروع تعديل الدستور،  وتحويل النظام السياسي إلى النظام الرئاسي،  وقانون لجنة الإنتخابات الفيدرالية التي تتولى مسؤولية الانتخابات  في جميع الاقاليم الصومالية.

 تتلقى هذه الخطوة معارضة شديدة من قبل بعض  الحكومات الإقليمية  وعلى رأسها ولاية بونت لاند التي أعلنت عن قطع علاقاتها  وتعاونها مع الحكومة المركزية في 31 مارس الماضي ، وكذلك ولاية جوبالاند التي انسحب رئيسها من اجتماع المجلس الإستشاري الوطني الأخير في مقديشو.

 كما أعلنت العديد من القوى السياسية  بينها رؤساء البلاد السابقين ، محمد عبد الله فرماجو، وشريف شيخ أحمد معارضتها الصريحة لتلك الخطوة، متهمة الحكومة والرئيس حسن شيخ محمود بعرقلة المسار الديمقراطي في الصومال المتفق  عليه،  واختيار مسار جديد آخر لا يخطى بتوافق جميع الشركاء السياسيين وأثاروا تساؤلات كثيرة حول أمكانية اجراء انتخابات شعبية حرة ونزيهة في الصومال مع ضيق الوقت ووجود خلافات عميقة حول نظام العملية الإنتخابية ، وعدم تنفيذ الخطوات الأخرى الضرورية للإنتخابات المباشرة ، وأبرزها انتخاب أعضاء المجالس البلديات وأعضاء البرلمانات الاقليمية وفي ظل سيطرة مقاتلي حركة الشباب على أجراء كبيرة من البلاد.

 بالرغم من الخلافات السياسية الحادة حول النظام الإنتخابي ، يمضي  الرئيس قدما في ضغطه من أجل وضع جميع الترتيبات القانونية المتعلقة بإجراء انتخابات شعبية مباشرة  قبل نهاية العام الجاري دون أن يلتفت إلى الأصوات المطالبة إلى وقف هذه الإجراءات والبحث عن صيغ أخرى لإجراء الانتخابات.

نجح هذا الضغط حتى الآن في تلين مواقف بعض رؤساء الولايات الاقليمية (جنوب غرب الصومال، ، هيرشبيلي، جلمدغ) وإقناعهم بإرجاء الإنتخابات الاقليمية مقابل تمديد فترة ولايتهم عاما آخر ، ويدفع الرئيس حسن أيضا  كينيا وخاصة القيادات الصومالية في الحكومة الكينية إلى ممارسة ضغوط مكثفة على رئيس ولاية جوبالاند  أحمد مدوبي للتراجع عن موقفه   الرافض لقرارات المجلس الإستشاري الوطني الأخير في مقديشو ومحاولاته لإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية للولاية .

 يسعى الرئيس حسن شيخ محمود إلى توفير الأجواء المناسبة لوضع صناديق الاقتراع في بعض المدن الصومالية الكبرى خلال عام 2025  ، واجراء إنتخابات بغض النظر عن مدى نزاهتها أو شفافيتها كما حدث في منطقة أرض الصومال في بدايات مسيرة الإنتخابات العامة في تلك المنطقة، ووضع منافسيه ومعارضيه أمام الأمر الواقع. ويعتقد الرئيس حسن شيخ محمود أن الأمور عادة تبدأ ناقصة ومتعثرة، وأنه بمرور الزمن يتم تصحيح الأخطاء والوصول إلى المستوى المطلوب، وقد جرب هذه الخطة في عملية إنشاء الولايات الإقليمية عام 2016.

وبعد أن يتمكن الرئيس حسن شيخ محمود  من اقناع بعض رؤساء الولايات الإقليمية بإرجاء الإنتخابات الولائية بحلول عام 2026 فإنه سينتقل إلى الخطة التالية  هي بدء عملية عسكرية شاملة على مقاتلي حركة الشباب في  جنوب الصومال بدءا من أقليم شبيلي السفلى إلى مدينة كسمايو حنوبا ، ومن مقديشو باتجاه مدينة بيدوا غربا  وأن ملامح هذه الخطة قد بدأت تتكشف بعد اجراء تغييرات  مهمة في قيادات الجيش ووصول أسلحة ومعدات عسكرية كبيرة  إلى الصومال.

 وفي حال نجح الرئيس  في تليين موقف رئيس جوبالاند أحمد مذوبي، وتنفيذ العملية العسكرية فإن اجراء الانتخابات التي يريدها ستتحقق بسهولة.

  لكن العملية العسكرية لن تكون سهلة وسلسة بسبب التعقيدات السياسية والمجتمعية  في المناطق التي يعمل فيها الجيش الصومالي بالإضافة إلى غياب الدعم الحقيقي لرؤساء الولايات الاقليمية.

وفي موازاة ذلك، تبدأ قوى المعارضة حملة سياسية واسعة على استراتيجية الحكومة الفيدرالية، وممن الممكن أيضا أن يتم عسكرة هذه الحملة وتشهد مقديشو وعواصم أخرى أحداثا تخلط الأوراق السياسية لدى الرئيس حسن شيخ محمود الذي بعث رسائل تهديد مبطنة قبل أيام  إلى المعارضة.   

وكذلك سيشهد  البرلمان الفيدرالي أيضا حراكا عنيفا  يقودها نواب البرلمان المنتخين من الولايات الاقليمية المعارضة لمشروع الرئيس حسن شيخ محمود.، وقد تبدا ملامح هذا الحراك في حال منعت الحكومة النواب المؤيدين لرئيس جوبالاند من مغادرة مقديشو تلبية لدعوة وجههم مذوبي للمجيئ إلى كسمايو للتشاور.

خلال الشهور القليلة المقبلة، سيظهر دورا  إثيوبيا بارزا في الجبهة الداخلية الصومالية وستساهم في تعقيد الوضع المعقد أصلا وخصوصا بعد عرض أسلحة ومعدات من مصر في مقديشو

أما دور  المجتمع الدولي بشأن الصومال يتوقع أن يكون ضعيفا ومتفرجا فيما يحدث في البلاد حتى اقتراب موعد إنتهاء فترة ولاية الرئيس حسن شيخ وبعدها يبدأ الضغط على جميع الأطراف على التفاهم والاتفاق على  أيجاد حل وسط  ينقذ العملية السياسية في الصومال.

زر الذهاب إلى الأعلى