علاقة مشبوهة لا تخلو من خفايا سرية تستهدف دولا عربية
القاهرة: صفاء عزب
في الوقت الذي كانت تتعرض الأراضي العربية لأحداث ساخنة وجرائم وحشية تحت نير الاحتلال الإسرائيلي عام 2019، قام أبي أحمد بزيارة إسرائيل عقب انتخابه رئيسا لوزراء بلاده قدم خلالها فروض الولاء والطاعة للكيان الصهيوني وأعلن تضامنه معه بارتدائه الطاقية اليهودية في مشهد يشي بقوة العلاقة بين إثيوبيا وإسرائيل ومدى ارتباط مصالحهما المشتركة معا والتي تتمثل بشكل أساسي في تطويق المنطقة العربية والسيطرة على مقدراتها والمفاصل الجغرافية المرتبطة بها. وهي علاقة منفعة متبادلة يرى كل منما في الآخر داعما لتحقيق مخططاته حيث تعتبر إسرائيل أن إثيوبيا بوابة ونقطة ارتكاز مهمة للتوغل في المناطق الحيوية بالقارة لتحقيق أجندتها المتعلقة بالعودة لإفريقيا وتعميق تواجدها في منطقة القرن الإفريقي بحسب ما تؤكده إسرائيل في تصريحاتها باستمرار. بينما ترى فيها إثيوبيا شريكا أمنيا ومصدرا للإستثمار، ولذلك كشف أحمد عن رغبته في :”بث الروح فى علاقتنا الثنائية وفق المصالح المشتركة وتوجيهها نحو الشراكة الاستراتيجية” وفقا لما ورد في كلماته لصديقه “الحميم” نتنياهو. وبينما تتعرض شعوب عربية للقتل والإبادة على يد جنود الاحتلال الإسرائيلي، لم يتورع رئيس الوزراء الإثيوبي عن التعبير بالفخر كونه أول مسؤول في بلاده يزور الكيان الصهيوني والتحدث باللغة العبرية قائلا :”نحن أخوة” واصفا إسرائيل بأنها “دولة لها تاريخ طويل وهام”!
تعاون سري ودعم إسرائيلي عسكري ضد الصومال
يعود تاريخ العلاقة المعلنة بين البلدين إلى عام 1956 حينما اعترفت أديس أبابا بالدولة العبرية قبل أن تفتتح تل أبيب سفارتها فيها مطلع الستينيات وكان عملها لا يخلو من مهام تجسسية على الدول العربية وهو ما مهد لتمركز بعثة عسكرية إسرائيلية دائما قبيل 1973 للتدريس والتدريب العسكري للجيش والشرطة الإثيوبيين. ولا ننسى تلك الزيارة التاريخية لرئيس الأركان الإسرائيلي وقتها الجنرال حاييم بارليف، صاحب فكرة خط بارليف الذي حطمه المصريون في حرب السادس من أكتوبر، لدعم الجيش الإثيوبي وحكومة الملك هيلاسلاسي في صراعه مع الصومال على إقليم أوجادين الصومالي.
وعلى الرغم من قرار الدول الإفريقية قطع العلاقات مع إسرائيل خلال حرب أكتوبر فإن إثيوبيا خرجت عن هذا الاصطفاف المناصر للحق واستمرت في علاقتها بالكيان الصهيوني بشكل سري وهو ما كشفه الديبلوماسي الإسرائيلي آريه عوديد في كتابه “إسرائيل وإفريقيا”. وخلال تلك العلاقة السرية تركز التعاون العسكري على الجانب التسليحي خاصة لسلاح الجو الإثيوبي وإمداده بذخائر خاصة بمقاتلات “إف-5” الأمر الذي انعكس سلبيا على دولة الصومال في صراعها مع الجانب الإثيوبي على إقليم أوجادين.
وخلال فترة الثمانينات زار وفد عسكري إسرائيلي من 300 عنصر لتدريب وحدات من الجيش الإثيوبي بجانب تدريب دفعة من الطيارين الإثيوبيين في تل أبيب على الاشتباك الجوي.
كما شهدت تلك الفترة عملية ترحيل ليهود الفلاشا الإثيوبيين إلى فلسطين بواقع 14 ألف إثيوبي في أقل من يومين وهو ما ترتب عليه تواجد إثيوبي كبير في المجتمع الإسرائيلي بنسبة 1.7% وفقا لمركز الإحصاء الإسرائيلي، ولا شك أن في ذلك دعم لأواصر العلاقة مع المجتمع الإثيوبي بحكم وجود مهاجرين أقارب في الكيان العبري.
تواكب ذلك مع حصول أديس أبابا على مساعدات عسكرية بلغت 20 مليون دولار وقتها منها أسلحة سرقتها إسرائيل من لبنان خلال غزوها له كما عادت وأرسلت شحنات أسلحة لإثيوبيا عام 1987 بلغت 80 مليون دولار وهي أرقام ضخمة آنذاك. وأعقب ذلك محطات عديدة من الدعم العسكري الإسرائيلي الخطير لإثيوبيا سيما في المجال التقني لسلاح الجو وصيانة المقاتلات الاعتراضية خاصة “ميج- 21”.
وتم تتويج تلك المرحلة الخطيرة من التعاون العسكري الإثيوبي الإسرائيلي باتفاقيتي 1998 و1999 الذي يمنح الدولة الإفريقية ميزة نسبية في مواجهة جيرانها بالمنطقة ومن ثم تعريضهم للتهديد لعدم التوازن في القوى نتيجة لحصولها على دعم إسرائيلي كبير ومؤثر.
منفذ لاختراق القرن الإفريقي
لم تكن واقعة يهود الفلاشا هي المحطة الوحيدة التي تربط بين إثيوبيا وإسرائيل، فقد كشفت الوقائع الحديثة عن وجود علاقة وطيدة بين الدولتين تمثلت في أنماط مختلفة من التعاون في مجالات حيوية وحساسة تشمل المجالات الاقتصادية والعسكرية بل والمخابراتية أيضا حيث تعد إثيوبيا – التي تحتضن مقر الاتحاد الإفريقي- منفذا رئيسيا للإختراق الإسرائيلي للقرن الإفريقي بل للقارة الإفريقية كلها.
وهو ما أكدته تفاصيل كواليس العمل المشترك والذي شهد تطورا في عام 2004 حينما أرسلت إسرائيل وفدا اقتصاديا من 22 شخصية اقتصادية كبرى لتطوير الصناعة والزراعة في إثيوبيا. وفي عام 2014 تقدمت أكثر من 200 شركة إسرائيلية للحصول على تراخيص تجارية للعمل في مجالات مختلفة في إثيوبيا. وبعدها بعامين زار رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو العاصمة الإثيوبية تحت مظلة سياسة “العودة إلى إفريقيا” ووقع مع رئيس الوزراء السابق ديسالين عدة اتفاقيات تتعلق بدعم التعاون والاستثمار في مجالات التكنولوجيا والزراعة، والسياحة. وعلى الصعيد الدولي دعمت إسرائيل وزير الخارجية الإثيوبي تيدروس أدهانوم المرشح لرئاسة منظمة الصحة العالمية وهو المنصب الذي فاز به عام 2017.
لم يكن الصومال وحده الذي تعرض للخطر بسبب علاقة إثيوبيا بإسرائيل، حيث دعمت الأخيرة أديس أبابا في حربها ضد إريتريا حتى لا تحرم حليفتها الإثيوبية من نافذة ساحلية في تلك المنطقة الاستراتيجية الهامة من المشرق الإفريقي. ومن مكامن الخطر في هذه العلاقة المشبوهة هو استغلال الكيان الصهيوني التقارب الحادث بين حليفتها إثيوبيا وأرض الصومال غير المعترف بها لاتخاذها مركزا للنشاط الإسرائيلي الخطير وهو ما يعرض أمن الصومال للخطر.
كما أنه لا يمكن فصل زيارة أبي أحمد للكيان الصهيوني عن خلافه مع دولتي مصب نهر النيل مصر والسودان بسبب تضررهما من سد النهضة وتعرض أمنهما المائي للخطر، خاصة باختيار توقيت الزيارة مع ارتفاع وتيرة الخلاف فمن الطبيعي أن تأتي للحصول على دعم الدولة العبرية التي أعلنت مرارا عن دعمها لمشروع السد الإثيوبي طمعا في تحقيق حلمها الكبير وأخطر مخططاتها في الإستفادة من مياه نهر النيل وهو الأمر الذي يعد بلا شك خطرا كبيرا يهدد الأمن القومي المائي لدولتين كبيرتين في قارة إفريقيا تنتمي إحداهما لمنطقة القرن الإفريقي.
وعلى الرغم من قيام دول من القارة الافريقية بالتعبير عن مواقف منددة بأحداث الحرب الإسرائيلية على الشعوب العربية حاليا، إلا أنه من الغريب والمثير في الأمر أنه لم تصدر أية مواقف واضحة من المسؤولين الإثيوبيين تجاه المجازر التي ترتكبها اسرائيل في غزة ولبنان، ولكننا ربما نفهم حقيقة الموقف الإثيوبي عندما نعلم بمشاركة جنود إثيوبيين إسرائيليين في صفوف جنود الاحتلال ضد الفلسطينيين بحسب ما كشفه موقع مون كارلو الإخباري!
حقيقة الأمر أن هناك خفايا خطيرة ضمن محاور التعاون بين إثيوبيا وإسرائيل تنعكس بدورها على أمن منطقة القرن الإفريقي بل والأمن القومي العربي. كما كشفت الأحداث السياسية عن التوابع الخطيرة والنتائج السلبية على جيران إثيوبيا من جراء علاقتها المشبوهة مع الكيان الصهيوني عبر الفترات المختلفة بما فيها تلك الأوقات الحرجة التي تعاني فيها الشعوب العربية من ممارسات الاحتلال الإسرائيلي الوحشية من اغتصاب للأراضي وقتل وإبادة للشعب الفلسطيني.
إن العلاقة بين الدولة العبرية والدولة الإفريقية مرشحة لمزيد من التوطيد في ظل تشابك المصالح فكلاهما يهدف لتهديد الأمن القومي العربي وخلخلة أمن القرن الإفريقي لتسود سيطرتهما على المنطقة الحيوية من إفريقيا وتلعب إسرائيل دورا خطيرا للتلاعب بموازين القوى ومنح حليفتها الإفريقية ميزة تفوق على جيرانها المسالمين من خلال صفقات الأسلحة وعمليات التسليح المستمرة خاصة ما يتعلق بأنظمة الطائرات المتطورة، إلى جانب دعمها في مجال الري والزراعة.
ويجب على دول الجوار الانتباه جيدا لهذه التطورات الخطيرة والعمل على تطوير أنظمتهم الدفاعية والتعاون البناء للحفاظ على أمنهم في مواجهة التحالف الإثيوبي الإسرائيلي الخطير.