جذور الأزمة الصومالية – الإثيوبية ومآلاتها

ملخص:

تعتبر العلاقات الصومالية – الإثيوبية واحـدة من أعقد المسائل السياسية والاجتماعية والدينية في منطقة القرن الإفريقي. فمن الثابت أن نظـــرة حكام إثيـوبيا للصومال أرضًا وشعبًا اتسمت منذ بداية القرن السابع الميلادي بالعداء الواضـح، إلا ذلك العـــــداء وصل مداه خلال فتـرة حكم الأســرة السليمانية التي انتهجت سياسة صليبية ضد المسلمين في منطقة القرن الإفريقي التي تمثلت التنصيـر الإجباري للمسلمين، وهدم المساجد، وشن الحروب المتواصلة بهدف القضاء على الإســـــلام نهائيا في المنطقـــة. ([1])  

لا يمكن فهم طبيعة تلك العلاقات وأبعادها التاريخية والسياسية دون العودة إلى التاريخ وسبر أغوار الموروث الثقافي والحضاري والديني الذي قامت عليها الدولة الإثيوبية القديمة الحديثة.

فمن المعلوم أن التشكل الحديث للدولة الإثيوبية، جاء من صناعة وحدادة عوامل ومؤثرات عدة، نذكر منها على سبيل المثال الأحداث والمتغيرات الجذرية المركبة والمتداخلة التي شهدتها منطقة القرن الإفريقي في أواخر القرن التاسع عشر، نتيجة لاجتياح وتكالب دول الاستعمار الأوروبي على المنطقة وإخضاعها لسياسات الهيمنة والنفوذ الاستعماري.

ومنذ ذلك شهدت العلاقات الصومالية – الإثيوبية، موجات من المدّ والجزر، ولكن المؤثر الأخطر والأهم قد تمثل فعلاً في نجاح الإمبراطور منيليك الثاني في التعامل مع تلك المتغيرات الإقليمية ونقل مملكة الحبشة من جيب صغير في المرتفعات الجبلية إلى إمبراطورية توسعية تمد سيطرتها على مناطق شاسعة لم تكن يوماً جزء من أراضيها الأساسية.

وقد نجح منيليك الثاني واحداً من أعظم أباطرة الحبشة وأكثرهم تأثيراً محلياً وإقليمياً، في إحكام قبضته على السلطة، محدثا تغييرات جذرية في المنظومة السياسية والاجتماعية في بلاده، مهدت الطريق لميلاد الإمبراطورية الإثيوبية الحديثة التي قامت على أساس اللغة الأمهرية والعقيـدة الأرثوذكسيـة وأسطـورة الدمـاء المقـدسة التي تجـري في عـروق ملوك إثيوبيا من قـومية الأمهـرة.

 وبناء على المعطيات التاريخية والسياسية، فإن أطماع القيادة الإثيــــــوبية في السواحل الصومالية، ليست مسألة جديـدة على الإطلاق، بل ظلت إحدى أهـم ثوابت السياسية الخارجية الإثيوبيـة التي لا تقبل الزحزحـة أيا كان انتماء من يتولى مقاليد السلطة في أديس أبابا، ولكن تحريك هذا الملف من حين لآخر، ظل مرهونًا بما تمليه العوامل الجيوبولتيكية وتغيـر موازين القوة في منطقة القرن الإفريقي.

ومع التحـولات المتسارعة التي تشهـدها المنطقة، برزت مجددا قناعات سياسية لدى رئيس الوزراء الإثيــــوبي أبي أحمد علي، حيث رأى أن الوقت قد حان لمناقشة الموضـــــوع علنا من دون مواربة، مؤكدا أن حصـــــــول بلاده على منفذ بحري بات مسألة حياة أو مـوت.

وفي 1 يناير 2024، ســــــارع الرئيس أحمــد إلى توقيـــع مذكرة تفاهم مع موسى بيحي عبدي، رئيس جمهورية أرض الصـــومال التي أعلنت انفصالها عن الصومال في 18 مايو 1991، دون أن تحظى باعتراف من أي دولة في العالم، ربما باستثناء تايوان.

هذا وأحدثت مذكرة التفاهم المثيــــرة للجدل، شرخـا وزلزالا في العلاقات الصومالية – الإثيوبية، وأزمـة دبلوماسية صادمة لا تزال تداعياتها وانعكاساتها تتواصل على كافة المستويات والأصعـدة.

وفي الصفحات القادمة نتناول جـذور هذه الأزمة الدبلوماسية وأبعادها المختلفة فضـلا عن تداعياتها وانعكاساتها المحتملة على المنطقة.


[1] د. محمد الحافظ محمد النقر، الصراع الإسلامي – المسيحي في الحبشة في فترة الأسرة السليمانية، دراسات إفريقية – مجلة بحوث نصف سنوية تصدر من جامعة إفريقيا العالمية، العدد التاسع، يوليو 1993م.

عبد الله الفاتح

باحث وكاتب صحفي. ماجستير في الإعلام بجامعة السودان للعلوم في الخرطوم (قيد الدراسة). حاصل على دبلوم عالي في الترجمة الصحفية في أكاديمية موزايك سنتر ـ أديس وبكالورياس في الإعلام بكلية الآداب في جامعة إفريقيا العالمية بالخرطوم.
زر الذهاب إلى الأعلى