زيارة الرئيس الصومالي الأخيرة إلى القاهرة …  الدلالات والأبعاد

حملت زيارة الرئيس حسن شيخ محمود إلى القاهرة يوم الأربعاء الماضي ، دلالات بالغة الأهمية، وحققت نتائج ذات مغزى عسكري وسياسي،  لكن هناك عقبات وتحديات كبيرة تعتري طريق تنفيذ ما تم الإتفاق عليه الأمر الذي يحتم على الحكومة الصومالية القيام بخطوات جريئة تمكنها من الإستفاذة من استعداد مصر لدعمها في بسط سلطتها  على كافة الأراضي الصومالية بما في ذلك صومالاند والمناطق التي تحكمها حركة الشباب.

دلالات الزيارة وتوقيتها

لا يمكن قراءة زيارة الرئيس حسن شيخ محمود إلى القاهرة التي تعد الثانية من نوعها خلال العام الجاري الا في أطار التطورات المتلاحقة التي تشهدها الصومال ومنطقة القرن الأفريقي في الآونة الأخيرة، والتي تجعل لزما على البلدين أن يرفعا مستوى التنسيق والتشاور والتعاون  بينهما لمواجهتها أو التخفيف من حدتها.  ومن أبرز تلك التطورات:

  • محاولة إثيوبيا لتقسيم الصومال بهدف تحقيق رغبتها في الوصول إلى البحر  عبر المياه الإقليمية الصومالية ، ودخول تركيا على الخط للتوسط بين الصومال وإثيوبيا.
  • تزايد الحوادث الأمنية التي تقع في البحر الأحمر وبروز علاقات بين الحوثيين وحركة الشباب في الصومال الأمر الذي يشكل تهديدا مصيريا على الأمن القومي المصري والملاحة البحرية في قناة السويس
  • تزايد اهتمامات عدد من القوى الإقليمية بالأوضاع في الصومال والمنطقة وعلى رأسها تركيا التي وقعت اتفاقية دفاع واقتصادي مع الصومال في 8 فبراير الماضي لبناء القوات البحرية الصومالية وحماية مياهها الإقليمية والاستغلال من الثروات البحرية الصومالية.
  • قرب انسحاب  قوة بعثة الإتحاد الإفريقي من الصومال ورغبة الحكومة الصومالية في إستبدالها بقوة إفريقية أخرى مختلفة عن السابقة من حيث التمويل والإدارة وطبيعة العمل

 ما هي أهتمامات البلدين؟

شهدت العلاقات بين الصومال ومصر خلال الشهور الماضية تحولا لافتا، وقامت مصر بخطوات ملموسة نحو تحسين العلاقة مع الصومال أبرزها تدشين خط طيران مباشر  بين القاهرة ومقديشو ، وفتح فرع لبنك مصر في الصومال بالإضافة إلى إعادة فتح السفارة المصرية في مقديشو رسميا، وفتح خط تواصل مباشر بين القيادة المصرية والقيادة الصومالية. هذه الخطوات عكست مدى جدية الحكومة المصرية لدعم الصومال و إهتمام القيادة المصرية في تعزيز العلاقات وتطويرها إلى آفاق جديدة وبما يضمن التغلب على التحديات المشتركة التي يمكن حصرها في ثلاثة أمور رئيسية، وهي:   الحفاظ على وحدة وسيادة الصومال على أرضه، وإدارة العلاقة التصارعية بين كل من مصر والصومال مع إثيوبيا ، والحد من تهديداتها على الأمن القومي للبلدين الصومالي والمصري، بالإضافة إلى التطورات في مضيق باب  المندب في ظل الحرب الدائرة في  غزة. وكذلك الحرب على الإرهاب، ومنع أن تتحول الصومال إلى بؤرة آمنة للمنظمات الإرهابية التي تشكل تهديدا على البلدين.

أولا: مطالب الصومال

ذكرت لي مصادر مطلعة أن  الصومال عرضت على مصر خلال المباحثات التي جرت بين البلدين وعلى مستويات متعددة لعب دور أكبر في القضية الصومالية، وقضايا منطقة القرن الإفريقي، والمساهمة بشكل فعال في مسار بناء الدولة في الصومال بإعتبارها الشقيقة الكبرى وأقوى دولة عربية في المنطقة، ونظرا لدورها التاريخي في دعم الصومال إبتداءا من مساندتها لكفاح الشعب الصومالي من أجل نيل حقوقه واستقلاله، ومرورا بدورها الكبير في دعم الجيش الصومالي تدريبا وتسليحا خلال الحرب الإثيوبية الصومالية في السبعيات من القرن الماضي بالإضافة إلى إرسالها قوات مصرية قوامها 700 جندي إلى الصومال في إطار عملية الأمم المتحدة لإعادة الأمل في الصومال عام 1992.

تقدمت الحكومة الصومالية إلى الجانب المصري بمطالب محددة تتمثل فيما يلي:

  1. حشد الدعم العربي للصومال سواء في المجال الاقتصادي أو السياسي أو الأمني بإعتبارها رائدة في أفريقيا والمنطقة العربية وبما يضمن أن تكون مواقف جميع الدول العربية مساندة للقضية الصومالية وصراعها مع إثيوبيا
  2.  تسليح الجيش الصومالي وتوفير ما يحتاجه من أسلحة نوعيه تحقق التفوق على حركة الشباب الإرهابية نظرا للشروط المجحفة التي تفرضها الدول الغربية  لحصول الجيش الصومالي على أسلحة نوعية
  3. دعم الصومال في المحافل الدولية والاقليمية وذلك في إطار صراعها مع إثيوبيا  وبما يضمن المحافظة على وحددتها وسيادتها على أرضها ، وبسط سيطرتها على المناطق الشمالية
  4.  تعزيز العلاقات الإقتصادية بين البلدين وتشجيع رجال الأعمال المصرية على الاستثمار في الصومال 

 ثانيا: الإهتمامات المصرية

أما فيما يتعلق بإهتمامات مصر في الصومال يمكن أجمالها فيما يأتي:

  1.  أن يكون لمصر دور عسكري واضح في الصومال وأن تشارك بشكل رائد في القوة الافريقية التي  تأتي إلى الصومال بعد انسحاب بعثة الإتحاد الافريقي الحالي والمتوقع العام المقبل. وأن الرئيس  عبد الفتاح السيسي أكد للجانب الصومالي في زيارة الرئيس حسن الأخيرة للقاهرة استعداد بلاده إذا طلبت الصومال بارسال قوات عسكرية ضمن بعثة الاتحاد الافريقي التي قد تحل محل البعثة الحالية
  2. هناك رغبة مصرية في أن تتمركز هذه القوات في مناطق استراتيجية في الساحل الصومالي مثل مدينة براوة على المحيط الهندي ومنطقة رأس عسير  (غواردافوي)  الواقعة بين منطقة بونت لاند الصومالية وسوقطرى غرب بحر العرب والقريبة من خليج عدن ومضيق باب مندب . وهذه الخطوة تمكن مصر أن تنضم إلى القوى الإقليمية التي لها تواجد عسكري على سواحل منطقة القرن الإفريقي الإستراتيجية وأن تدافع على المدخل الجنوبي لقناة السويس الحيوي للاقتصاد المصري
  3. أن تحافظ مصر مصالحها الحيوي المتمثلة في  قناة السويس، ونهر النيل من خلال تواجدها في الصومال وذلك في إطار مواجهة التحديات المشتركة بين البلدين. وفي حال  أرسلت مصر قواتها إلى الصومال فإن القوات المصرية  تكون وجها لوجه أمام القوات الإثيوبية في الساحة الصومالية
  4. أبدت مصر أيضا رغبتها في مساندة الجيش الصومالي تسليحا وتدريبا في  حربه على  تنظيم الشباب وتحرير جميع الأراضي التي لا تزال في قبضته، وبسط سلطة الحكومة الصومالية على كافة المناطق الصومالية بما في ذلك منطقة أرض الصومال الإنفصالية

التقارب المصري -الصومالي… العقبات والتحديات

لا يخلو التقارب المصري الصومالي من تحديات وعقبات وأن تنفيذ جميع مطالب الطرفين ليس بالأمر الهين نظر الأوضاع السياسية والأمنية في الصومال ودور القوى الإقليمية فيها. إن أعداء مصر في القرن الإفريقي لن يهدأ لها بال حتى تفشل التقارب بين البلدين ، ولا سيما إثيوبيا وقوى غربية لها نفوذ في الصومال ، وأنها ستقوم بوضع كل ما يمكن من عقبات في دواليب التقارب الصومالي المصري. لكن الوضع السياسي في الصومال يعتبر أبرز ما يهدد تنفيذ الاتفاقيات الموقعة بين الصومال ومصر وخاصة أن الصومال ستشهد خلال العامين المقبلين انتخابات قد تخلط الاوراق، وتفرز قوى سياسية لا تشجع التقارب الصومالي المصري.

وكذلك تعتبر سياسة الصومال تجاه العلاقة مع القوى الاقليمية والدول المهتمة بالشأن الصومالي عاملا مهما في انجاح الرئيس حسن شيخ محمود مسار العلاقات المتطورة بين مصر والصومال، ومدى قدرة صناع القرار في الصومال على جمع التناقضات ، والموازنة بين مصالح الحلفاء ، والابتعاد عن كل ما يثير شكوك هذه الدول ولا سيما أن الصومال وقعت في الآونة الأخيرة اتفاقية دفاع مشترك مع عدد من الدول التي لا تتوافق مصالحها مع مصالح مصر في منطقة القرن الإفريقي.

زر الذهاب إلى الأعلى