مع ازدياد الضغوط التي كانت تمارسها بريطانيا وإصرارها على عزل السلطان يوسف، لم يبق أمام إيطاليا سوى الإذعان والقبول. وقرار إبعاد يوسف ولو مؤقتا من هبيو، إلى حين انتهاء العملية العسكرية لم يكن من قبل الإيطاليين مجمعا عليه، فهناك أصوات من داخل السلطات الإيطالية تنتقد بشدة طريقة تعامل البريطانيين مع يوسف ويرون أنها كانت غير لائقة، وكذلك قدم كل من الكابتن البحرية الإيطالية فيزي وضابط الارتباط لوفاتيلى ملاحظات صارمة حول العملية برمتها وانزعاجهما من طريقة إدارة جنرال مينغ المتسرعة للعملية. لكن القنصل الإيطالي في عدن المسؤول عن الملف المستعمرة الإيطالية يشاطر البريطانيين ملاحظاتهم مع تحفظه مزاعمهم حول التواطؤ بين يوسف والسيد G.nicolosi p 61.
إن المزاعم والاتهامات البريطانية في حق السلطان يوسف حسب الكاتب الإيطالي كاروسيلي باطلة وغير صحيحة نظرا للعداوة الشديدة بين السلطان يوسف والسيد محمد عبدالله حسن والحرب الضروس التي خاضها يوسف ضده منذ فترة طويلة وبلا هوادة. ويضيف كاروسيلي إلى أن إبعاده لم يساهم في تسريع تجهيز العملية وإنطلاق الحملة العسكرية أسرع مما كانت عليه أثناء وجوده ولم تبدأ العملية إلا في أواخر فبراير رغم استعجال البريطانيين، ودفع يوسف ثمنها بحريته وأدت كذلك إلى خسارة إيطاليا الزعيم الوحيد القادر في إدارة السلطنة في هذا الظرف الصعب وأيضا فقدان زعماء الصوماليين ثقتهم في ركوب سفنها وأن هذا كله لم يسعدنا خاصة حادثة سجن يوسف سببت لنا خسارة كبيرة في هيبة إيطاليا وكانت أي حادثة سجن يوسف محل جدل ومناقشات ساخنة في إيطاليا وكذلك أصبحت مادة للاستجواب في البرلمان حيث وجه أحد أعضاء البرلمان انتقادا لاذعا على الحكومة الإيطالية في طريقة تعاطيها مع قضية السلطان يوسف وبريطانيا، وفي ذات الوقت بررتصرفات يوسف في ما يخص في الأسعار قائلا : “عندما تقل البضائع ويكثر الطلب فمن الطبيعي أن ترتفع الأسعار”، وانتقد كذلك القنصل الإيطالي المكلف في تسوية الخلافات بين يوسف والبريطانيين لخضوعه لرغبة البريطانيين، واُستدرج السلطان يوسف بخديعة على متن السفينة ومن ثم حبسه. يوسف صعد على متن السفينة أول مرة كصديق لإيطاليا ووقع فيها معاهدة الصداقة، ثم فجأة وجد نفسه محبوسا فيها، واقتيد بعدها إلى عدن أرض بريطانية. لم يكن يوسف يتوقع هذه المعاملة المجحفة وغير اللائقة في حقه . Caroselli, ferro fuoco p 48-50.
وحاول يوسف الدفاع عن نفسه من الاتهامات البريطانية مدعيا أن البلد فقير ولا يستطيع تقديم المزيد.، لأن تجار عدن منذ العام الماضي استحوذوا جميع ما كان من الإبل والمواشي بمختلف أنواعها، وذهبوا بهم إلى عدن إضافة إلى ذلك تعرضت البلاد لغارات الدراويش حيث نهبوا كثيرًا من المواشي، وهرب الباقون إلى أماكن بعيدة. ولذلك لا يمكنني تلبية رغبتهم في توفير الجمال والماشية على وجه السرعة وفي فترة قصيرة.
وفي نهاية يناير ١٩٠٣ أرسلت إيطاليا القنصل سولا في عدن إلى هبيو لإلقاء القبض على يوسف يوسف وتسفيره إلى عدن. وفي بداية فبراير ١٩٠٣ نُفي السلطان يوسف إلى عدن ومن ثم الى مسوع في إريتريا وفي نهاية أبريل من نفس السنة سُلم إدارة السلطنة إلى إبنه البكر على يوسف بعد انتهاء العملية البريطانية في هبيو.
الميوعة الإيطالية في التعاطي مع السياسات البريطانية والتي تندرج في معظمها تحت بند الإمبريالية المرؤوسة.وفي هذه الحالة كاخواتها في إريتريا أثبتت أن المغامرة الاستعمارية الإيطالية ماهي إلا عملية استعمار فرعي أو الاستعمار بالوكالة من تحت البريطانيين، لقد أصبحت إيطاليا وعلى نحو متزايدة بيدقا في اللعبة الإمبريالية الحقيقة بين فرنسا وبريطانيا، كما يقول الكاتب F.Filippini وتنظر الدوائر الدبلوماسية الإيطالية إلى هذه التبعية على أنها فرصة للتسلل إلى صالونات الدبلوماسية العالمية، وهذا هو أهم شيء حتى بالنسبة لمواقف والنظرات البريطانية تجاه إيطاليا، وكذلك العلاقات الثنائية لم تكن متساوية. وترى إيطاليا في هذه التبعية أيضا فرصة ملائمة في توسيع هيمنتها نظريا على آلاف الكيلومترات ما بين البحر الأحمر والمحيط الهندي. F.Filippini op 24.
هنا نص رسالة القنصل الإيطالي في عدن سولا الى الحكومة الإيطالية في شأن الحملة العسكرية البريطانية في هبيو والتي تتجلى فيها التبعية الإيطالية وأنها بيادق في يد بريطانيا:
يشرفني أن أبلغكم أنني وصلت فقط صباح أمس إلى هوبيو، صعدت على الفور على متن السفينة كابريرا وتلقيت من القائد فينزي إفادة مفصلا للوضع الحالي في هوبيا وسلوك يوسف علي وابنه علي يوسف في علاقاتهما مع هذه السلطات العسكرية الإنجليزية. واختتم القائد فينزي كلامه بإخباري أن إبعاد السلطان يوسف وابنه علي من هبيو ومن خلال الأحداث التي وقعت في الأشهر الأخيرة أصبح ضروريا. بعد الانتهاء من المقابلة الأولى والرئيسية مع القائد فينزي، ذهبت على الفور إلى الشاطئ، حيث عقدت مؤتمرًا مطولًا مع الجنرال مانينغ وأيضًا مع الكونت لوفاتيللي حول الحقائق التي تهمنا في الوقت الحالي. لقد وجدت القائد العام المذكور مملوءًا بالانزعاج والغضب الشديد ضد يوسف علي الذي يعزو إليه وحده وبتواطؤ مع إبنه، كل الصعوبات والأضرار الجسيمة التي تواجهها الحملة الإنجليزية منذ وصولها لأول مرة إلى محميتنا هذه. كانت آخر كلمة وآخر طلب صادق موجه إليَّ من الجنرال مانينغ، طرد السلطان يوسف وابنه علي من هوبيا وعلى الفور، دون إضاعة وقت إضافي ولو لحظة واحدة. الكونت لوفاتيللي كان له نفس الرأي. كنت أرغب في مقابلة يوسف علي على الفور لإعادته إلى جادة الصواب، لكن الجنرال مانينغ، الذي لا يرى في يوسف أي فائدة ولو من خلال تدخل اي شخص مهما كان، توسَّل إلي بشدة أن لا أقابله الا إذا قررت إلقاء القبض عليه، لأنه بخلاف ذلك، وفي أول إشارة حازمة منك او تهديد، قد يهرب مع جميع رجاله وينضم إلى الملا، مما سيؤدى إلى تعقيد وضع الحملة الإنجليزية والصومال بأكملها بشكل كبير. على الرغم من أن هذه التصريحات التي أدلى بها الجنرال مانينغ، وخاصة الجزء الذي أبرزته، بدت لي مبالغ فيها إلى حد كبير، إلا أنه من حيث الطريقة التي عرضت بها علي، وخاصة مع الأخذ في الاعتبار المخاطر الجسيمة للغاية التي “وفقًا للجنرال”، من المحتمل أن تتعرض لها الحملة، لم أعتقد أنه كان من الحكمة على الإطلاق التصرف خلاف عما طلبه الجنرال المذكور. كنت على قناعة تقريبًا بأنني أستطيع حمل يوسف علي على القيام بواجباته، لكن بطبيعة الحال لم أكن متأكدًا تمامًا من ذلك؛ لذلك، لو أثبتت الظروف أن الجنرال مانينغ كان على حق، فإنه كان ومعه إنجلترا، سيضع المسؤولية الكاملة عن الفشل المحتمل للحملة علينا مع كل ما يترتب من ذلك من عواقب وخيمة على الصومال.
كان الوضع حساسًا وشاقًا للغاية، لكن مهمتي في الوضع الحالي كانت واضحة ومحددة . وعلى ضوء تعليمات التي أعطيتنا إياها، الأمر الوحيد الذي كان يجب فعله هو إزالة السلطان يوسف وابنه علي عن الطريق، مع الاعتراف أنهما لم يستحقا مثل هذه العقوبة القاسية ولو للحظة واحدة. لذلك أرسلت على الفور في طلب يوسف علي وعلي يوسف والصعود على متن الكابريرا في صباح يوم التالي. لقد أطاعا الأمر الموجه إليهما، وعندما صعدا على متنها، تم القبض عليهما؛ وغداً سيغادران مع “نوشيرا” المستأجرة إلى عدن، حيث ستتم حراستهما من قبل السلطة المحلية، حتى أتلقى أوامر سيادتكم بهذا الخصوص. طبيعة الوضع لا تسمح ليوسف علي بالبقاء حراً في عدن؛ ولأن المقيم الإيطالي ليس له أي صلاحيات قضائية، فقد اضطررت إلى اللجوء إلى السلطة المحلية البريطانية لرعايتهما.
Somalia Dalle origine al 1914 p 299
نورد هنا كذلك رسالة قائد السفينة الحربية الايطالية فلتورنو إلى القنصل الإيطالي في عدن سولا يشرح فيه ملابسات ما حدث في هبيو ونرى من خلالها إن صحت الرواية، كيف يفكر يوسف ومدى جشعه وحرصه على الاستفادة ماديا وهو في أحلك الظروف، حتى التي تبدو أنها تقوده الى فقدان هيبته وسلطته او على الاقل تجعل سلطته على المحك.
“جاء قائد السفينة الحربية وكبار ضباط القوات البريطانية لزيارتي يشتكون من سلوك السلطان المشبوه، والصعوبات التي يسببها ولأتفه الأشياء، وكذلك الأسعار المبالغ فيها التي يحددها للإبل والماشية وغيرها. وفي اليوم التالي أرسل يوسف مبعوثه لتهنئتي وليخبرني بأنه سيصعد على متن السفينة في صباح اليوم التالي، 28 ديسمبر، حيث لم يتمكن من ذلك في وقت سابق بسبب صعوبة الصعود على السفينة لسوء الأحوال الجوية. لقد جاء بالفعل وأجريت معه محادثة استمرت ثلاث ساعات. ادعي أن السيد علم بنزول الإنجليز، وسيصل خلال أيام قليلة إلينا لمداهمتنا ولنهب المواشي، ولذلك طلب مني 2000 بندقية، ليسلِّح بها رعاياه المنتشرين على مساحة كبيرة، وإن لم افعل ذلك ولم ألبى طلباتهم من المحتمل أن يهربوا أو حتى ينتقلوا إلى جانب الملا المجنون. ويضيف إلى ذلك أنه بعد استيلاء السيد على مدق، ونهبه المواشي تراجع عدد الجمال لم يبق إلا عدد قليل جدًا من الجمال، وعدد قليل جدًا من الماشية، وصارت الأسعار مرتفعة جدًا؛ يريد وعدًا رسميًا مكتوبا بأن الإنجليز يعوضونه عن الأضرار التي سببها له الملا المجنون منذ أشهر، وتلك التي ستسبها له الحملة الحالية. وكل محاولة أقوم بها لدحض حججه تبين لي أنها غير مجدية، لأنه يقاطعني بتكرار بنفس الأشياء دائمًا. وأخبره بأن يسمح لي بالتحدث. أحاول أن أذكره إن نزول الإنجليز لم تكن مفاجأة، وقد تناقش معك القنصل العام في عدن في هذا الشأن، وبعد الاتفاق الذي تم التوصل إليه والوعد الذي قطعته بنفسك بتوفير الإبل والماشية. وعلى إثرها وافقت الحكومة الإيطالية على انطلاق الحملة من هوبيو. مما أدهشني كثيرًا رؤية السلطان تخالف كلمته. وقلت له “ما هو الانطباع الذي ستتركه على بلدي، الصديق المخلص لإنجلترا، إذا قمت الآن بعرقلة الحملة البريطانية؟” أنت تعلم أنه لا يمكن إعطاء الأسلحة لك؛ كابريرا(السفينة الإيطالية)لديها 25 قطعة سلاح فقط المخصصة لأفراد طاقمها، وكذلك لن تحمل البواخر الإنجليزية أكثر من سلاح القوات المشاركة للحملة. هل أنت خائف على شعبك الذين يحرسون الماشية؟ أحضر اذاً كل الماشية والجمال دفعة واحدة الى المدينة، وسيكون الإنجليز سعداء بشرائها. لقد بدأت الحملة الآن، ولن تتوقف بسبب الصعوبات التي تواجهها؛ أنت وحدك من يخاطر ويحوِّل ما ينبغي أن يكون فرصة رائعة لرفع هيبتك ومصدر ربح للبلد بأكمله إلى غير صالحك. العلم الإيطالي يرفرف هنا، لذا من واجبي أولاً وقبل كل شيء الدفاع عن مصالحكم؛ ولهذا السبب أصر على تقديم النصح لك لتسهيل شحن المؤن. لقد غادر يوسف أكثر ارتياحا، ولكن ليس دون أن يطلب مني التحدث إلى الجنرال(الإنجليزي)حول البدلات. وفي يوم 23 قمت بزيارته وبناء على طلب الضباط الإنجليز بدأت الحديث عن الأسعار. أدركت على الفور أنه (يوسف) مرابٍ محنك، لكنه قصير الذكاء، ويريد ربحًا فوريًا كبيرًا حتى لو كان ذلك قد يؤدي إلى الفقدان بربح أكبر على المدى البعيد. ناقشنا لفترة طويلة ولكن دون جدى، فهو يعد ثم لا يفي بكلمته، كما أنه يجعل من الصعب إمداد القوات القليلة التي هبطت، لأنه يمنع دخول الأغنام والماعز إلى المدينة، والتي يتم العثور عليها بكثرة على مسافة قصيرة وتباع بسعر 2 روبية، بينما يطلبها بـ 6 روبيات. يريد الاحتكار الكامل لنفسه. طلب مني الإنجليز أن أبرم عقدًا مع السلطان، وأٌحدد الأسعار التي أعتقد أنها الأفضل، حتى أضمن تسليم 3500 من الإبل والماشية اللازمة للحملة بحلول نهاية شهر يناير. وطبعا أرفض طلبهم، ولكن حاولت أن أعمل مع السلطان لضمان تلبية رغبتهم حتى انتهى بي الأمر بالانزعاج، وأخبره بأنني لا أنوي أن أكون دمية وأنني أفضل المغادرة بدلاً من أن أدع الإنجليز يعتقدون أنني، “ممثل إيطاليا”، أخالف كلمتي، في الواقع السلطان هو الذي يعد اليوم ولا يفي غداً. التهديد برحيلي هي اللمسة السحرية التي جعلته يتراجع ويمتثل لكل شيء. وعلى الفور أرسل رجاله لجمع الجمال. وسيدفع له الإنجليز الأسعار التي يطلبها، 70 روبية للكبير و 60 روبية للصغير، بينما السعر الحالي هو 45 للأول و40 للأخير. إذا تم تسليم جميع الإبل البالغ عددها 3500 بحلول نهاية يناير، سيحصل السلطان على مبلغ قدره 20 ألف روبية، والتي ستنخفض بمقدار 5000 روبية عن كل أسبوع تأخير. وبذلك يكون يوسف علي قد حقق في نهاية الشهر ربحًا صافيًا يزيد عن 100000 روبية. ولإظهار مدى الجشع الذي وصل إليه وإلى حد التطرف، أريد أن أروي هذه الحادثة. لقد تم بالفعل تحديد أساس العقد، ولكن عندما قلت: «من الطبيعي أن يكون لدى الإبل كل المعدات التي توضع على ظهورها حتى تتمكن من تحميلها، والخطام لقيادتها». على الفور خطرت في باله فكرة “مصدر دخل آخر”، وهدد بإفساد العقد إذا تم طلب هذه “المعدات والمستلزمات التي لا غنى عنها ” لكل جمل.
وأخذ البريطانيون من يوسف القلادة التشريفية التي وهبها له ملك إيطاليا. وبعد إبعاده وابنه أصبحت السلطنة بلا رأس وعمت الفوضى والتفكك، وعرضة لأن تقع في يد السيد محمد عبدالله حسن عقب الحملة البريطانية الفاشلة. وقتها حاولوا الترقيع والاستدراك نظرا لعدم قدرتهم إرجاع السلطان يوسف الى عرشه قرروا بعد مفاوضات مع زعماء المحللين الذين أصبحوا أسياد السلطنة تعيين ابن السلطان علي يوسف حاكما. وفي ٥ مايو ١٩٠٣ تمت حفلة تنصيب الحاكم الجديد بحضور مجموعة من السلطات والضباط وقواد السفن الحربية الإيطالية المرابطة في سواحل الصومال
وأعيد يوسف في شهر مارس ١٩٠٥ إلى عرشه في هبيو أثناء مفاوضات إلغ مع السيد محمد عبدالله حسن، بعد ثلاث سنوات قضاها في المنفى القسري. ويرجع فضل عودته جزء كبير منها إلى السيد محمد عبدالله تكريما منه للسلطان لدوره في عرقلة الحملة البريطانية ورفض المشاركة فيها، حيث أصر السيد على المطالبة في إطلاق سراح يوسف كجزء من شروط الاتفاقية إلغ بين السيد والقنصل الإيطالي جيليوبستلوسا. وكذلك وافقت حكومة إيطاليا على تعويض متواضع للسلطان عن الأضرار التي لحقت بمنزله وممتلكاته على يد أصدقاء إيطاليا (بريطانيا).
استقبل سكان هبيو بالسلطان العجوز بمظاهر الفرح والمحبة والتعاطف، ومن جانبه تغافل يوسف عن الظلم الذي تعرض له، وساعد القنصل بستالوسا في إنجاز مهمته التفاوضية مع السيد، علما ان هذا الاتفاق لم يكن في صالحه حيث اُقتطع جزء من أرضه لصالح السيد محمد عبدالله. كبادرة حسن النية وكجزء في تطبيع العلاقات، تزوج السيد من بنت السلطان يوسف. لكن العلاقة النصب والرحم لم تقدر الإصلاح ما أفسدته دسائس السياسية، ولذلك لم تدم طويلا، سرعان ما تحولت الى عداء مفتوح أشد مما كانت عليه قبل نفي السلطان يوسف على كينديد. استخدم فيه فضلا عن الأسلحة التقليدية أخطر أنواع الأسلحة وأكثرها إيلاما في المجتمع الصومالي وهو الشعر حيث بالغ السيد في هجاء السلطان يوسف وعائلته، وكذلك رد شعراء البلاط السلطاني بالمثل . فقد أورد ياسين عثمان علي كينديد ابن أخي السلطان يوسف في كتابه ” ابن عبدلله ” نماذج من هذه الأشعار. في الحقيقة تبدو بعضها خارجة عن حدود الأدب ومخل للذوق العام، ويصعب التصديق بأنها من أشعار السيد محمد عبدالله حسن. وتجدر الإشارة إلى أن هذه الشعار لم يذكرها الشيخ عيسى أو جامع ضمن أشعار السيد محمد عبدالله في كتابه “ديوان السيد”
توفي السلطان يوسف في ١٩١١ وترك سلطة قوية تتمتع بقوة عسكرية ونفوذ سياسي كبير، وورث إبنه البكر على يوسف العرش. واستمرت سلطنة هوبيو تلعب دورا أساسيا في المسرح السياسي والاجتماعي في الصومال حتى إلغائها بالقوة على يد الحكومة الإيطالية الفاشية في ١٩٢٥ في عهد الحاكم الإيطالي الفاشي CESARE MARIA DE VECCHI في الصومال.
وفي الختام:
كان السلطان يوسف على بلا شك محور التناقضات السياسية الإيطالية في الصومال طوال حياته في الفترة الحماية الإيطالية ولعب على أكثر من حبل وكان يجيد الرقص على رؤوس الأفاعي ودخل مغامرا ومبارزا في كل حلبات المصارعة السياسية والعسكرية بأكثر من سيف وأكثر من جهة. وغاص بحور السياسية بأمواجه العاتية حالما أن يصبح يوما سلطانا أو أميرا على الصومال أو على الأقل “سلطان عموم مجيرتينا” وكاد الحلم أن يتحقق.
إستطاع يوسف على كينديد لعب دورا أساسيا في المسرح السياسي في الصومال في نهاية القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين وتمكن في إنشاء نظام حكم مركزي في منطقة هيبو الذي شكل نقطة التحول في النظام الحكم السياسي والاجتماعي في الصومال ورغم ما شابه من فوضي سياسية وعسكرية ورغم محدودية مناطق نفوذها تبقي الحقيقة انها أدخلت افكارا وهياكل سياسية اطرت للوحدة القطرية والجغرافية لما ستصبح جمهورية الصومال، وقد باتت تجربة يوسف والسلطنة التي أسسها بصفة عامة تجربة فاصلة في تاريخ الصومال لما تمثله من تطور جذري في النظام السياسي التقليدي وتشكل ملامح الصومال الحديثة ويعتبر سلطنته بداية ومهد الدولة الصومالية الحديثة، إذا ما أخذنا في الاعتبار أن معظم النخب والشخصيات السياسية التي شاركت في العملية السياسية أو تسلمت الحكم في فترة الوصاية وبعد الاستقلال خرجت من رحم نظام سلطنة هوبيو، وكان بعضا منها من سلالة عائلة السلطان يوسف على يوسف، على الأقل ساهم أفراد من العائلة السلطانية وحلفائهم من قبيلة مجيرتينا ومواليهم(سعد هبرغذر) في عملية مقاومة الاستعمار الإيطالي ونيل الاستقلال بطريقة سلمية متمثلة بحزب نادي الشباب الصومالي SYL،ومن المعروف أن أبناء أو بعض أعضاء سابقين في سلطنة هوبيو وحلفائهم كان لهم دور كبير أو كانوا العقل المدبر بتأسيس حزب SYl بحكم امتلاكهم خلفية ثقافية وسياسية وقسط من التعليم الحديث ومعظمهم درس في مدرسة أبناء “الزعماء” كما سمتهم سلطات الاحتلال الإيطالي الفاشية المخصصة لابناء سلاطين وزعماء سلطنة مجرتنيا وهوبيو بعد حلِّمهما بالقوة في ١٩٢٢-٢٥ من قبل الحكم الفاشي الإيطالي في الصومال، وتعاونهم مع المحتل البريطاني بعد خسارة إيطاليا الحرب العالمية الثانية وخروجها من الصومال، مثل ياسين حاج عثمان شرماركي وأخوه طاهر حاج عثمان (طغويني) وعبد الرشيد علي شرماركي وغيرهم.