بعد قرار اللجنة الوطنية المستقلة للإنتخابات … الصومال إلى أين؟

تكتنف مصير الإنتخابات العامة في الصومال حالة من عدم اليقين وسط تحذيرات  من دخول البلاد في مرحلة خطيرة من التوتر السياسي والأمني ما لم تجر الإنتخابات في موعدها ، وأن خطاب رئيسة اللجنة الوطنية  المستقلة للإنتخابات حليمة إسماعيل إبراهيم المعروفة بـحليمة يري أمام البرلمان في 27 يونيو الماضي لم ينه الجدل بشأن الإنتخابات، بل زداده تعقيدا وتأزما.

رفض واسع

لاقى خطاب رئيسة اللجنة الوطنية المستقلة للإنتخابات حليمة يري أمام البرلمان، ودعوتها إلى تأجيل الإنتخابات لمدة 3 أشهر على الأقل  برفض واسع من قبل نواب في غرفتي  البرلمان ، مجلس الشعب ومجلس الشيوخ، وبعض الحكومات  الإقليمية والأحزاب السياسية، وتعرضت الرئيسة لسيل من الإنتقادات والإتهامات بالإنحياز والرضوخ لإملاءات وشروط الحكومة المركزية.

قالت حليمة يري في خطابها أمام البرلمان إن الإنتخابات المباشرة على أساس التسجيل البايومتري  المنصوص في قانون الإنتخابات الجديد لا يمكن  إجراؤها في الموعد المقرر  27 نوفمبر 2020  ، وعزت ذلك إلى عدد من الأسباب  بينها،  تأخر إصدار التشريعات اللازمة للإنتخابات وتباين وجهات النظر بين القيادات السياسية حول النموذج الإنتخابي، وغياب الأمن إلى جانب عقبات طبيعية كالفيضانات والأزمة الصحية الناجمة عن الوباء كوفيد 19 .

وهذه العقبات- بحسب حليمة يري- ساهمت في عدم  إلتزام كافة الأطراف ذات العلاقة بجدول أعمال اللجنة  ومسار العملية الإنتخابية.

وأكدت الرئيسة أن تنظيم إقتراع شعبي مباشر على أساس التسجيل البايومتري يحتاج إلى  وقت إضافي فوق المدة التي حددها القانون، وميزانية مالية كبيرة،  ولا يمكن  أجراؤه قبل شهر أغسطس عام 2021. وأقترحت رئيسة اللجنة نموذجا بديلا  يعرف بالتسجيل اليدوي يتم في يوم الإنتخابات (Sameday manual registration) ،  وهو نموذج أقل تكلفة ووقتا من نظام البايومتري، وعلى أساسه يمكن إجراء الإنتخابات  في شهر مارس 2021.

لم يضع  هذان المقترحان حدا للجدل المثار حول الإنتخابات ومصيرها ، ولم يخفف حدة التوثر السائد في المشهد السياسي، بل فتحا الباب على مصرعيه أمام حالة من عدم اليقين بشأن تأثير تأجيل الإنتخابات على مستقل الإستقرار الأمني الهش في البلاد .

انتقد  الرئيس الصومالي الأسبق شريف شيخ أحمد، وزعيم منتدى الأحزاب السياسية المعارضة،  اللجنة الوطنية المستقلة للإنتخابات وحذرها من لعب دور “المحلل” لتمديد  غير قانوني.  وكذلك  رفض الرئيس السابق  والقيادي في المنتدى حسن الشيخ محمود بشدة  خطاب  رئيسة اللجنة الوطنية المستقلة للإنتخابات، متهما الرئيس محمد عبد الله فرماجو  بممارسة الضغط على اللجنة – وهو بالطبع  إتهام ترفضه رئيسة اللجنة جملة وتفصيلا- لإضفاء صبغة غير قانونية على تمديد فترة ولاية هيئآت دستورية بينها الرئاسة، والبرلمان، واللجنة ذاتها التي تنتهي فترة ولايتها  قبل منتصف العام المقبل.

لم تنحصر الانتقادات الموجه للجنة الوطنية المستقلة للإنتخابيات في ائتلاف الأحزاب السياسية المعارض ، وإنما أعلنت  بعض الحكومات الإقليمية وأحزاب سياسية وشخصيات من المجتمع المدني عن رفضها لدعوة اللجنة إلى تأجيل الإنتخابات متهمة إياها بالإنحياز إلى الحكومة وتجاوز صلاحياتها.

وصف الرئيس المؤقت لحزب سهن المعارض والمرشح الرئاسي عبد الكريم حسين جوليد مقترحات اللجنة بالغير الواقعية وغير المقبولة، ودعا إلى اجتماع وطني يشارك فيه الشركاء السياسين الصوماليين؛ الحكومة المركزية، والحكومات الإقليمية، والأحزاب السياسية للتوصل إلى موقف موحد من الإنتخابات بعد إعلان اللجنة  الوطنية المستقلة عن عدم قدرتها على تنظيم اقتراع شعبي مباشر في الفترة المتبقية من ولاية النظام الحالي.

وقال “لا يمكن إطلاقا قبول أي تمديد لفترة ولاية النظام الحالي  والذي من شأنه أن يدخل البلاد في إضطراب سياسي وأمني خطير”. وحذر  البرلمان من مغبة التجرؤ في إصدار قرارات وتشريعات تضع نظام الدولة في كف عفريت.

وأوضح أن نظام التسجيل اليدوي ليس إقتراحا معقولا ومقبولا، لأنه يفتقر إلى المصداقية ويؤدي إلى عملية تزوير وفساد واسع النطاق،  وكذلك الإجراء  على أساس نظام التسجيل البايومتري في غضون 13 شهر  أمر غير واقعي  نظرا للعقبات  الفنية واللوجستية والاقتصادية والسياسية والأمنية المحيطة بمسار الإنتخابات، وبالتالي طالب جوليد الحكومة بالنزول من الشجرة والجلوس مع الشركاء الساسيين الآخرين بهدف التوصل إلى إتفاق يؤدي إلى تتنظيم انتخابات تحظى بالتوافق والتراضي بين الشركاء.

موقف الحكومة

تلتزم الحكومة لحد الآن بالصمت المطبق إزاء مقترحات اللجنة الوطنية  ولم تصدر أي تصريحات بشأنها سواء الرفض أو القبول. ويفسر البعض هذا الصمت بأنه دليل على الرضى التام  وأن الأمور تسير وفق الخطط  والترتيبات التي وضعتها مسبقا، ولا تريد الإفصاح عن موقفها  خوفا من تأثيره على اجتماع مجلس الأمن الوطني الذي يضم الحكومة المركزية والحكومات الإقليمية المزمع عقده في مقديشو في الفترة ما بين 5-8 يوليو الجاري.

الاحتمالات

يحبس الجميع في الصومال أنفاسه وينتظر نتائج اجتماع المجلس الأمني ،  وكيف سيواجه مأزق الإنتخابات الا أن البعض يقلل من فرص التوصل إلى إتفاق يرضي جميع الأطراف السياسية .

وعلى هذا الأساس، هناك ثلاث احتمالات وسيناريوهات قد تتطور الأوضاع السياسية في البلاد خلال الشهور المقبلة وهي:

  • أن تقبل الحكومة عقد اجتماع موسع يشارك فيه جميع الشركاء السياسين في البلاد بما فيهم الأحزاب السياسية  قبل إنتهاء فترة ولاية الحكومة الحالية بهدف الإتفاق على نموذج إنتخابي ليس من ضمن مقترحات اللجنة الوطنية المستقلة للإنتخابات ، وهذا خيار ضعيف. لأن الرئيس فرماجو لن يقبل أقل من إنتخابات مباشرة، وأن فرص إعادته انتخابه، بل ودوره السياسي في المسقبل مرتبط بتحقيق النجاح في هذا الشأن.
  •  أن تتفق الحكومة المركزية والحكومات الإقليمية على تمديد فترة ولاية الرئاسة والبرلمان وتشكيل حكومة لا يرأسها رئيس الوزراء حسن علي خيري،  واجراء الإنتخابات في  شهر مارس المقبل وهذا احتمال وارد وربما هو مدعوم من قبل الأمم المتحدة وبعض الدول المعنية بالشأن الصومالي.
  • أن  يفشل المشاركون في الاجتماع في التوصل إلى اتفاق  حول الإنتخابات وهذا الأمر له تداعيات خطيرة قد تعيد البلاد إلى المربع الأول.

التداعيات

العاصمة مقديشو تغلي،  وهناك توقعات بأن تدخل المدينة  خلال الأيام المقبلة حالة من الإحتقان الشديد بسبب إنسداد الأفق ، وتشهد مظاهرات رافضة للتمديد   تنظمها قوى المعارضة التي لا تفتأ تهدد بالبحث  عن خيارات أخرى ما لم تجر الإنتخابات التشريعية في موعدها 27 نوفمبر المقبل، وعدم إعتراف السلطة الحالية بعد إنتهاء فترة ولايتها.

عبد الرحمن عبدي

كاتب وصحفي صومالي
زر الذهاب إلى الأعلى