جاء تقرير الباحث الصومالي محمود علي آدم هوري عن الشعر في منطقة القرن الأفريقي، صدى للحالة التي عليها الشعر والنقد هناك.
ويعرف القرن الأفريقي (الصومال، جيبوتي، أريتريا) بأنه المثلث البري في شمال شرق أفريقيا، وشُبه بالقرن على الرأس، في حين تشبه الخريطة الأفريقية الرأس. ويرى الباحث أن أهمية منطقة القرن الأفريقي تكمن في موقعها الجغرافي الفريد في العالم بأسره، ولها أهميتها العالمية في المواصلات البحرية، والحركة التجارية، والأمن العالمي، والقواعد العسكرية، إضافة إلى موقعه الاستراتيحي.
ويوضح أن تلك المنطقة؛ منطقة خصبة بتنوعها: العرقي والثقافي واللغوي ويعيش فيها حاليا قوميات متنوعة تنتمي إلى أصول حامية أو سامية نيلية، أو هجين من تلك الأصول والمجموعات الحامية، والمعروفة أيضا بـ الكوشيين، هي الغالبة في هذه المنطقة، ومنها الشعوب: الأورومية والسيداما والصومالية والعنفر والساهوا وغيرهم من البشر الأفريقي.
وعلى الرغم من ذلك لم يتناول الباحث هوري – في بحثه المنشور في تقرير حالة الشعر العربي الذي أصدرته أكاديمية الشعر العربي بجامعة الطائف السعودية 2019 – سوى الشعر العربي في الصومال، وهو يرى أن هذا الشعر له دور كبير وتأثير ملموس، ولكن يحتاج إلى بلورة وتدوين مدقق، كي يكون ممر عبور لمن يريد أن يعرف ثقافة القرن الأفريقي، وخصوصا ما يسمى بالصومال الكبير قبل الاستعمار. ويقول: إذا نظرنا إلى دوحة الشعر العربي في القرن الأفريقي، خصوصا في الصومال، وجدناه يحاكي ويضارع نظيره في ديار العروبة والفصاحة.
وقد يضارع هذا الشعر نظيره في ديار العروبة والفصاحة من ناحية امتلاك اللغة، ولكنه – كما أرى في النماذج التي أوردها الباحث – لا يجاريه في أساليبه الفنية وقضاياه الشعرية وصوره المتألقة وأوزانه المتجددة، وروحه المعاصرة، وكأن هذا الشعر توقف عند عصر ما قبل محمود سامي البارودي، أو ما قبل عصر مدرسة الإحياء.
يقول الشاعر عبدالوارث علي أدم الصومالي – الجيبوتي في مطلع قصيدة وصفها الباحث بالرائعة:
قف أيها الدمع الذي أعياني ** وارحل فعيني لم تعد بمكاني
ارحل فهذي أرضنا قد شمرت ** لتعيد مجدا غاب من زمان
صومال يا أرض الكرامة والإباء ** هبي لتحيا أمتي بأمانِ
طال الغياب فزاد شوق حارق ** للقاك يا عبق أمتي الفتانِ
ويوضح الباحث أن الشعر في القرن الأفريقي اختص بأنواع بعينها، كالشعر الصوفي والمدائح النبوية، وهي الأنواع التي ارتبطت بثقافة أهل تلك المنطقة وتأثرت بالدين الإسلامي، وكل ما شابه من آراء ومذاهب.
ويقسم الباحث محمود علي آدم هوري الشعر الصومالي إلى الشعر الصوفي، والمدائح النبوية، والدعاء والابتهال، وشعر النضال، من سياسة وقضايا اجتماعية، والشعر الغزلي، والشعر التعليمي، والشعر التربوي، وشعر الرثاء.
إتاحة الفرصة أمام المواهب الشابة
ويؤكد الباحث أن الشعر العربي في الصومال والقرن الأفريقي قديم الوجود، ولكن لم يجد من يقوم بخدمته ليظهر دوره في المكتبة العربية، وأنه لم يجد حتى الآن يد العون والخدمة اللازمة من بحث وتأليف ونقد وتحرير وتفتيش لغوي وتدوين ومقارنة أدبية وغيرها، ويرى أن الشاعر الصومالي معرض للضياع وتراثه يتيم ومجرد من العناية والاهتمام والحفظ، ويأسف أن المكتبة العربية لم تعتن بهذا الشعر، ولم تعطه حقه من التأليف والدراسة والبحث والجمع، بل أهملته، ويوضح أن بعض الحركات الدينية في الصومال شنت حربا جلية باتجاه الشعر العربي، ولم تزل إلى اليوم في حربها، معلنة أنه رابط الشرك والخرافة، ووسيط بين الشرك وأهله.
وعلى الرغم من ذلك يذكر الباحث أنه كثرت في الآونة الأخيرة حركة الترجمة والنشر في القرن الأفريقي، ونشر عدد من الشعراء شعرهم مترجما إلى لغات أخرى، بل شارك بعض الشعراء في العديد من المؤتمرات العالمية والجلسات الحيوية، ومنهم الشاعر محمد حاشي طمع المعروف بـ جاريي الذي أصبح شعره وقصيده عالميا، وقام بعض الشعراء الأجانب بترجمة شعره. والشاعر محمد إبراهيم المعروف بـ هدراوي. ومن الشعراء الحديثين يعقوب محمود.
وفي نهاية بحثه القصير يوصي الباحث الصومالي هوري بعقد الندوات واللقاءات والأمسيات لإتاحة الفرصة أمام المواهب الشابة لعرض إنتاجاتهم الشعرية والفنية، ومساعدة المواهب والكوادر الصومالية الناشئة من الشعراء بطباعة قصائدهم، واستغلال التكنولوجيا المتقدمة لعرض أشعارهم وقصائدهم على أكبر عدد ممكن، وظهور نقاد يبنون ولا يهدمون، يميزون بين الغث والسمين، وعليه يقترح تأسيس “المواقع العربية الإلكترونية”، والاهتمام والعناية بالجانب الشعري العربي فنا وتدريسا لجميع مراحل التعليم بجمهورية الصومال الفيدرالية، وتأهيل مدرسي اللغة العربية تأهيلا علميا وعمليا، مع تنسيق المسابقات بين الشعراء، وغرس الثقافة العربية في الصومال، وتأسيس “الجمعية الأفريقية لرعاية الشعر العربي ودوره في القارة الأفريقية”، وعقد مؤتمرات سنوية وشهرية وتخصيص المناقشات الأدبية لبعض المواضيع والعناوين المعنية.
ميدل إيس أونلاين