الطغيان ظاهرة بشرية، عندما لا يُسّير الإنسان الدين أو العقل، ولأن للأمر والنهي لذة أكبر من لذة الأكل والشرب والملبس والمسكن الأنيق، وقد عالج القرآن هذه الظاهرة عندما قص علينا قصة فرعون الذي يمثل قمة الطغيان السياسي،
وكيف رد دعوة موسى عليه السلام، ذكر القرآن أن السبب في طغيان فرعون هو قبول الناس لهذا الاستبداد والخضوع اللامتناهي للسلطة، والسكوت عن ظلمها وبغيها، وقال تعالى عن قوم فرعون: {فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوما فاسقين} (الزخرف/54) إذن هي القابلية للاستبداد، فقد يكون الإنسان في السجن عند نظام فاسد، ولكنه حر في قلبه،
لا يتقبل الذل والهوان التعلق بالحياة – أي حياة – ولو كانت حياة الذل والهوان والاستعباد، هذا هو الذي يصيب الإنسان بالشلل والجمود ويجعله طعمة للآخرين، وهذا ما عناه الرسول صلى الله عليه وسلم وحذر منه عندما قال عن سبب تكالب الأمم على المسلمين هو ما سيقعون فيه من حب الدنيا وكراهية الموت.
ووصف الذين يرضون بهذا بأنهم غثاء كغثاء السيل، أنه تشبيه ولا أبلغ منه في تصوير حال هؤلاء وخفة وزنهم بين الأمم في الحكم الاستبدادي يقع الناس أحيانا في خوف غير مبرر ويتحول إلى حالة مَرَضية، وهو الذي يؤدي إلى الحرص على حياة الذل، ويصبح وقت الإنسان في الكد والتعب وحشو معدته ودفء جلده، ولا يحدث نفسه أن هناك من يظلمه
ثقافة الخوف هي التي تجعل الأسرة توصي أبنها بأن لا يتدخل أبدا في أي عمل سياسي ولو كان لمصلحة البلاد والعباد، ويصبح اليأس في مقاومة الظلم هو المسيطر على الناس.
كورونا، بلا شك شكلت صدمة كبرى للجميع، عبر خلخلة كل المعتقدات السابقة والتصورات والقيم المرتبطة بقيم العولمة والمجتمع.
السياسي: أعلن ان الأمر يتجاوز طاقة البشر، وهو ما عبر رئيس الوزراء الايطالي ان الأمر موكول الى السماء بعد عجز الحكومة عن تطويق الفيروس.
الاقتصاديون مصابون بالذهول وحالة اللاتفكير امام تداعيات الازمة على الصعيد الاقتصادي، وكيف ان فيروسا غير مرئي غير كل النظريات الاقتصادية.
المواطن العادي، لم يجد حلا سوى الهروب الى بيته واحتضان عائلته الصغيرة.
التافهون اختفوا عن الانظار، وهو ما يعكس انهم مجرد بقايا اجتماعيا وفق تصورات السوسيولوجي الايطالي باريتو، أي انهم لا يقومون بأية وظيفة اجتماعية اساسية داخل منظومة المجتمع.
مؤشرات كثيرة تقودنا الى طرح استنتاج والقول ان كورونا هو فيروس قاتل لكنه في الوقت ذاته هو درس للجميع. هو درس عميق وقيمة الدرس في نتائجه، وتأثيراته المستقبلية على صعيد حياة الإنسان ومستقبله على الارض. وأمام البؤس العلمي والحضاري والأخلاقي الذي نُعانيه، فالمُرجّح أنّ الضربات التي تزيد الأقوياء قوة ستزيدنا نحن الضعفاء، المرضى بالشماتة، ضعفًا وتدهورًا، حتى لربّما قد يُفنينا جهلنا وحقدنا قبل أن يقضي علينا “كورونا” أو أيُّ وباء آخر، وحينها يصدق علينا قول الحق سبحانه: “في قلوبهم مرضٌ فزادهم الله مرضًا…” (البقرة: 10).
المفارقة في هذا الوباء أن قمم انتشار الوباء ظهر في الصين المتطورة، وفي أكثر الدول الغربية تقدماً في مجال الصحة، ولا يزال يتزايد في صور متسارعة، ومن خلال هذه الصور تتردد في العقول التي تبحث عن المؤامرة في البينات، وتتساءل هل ما يحدث هو حرب جرثومية بين الصين والغرب، لا سيما أن الفيروس المكتشف في الغرب يختلف في طفراته الجينية عن الفيروس المكتشف في الصين.
التقدم العلمي سلاح ذو حدين، فقد يفتح آفاقاً جديدة لحياة أفضل وأكثر تقدّماً، ولكن قد يستغله السياسيون الذين يدمنون التسلط والسيطرة، فيستثمرونه في اختلال موازين العالم، وقد حدث مثل ذلك في عصر ألمانيا النازية، فقد استغل هتلر تقدّم بلاده العلمي في غزو الجيران، والتقدّم في كل اتجاه للسيطرة على اقتصادهم وأراضيهم.
الاختلاف في الأمر أن هذا النوع من الحروب ربما يختفي، فالجيوش ستفقد دورها مع مرور الوقت، وستسيطر حروب التكنولوجيا والطائرات المسيرة في السماء، لكن الأخطر هو الحرب الجرثومية، والتي قد تكون سلاحاً سرياً ضد العدو أو القوى المنافسة للدول العظمى.
إذا كنت تتمتع ببعض الموضوعية والعقلانية، فيفترض، وأنت تقرأ أو تسمع هذا الهراء، أن تشعر بعبثية المنطق الذي يؤسس له. كمامات الأمان لا تحمل أيديولوجية ولا تهدف لإخفاء جمال المرأة وعدم إثارة الرجل. كمامات الأمان يضعها الرجال والنساء والأطفال والأطباء والعجائز والممرضون، بشكل مؤقت (ركز جيدا في هذا التفصيل) للحماية من مرض… وليس للحماية من الكبت والجهل والتخلف.
كفانا تأويلا للكوارث الطبيعية والصحية على هوانا. كفانا سخرية من مصاب الآخرين، في الوقت الذي نطالب فيه العالم بالاهتمام بمصائبنا. لنعد لبعض الإنسانية الذي يفترض أن يكون فينا! ولنعتمد لغات العقل والمنطق ونحن نقرأ الأحداث حولنا.
أن “وباء كورونا أحد الاختبارات الأكبر لقدرات هذا النظام في الاستمرار على البقاء بأطره الحالية؛ فالعالم كله مشغول على جميع المستويات بمتابعة أخباره، ويتعاظم قلقه مع اتساع وتيرة انتشاره إلى جميع دوله، العديد منها غير قادر بالمرة على مواجهة تداعياته كما أن هناك شكوكا حول مدى توافر هذه القدرات لدى الدول المتقدمة، فهو تحدٍّ حقيقي للنظام العالمي القائم”.
أثبتت تجربة كورونا المؤلمة أن الإنسان قلق، رغم كافة ما حققه من إنجازات، قلق أمام المجهول، وما أكثره، باحث عن مصيره عبر مصباح ديوجين، وفي هذا الدرب قد يلجأ إلى العنف، وربما يفضل العنصرية لكي يحمي نفسه، لم يتغير كثيراً، الخوف يطارده، والجواب على لسانه «هل أنا حارس لأخي».
أثبتت كورونا أن الإنسان وهو مدعو إلى التواضع أمام عظمة الخالق، مدعو أيضاً لإعمال أثمن هدية ربانية، العقل الثمين، وفتح المسارات العلمية أمامه ليبدع يوماً تلو الآخر، وليهزم الخوف الكامن في جوفه، وبنوع خاص حين تعتريه اختبارات قدرية غير متوقعة، من غير أن يورثه هذا العلم انتفاخاً واهياً، فالعلماء ورثة الأنبياء، وبالتالي هم أصحاب رسالة إنسانية وإيمانية، هدفها الإنسان كقضية، والإنسان أيضاً كحل. لقد أحدث فيروس كورونا ثقوبًا في إطارات عصر السرعة، وأجبره على التوقف في مكانه إلى حين صيانة إطاراته.
إنّ البشرية تخوض اليوم حربًا شرسة ضد هذا الفيروس، ويمكننا القول إنها الحرب العالمية الثالثة الفعلية، لكن بدون أسلحة نارية.
والانتصار سيكون من نصيب الأذكى. إنّ الخسائر البشرية والاقتصادية في هذه الحرب، حتى هذه اللحظة، لا تقل عن الخسائر التي وقعت في الحرب العالمية الأولى والثانية. لكن العقل التركيبي عملية،
والمفترض أنه طَور تلقائي يأتي بنفسه عن استحقاق، ما دمت تمضي بشكل صحيح. هذا التلاقح بين العقل المتخصص والتركيبي، وإفضاء الأول للثاني، يصلك بـ (العقل الخلاّق): إنتاج معرفة جديدة ومفيدة، الطرح المبتكر، الإبداع في تطوير فكرة معينة، أو حل مشكلة معينة.
إن (العقل الخلاّق) هو: ذروة المشروع المعرفي للشخص المهموم بقضية المعرفة أيًا كانت، وأهم وسيلة للوصول إليه – بعد عون الله تعالى – هي شغف شخصي دائم الحضور. طبيعي أن يفتر أحيانًا، لكنه فتور ناشئ عن قوته لا ضعفه، كوتر القوس حين تشده، فإن من طبيعته والحال كذلك أن يرتخي قليلاً ليعمل!