لم تحالف المخطوطات في منطقة القرن الإفريقي الحظ ولم تنل ما تستحق من البحث والدراسة والإكتراث رغم ما كان لها من دور كبير في صناعة تاريخ وحضارة العالم الإسلامي باعتبارها أول منطقة يلجأ إليها المسلمون بعد فرارهم من مكة المكرمة في صدر الإسلام ومنطقة اهتمام ونفوذ للدول والإمارات الاسلامية التي مرت بالعالم الإسلامي ابتداء من الدولة الأموية وانتهاء بالدولة العثمانية.
يقدر عدد المخطوطات العربية والإسلامية في إثيوبيا وإريتريا وجيبوتي والصومال أكثر من 2000 مخطوطة إسلامية عدد كبير منها يعود تاريخها إلى أكثر من 700 عام فيما البعض الآخر يعود عمرها إلى بداية القرن التاسع عشر الميلادي، و تضم هذه المخطوطات مجموعة من “القصائد القصيرة التي كانت تغنى في الاجتماعات الدينية بمرافقة قرع الطبول وقصائد مدح النبي عليه الصلاة والسلام، وأسماء الشيوخ الصوفية الكبار والمقامات والمواقع الدينية والرقصات الشعبية النسائية وخاصة “بورانبور” وسلسة من الأدعية وأوراد الرقية والحوارات والمناظرات بين بعض العلماء مثل المناظرة الشهيرة بين الشيخ عبد الله بن المعلم يوسف قطبي وبوقر عثمان محمود عن السيد محمد عبد الله حسن. وكان الشيخ يهاجم فتاوى السيد محمد عبد الله بالإضافة إلى سرد للحروب التي اندلعت ضد هجمات البرتغاليين والإيطاليين والإثيوبيين على المسلمين في منطقة القرن الأفريقي .
نجد أن معظم تلك المخطوطات تعود للشخصيات والمقامات الصوفية لأن الطرق الصوفية لعبت الصوفية دورا رئيسيا في إحياء الإسلام في الصومال في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر. إلى جانب هذه الكتب اكتشف الباحثون عددا كبيرا من القرآن الكريم ونصوصا عن أحكام الشريعة الإسلامية وكتبا عن اللغة العربية والنحو والبلاغة والفقه وكانت معظمها تكتب باللغة العربية ، أو باللغات المحلية المنتشرة في تلك المناطق مثل هراري والأمهرية والصومالية مكتوبة بالأبجدية العربية.
المخطوطات النادرة في القرن الإفريقي
تزخر منطقة القرن الافريقي مجموعة من الوثائق والمخطوطات النادرة محفوظة في المساجد وبيوت العائلات وبعضها يزيد عمرها على 700 عام مخطوطة مكتوبة باللغة العربية أو اللغات المحلية وبعضها يعود إلى 132 هجري مثل مخطوط القرآن (سبع خميس) الذي كان لدى الشيخ محمد بن الشيخ عبد الله حذر كما وردها الدكتور حسن مكي في كتابه السياسات الثقافية في الصومال الكبير ، وتلك المخطوطات جديرة بالاعتناء والاهتمام صيانة وحماية من الضياع والتلف والوقوع في أيدي سماسرة تعبث بتاريخ الأمم وكنوزها وتراثها.
وكذلك من أبرز تلك المخطوطات الموجودة في منطقة القرن الإفريقي:
1. كتاب تنبيه الأنام في بيان علو مقام نبينا عليه الصلاة والسلام الذي كتب عام 1263هـ
2. مجموعة “شيخ كمال” الموجودة في أغارو في غرب إثيوبيا (منطقة جيما). أنها ليست مؤرخة ولكن من المرجح جدا أتها تعود إلي من القرن التاسع عشر الميلادي. وتحتوي على القصائد التعبدية الإسلامية والترانيم، مثل قصيدة مدح الرسول صلى الله عليه وسلم كتبها العلامة شمس الدين محمد الفيومي (القرن الرابع عشر) وكان هناك أيضا تحتوي تقاليد أدبية إسلامية غنية ومتميزة تعود إلى القرنين السابع عشر والثامن عشر على الأقل. ووفقا لما توفر من المخطوطات يمكن الإشارة إلى أن المسلمين في منطق القرن الإفريقي كان له ميل ونزعة قوية لتأليف الكتب والكتيبات التعبدية يغنون بنصوصها مصحوبة بالإيماءات وقرع الطبول على الرغم من أنهم لن يكونوا مستخدمين كلمة “غناء” لأنها تشكل مشكلة في السياق الإسلامي.
3.عثر في مدينة بربرة شمال الصومال حوالي 13 مخطوطة عن أشعار معظمها لعلماء الطرق الصوفية (2nd Mission – Somaliland, Hargeisa (SO) 08/2015, by Michele Petrone)
4. «مخطوطة الأناجيل الأربعة» التي يعود تاريخها إلى القرن الرابع عشر الميلادي، وإلى جانبه ترقد مخطوطات إسلامية ومصاحف، ووثائق يرجع تاريخها لقرون_
5.كتبا تراثية ثقافية، وعظات وأناجيل مكتوبة على الرق – الجلد – منذ القرنين الرابع عشر والسابع عشر، ورسائل الملك تو دروس إلى الملكة البريطانية فيكتوريا، ومن الملك منيليك الثاني إلى القيصر نيكولا الثاني، ومن ملك مملكة الشواء الإثيوبية إلى ملكة بريطانيا.
6. مخطوطات الشيخ علي ميه مجدد الطريقة الإدريسية في الصومال والمتوفى سنة 1357 هـ -1917 م.
المشكلات والتحديات
تواجه المخطوطات التي تعد من أهم مكونات حضارة دول منطقة القرن الافريقي، مشكلة خطيرة وتحديا حقيقيا يستوجب القيام بما يمكن القيام به من أجل الحفاظ على المخطوطات النادرة التي لاتزال في أيدي المواطنين في المدن والأرياف والنجوع.
للأسف الشديد عدد كبير من المخطوطات في منطقة القرن الإفريقي وخاصة التي عثر عليها في المناطق الريفية قد تم حفظها بظروف سيئة وطرق غير مناسبة لحمايتها من التلف وبالتالي تعرض بعض منها لأضرار بالغة وتفتت في حين ضاع بعضها بالكامل و لم يعثر عليها الباحثون.
لكن هناك بارقة أمل تتمثل في مشروعات يتيمة ترعاه منظمات غير إسلامية للمحافظة على هذه التراث العظيمة ومن بين تلك المشروعات التي أطلقت من أجل تحديد وتحليل المخطوطات في دول القرن الافريقي مشروع “الإسلام في القرن الإفريقي” الذي يموله مجلس البحوث الأوروبي. ويهدف المشروع في المقام الأول إلى تقديم دراسة تجريبية للتاريخ الإسلامي في إفريقيا والكشف عن التقاليد الأدبية في القرن الأفريقي (إثيوبيا وإريتريا وجيبوتي والصومال). ومن خلال هذا المشروع سيتم تصنيف النصوص (سواء كانت متاحة بالفعل أو تم جمعها خلال المشروع) وفقًا لأنواعها ومحتوياتها وعناوينها ومؤلفيها وأماكن تكوينها وعدد الشهود وتوزيع الشهود والخصائص اللغوية والرسومات. كما أشاروا إلى أنه سيتم تحديد النصوص غير المعروفة وغير المنشورة سابقًا، والنظر في النصوص باللغة العربية إلى جانب النصوص المكتوبة باللغات المحلية. ولن يتم النظر فقط في الإنتاج الأدبي لتلك المخطوطات ولكن أيضا النصوص المنسوخة محليًا ذات الأصل الأجنبي.