منذ أن تبنّى الصومال النظام الفيدرالي كنظام حكم، ظهر إلى الوجود نزاع سياسي واسع حول المصير السياسي لمقديشو عاصمة الصومال في ظلّ الإدارة الفيدرالية الجديدة التي تتولى إدارة البلاد برمته.
وبما أنّ الدستور الصومالي المؤقّت ينص على أن الإدارة الفيدرالية لابدّ وأن تتكوّن من إقليمين على الأقلّ ، إلاّ أنّ هناك آراء ووجهات نظر سياسية تدعو إلى وجود تمثيل سياسي لسكّانإقليم بنادر، مما يعني تشكيل مجالس انتخابية محلّية تنتخب إدارة إقليم بنادر.
وقد ظهر النزاع حول تحديد المنزلة السياسية للعاصمة الصومالية مقديشو منذ مؤتمر جيبوتي الذي انتخب فيه علي مهدي رئيسا للصومال، حيث أفاد رئيس الوزراء الصومالي السابق علي محمد غيدي في مقابلة تلفزيونية مع قناة صومال كايبل، ذكر فيه غيدي أنّه في ذلك المؤتمر كان هناك رأي يعارض بشدّة بقاء مقديشو عاصمة الصومال، إذ إنّ جزءا ممن شاركوا ذلك المؤتمر ادّعوا أن مقديشو لن تصلح أن تكون عاصمة للصومال كونها قد استهدف فيها قبائل بعينها إبان الحرب الأهلية في الصومال بعد سقوط الحكومة العسكرية، إلاّ أنّه وبعد مفاوضات تمّ الاتفاق على أن تبقى مقديشو عاصمة الصومال لأن القتال لم يكن محصورا فيها، وأن الأرض لا تحارب وإنما الرجال هم الذي يحاربون.
ورغم إقناع الأطراف بأن مقديشو هي عاصمة الصومال إلاّ أنه كانت هناك اقتراحات وتجاذبات سياسية حول المنزلة السياسية لمقديشو، وخاصة في ظلّ النظام الفيدرالي الذي تبنّته الصومال في 2004م كنظام حكم لها، إذ ظهر آنذاك وجهتي نظر مختلفتين حول الوضع السياسي لمقديشو، فالأولى كانت تدعو إلى البحث عن مدينة أخرى تكون عاصمة مؤقّتة للصومال ريثما تصلح الأمور في مقديشو، في حين كانت وجهة النظر الثانية تدعو إلى قداسة كون مقديشو عاصمة الصومال، وإعطاء حقّها في التمثيل السياسي.
وفي مقابلته التلفزيونية السابقة أفاد علي محمد غيدي أن الحكومة الفيدرالية في عهد عبدالله يوسف وخاصة في الفترات الأخيرة من حكمها عندما كان نور عدي رئيس الوزراء الصومالي تم تكوين مجلس انتخابي محلّي يمثّل سكّان العاصمة الصومالية في القرار السياسي، حيث استطاع هذا المجلس إجراء انتخابات محلّية فاز بها محمد عثمان طغحتور ليكون عمدة العاصمة ورئيس بلديتها، إلاّ أنه تم حلّ المجلس في عهد شريف شيخ أحمد، واستغرب علي محمد غيدي أن يكون شيخ شريف من أهم المطالبين للتمثيل السياسي لسكّان مقديشو رغم كونه أول من قضى على أول محاولة لوجود تمثيل سياسي لسكّان مقديشو، حسب تصريحات علي محمد غيدي.
والحال هكذا جاء إلى سدّة الحكم حسن شيخ محمود الّذي في عهده تمّ تشكيل معظم الولايات الفيدرالية، إلاّ أنّ إدارته فشلت في تحديد نوع النظام السياسي الذي سيطبق عليه سكّان مقديشو.
ومما يزيد الأمور إشكالا وتعقيدا أن الدّستور الصومالي المؤقت لم يحسم أمر مقديشو، إذ جاء في إحدى فقراته أن مصير مقديشو سيتم تحديده عبر قرار توافقي لغرفتي البرلمان الصومالي، غير أنّه حتّى الآن لم يتم إصدار هذا القرار من قبل مجلسي البرلمان الصومالي بعد.
ويتساءل كثير من المتابعين الأسباب التي تؤدّي إلى عدم الاتفاق على نوع الإدارة التي تتولّى إقليم بنادر، حيث يشير البعض إلى عدد من الأسباب منها:
- أسباب دستورية: رغم أن الدّستور الصومالي المؤقّت يكلّف البرلمان الصومالي الإتيان بصيغة نهائية لنظام الحكم في مقديشو، إلا أنّه وبعبارة صريحة أخرى ينص على أن الإدارة الفيدرالية لا بدّ وأن تتكوّن من إقليمين على الأقلّ، وهنا، يعتمد المعارضون للتمثيل السياسي الخاص لسكّان بنادر على هذا البند، إذ إن إقليم بنادر إقليم واحد مما يجعله دستوريا غير قابل لتكوين إدارة محلية خاصة به، إلاّ أنّ الساعين إلى تكوين إدارة خاصة لإقليم بنادر يتمسكّون بالبند الّذي يكلّف البرلمان الصومالي بالبحث عن صيغة إدارية توافقية يمكن من خلالها إدارة إقليم بنادر.
- أسباب اجتماعية: وبما أن مقديشو عاصمة الصومال، فهناك رأي يعتقد بكونها للجميع، مما لا يسمح بتكليف فئة معيّن من سكّانها لتدبير شؤون العاصمة إذ إنها ملك للجميع وليست كالأقاليم الأخرى التي ينتسب إليها بعض القبائل أو المجموعات العرقية المتقاربة. لكن في المقابل هناك من يرى أن إقليم بنادر كغيره من الأقاليم الصومالية، مما يعني وجود قبائل تنتمي إليه، والتي تستحقّ أن تستقلّ بإدارة إقليمها كبقية الأقاليم وأن تجد – أيضا- تمثيلها السياسي في الإدارة المركزية، حيث إن بقاء مقديشو بدون إدارة مستقلّة من الأسباب التي جعلتها تعيش في الاضطرابات السياسية والأمنية، كما يعتقد النائب في البرلمان الصومالي السيد يوسف إبراهيم كبالي الّذي يرى أن وجود إدارة سياسية خاصة لأهل مقديشو تساعد على استتاب أمن العاصمة وازدهارها، حيث إنّه إذا وجد هذه الإدارة فمعنى ذلك أن هناك جهة يتم المحاسبةعليها في التقصير عن الواجبات المنوطة بها، أمّا إذا لم تكن هناك إدارة خاصة تتولّى مسؤولية العاصمة ، فمن الصعب التغلّب على التحدّيات والاضطرابات الأمنية التي تشهدها العاصمة منذ سقوط الدولة العسكرية، وذلك بسبب إهمال الكلّ وتقصيره عن واجباته تجاه الملكية العامة، حسب رأي يوسف كبالي النائب في البرلمان الصومالي.
- أسباب سياسية: يرى كثير من المتابعين أن من أهم الأسباب التي تمنع وجود إدارة ذاتية في إقليم بنادر أسباب سياسية حيث إن المسؤولين الكبار في الحكومة الفيدرالية الحالية لا يريدون البتّ في هذه القضية، ويعزي بعض المتابعين إقالة رئيس بلدية مقديشو السابق السيد ثابت عبده أحمد إلى أفكاره ونشاطاته الساعية إلى إنشاء نظام حكم خاص لإقليم بنادر حتّى يتمّ منافسته مع الأقاليم الإدارية الأخرى في البلاد، مما جعل ثابت يفقد منصبه كرئيس لبلدية مقديشو وعمدة لها.
تلك هي أهم الأسباب التي تؤدّي إلى عدم تحديد النظام السياسي الّذي تتبعه إدارة إقليم بنادر، وإنّه ليجدر بنا في هذه العجالة الإشارة إلى المنافسة القوية التي يبذلها أفراد مدعومون من مرجعيات وأفكار سياسية مختلفة إلى الحصول على منصب محافظ إقليم بنادر وعمدة العاصمة مقديشو الشاغر منذ وفاة المهندس يريسو رئيس بلدية مقديشو السابق والّذي توفي أوائل هذا الشهر متأثرا بجروح أصابته في تفجير انتحاري استهدف مقرّ بلدية مقديشو في 24/يوليو- تموز الماضي، والذي أودى بحياة مسؤولين كبار في إدارة إقليم بنادر، ومن الممكن تعيين عمدة جديد بأسرع وقت ممكن، وذلك لئلاّ تستمر النزاعات السياسية حول التمثيل السياسي لسكان مقديشو، والتي تدور بين الشركاء والفرقاء السياسيين.
ومهما يكن من أمر فإنّه أمام السلطات السياسية والمرجعيات القبلية في الصومال وخاصة في مقديشو الإتيان بصيغة نهائية تحفظ لمقديشو مكانتها السياسية ومنزلتها الدستورية، وذلك بدراسة أحوال عواصم الدول العالمية الفيدرالية ومنزلتها السياسية كواشنطن في الولايات المتحدة الأمريكية، وأوتاوا في كندا، وبرلين في ألمانيا، مع الاهتمام بعدم الاعتداء على حساب سكّان مقديشو الأصليين منهم وغير الأصليين.