يعود تأسيس تنظيم أهل السنة والجماعة في الصومال إلى عام 1991 وأشرف على إنشائه الجنرال الراحل محمد فارح عيديد الذي كان يعتبر الطرق الصوفية قوة مضادة للحركات الإسلامية الجهادية[1]، مثل الاتحاد الإسلامي الذي كان برز في ذلك الفترة في الساحة الصومالية كقوة منافسة محتملة ، وبعد مقتل جنرال عيد في احدى جولات الحرب الأهلية بالعاصمة مقديشو عام 1996، ضعف الدور السياسي والعسكري للطرق الصوفية مقابل صعود لافت للجماعات الإسلامية المتشددة.
ظهر تنظيم أهل السنة والجماعة (ASWJ) مجددا في مقديشو وفي بعض الأقاليم الجنوبية عام 2008 وأعلن مشاركته في الحرب ضد حركة الشباب المتشددة متحالفا مع قوات بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال وقوات الحكومة الفيدرالية عندما دمرت المقابر الصوفية على البلاد على أيدي جماعات سلفية متطرفة[2].وتمكنت قوات تابعة للتنظيم من السيطرة على مناطق شاسعة في جنوب وسط الصومال.
أيديولوجية التنظيم
يعتبر بشكل عام تيار إسلامي معتدل ومتعاون مع الحكومة الفيدرالية ويحمل أيديولوجية إسلامية أصلية غير عنيفة ويضم ثلاثة طرق صوفية : القادرية ، الصالحية ، والأحمدية.
تصنف وزارة الخارجية الأمريكية تنظيم أهل السنة من القوى الإسلامية المعتدلة وحليف كبير ضد الحرب على الإرهاب في الصومال وضد حركة الشباب ، و لديه علاقات وثيقة مع أديس أبابا وقواتها العاملة ضمن بعثة الإتحاد الإفريقي (أميسوم)[3].
وقد نشط تنظيم أهل السنة في السابق في مجالات الوعظ الديني لإعادة إحياء دور الطرق الصوفية الاجتماعي وتوحيد الطوائف الدينية الصوفية ، لمواجهة الجماعات المتشددة المناهضة للصوفية مثل الاتحاد الإسلامي وحركة الشباب. ومع ذلك ، أدت الهجمات التي شنتها تلك الجماعات في النهاية إلى القيام بحمل السلاح. يؤمن التنظيم أن تفسير الإسلام الذي تتبناه الجماعات الإسلامية الأخرى فاسد وغير شرعي، ويسعى إلى هزيمة الشباب والمجموعات المماثلة وكذلك حماية الطرق الصوفية في الصومال[4].
الدور السياسي لتنظيم أهل السنة والجماعة
ومن الملاحظ في تاريخ صوفية الصومال، أنّه لم يكن لها عبر تاريخها الطويل تنظيم سياسي أو عسكري واضح يساهم في وضع القرارات المصيرية، وإن كانت هناك بعض الجهود الفردية والتي كانت تسعى إلى محاربة الاحتلال، مثل تحرّكات السيد محمد عبدالله حسن، والشيخ حسن برسني ضدّ الاحتلال الأوروبي والحبشي في البلاد وأفراد دعمت بقوة نظام الرئيس الراحل محمد سياد بري.
لكن وبمرور الوقت احتاجت الطرق الصوفية إلى تثبيت وجودها في الصومال فغيّرت من أساليبها الدعوية التي كانت أساليب تقليدية تتمثّل في تأسيس الزوايا وتدريس العلوم الشرعية والعربية، وغيّرت النمط الدعوي التقليدي بنمط دعوي حديث يتمثّل في تأسيس المعاهد والمدارس والجامعات لمواكبة تغيّرات الحياة.
خاض هذا التنظيم حروبا شرسة في وسط الصومال ضدّ حركة الشباب وكان أحد الداعمين الرئيسين للرئيس السابق شيخ شريف، مما أدّى إلى سيطرة التنظيم على معظم المناطق التي دارت فيها الحروب بين حكومة شيخ شريف وحركة الشباب، وهذا ما استدعى انتباه المحللين حيث تساءلوا عدّة أسئلة من بينها: من أين يجد هذا التنظيم الدّعم العسكري الّذي يتمثل في التّدريبات والذخائر والأسلحة؟ ورغم أن التنظيم أشار في أكثر من مرّة إلى أنّه قوّة شعبية تابعة للحكومة الصومالية أنشأها المجتمع لمحاربة حركة الشباب، إلاّ أنّ كثيرا من المتابعين توصّلوا إلى نتيجة أنّ التنظيم قوّة سياسية وعسكرية ذات انتماء ديني انضمت إلى الجماعات والحركات الإسلامية المسلّحة في الصومال، في حين أن البعض الآخر من المحللين رأوا في التنظيم أنّه واجهة سياسية وعسكرية أسستها قوى إقليمية ودولية لمحاربة حركة الشباب من الدّاخل والقضاء عليها وهذا أمر تنفيه قيادة أهل السنة بقوة.
في عام 2010 ، انضم التنظيم إلى الحكومة الفيدرالية الانتقاليةمع توقع منحهم مناصب وزارية ، لكن ليس كل الأعضاء أيدوا هذه الخطوة وشكا البعضمن نقض الحكومة وعدهاوتراجعها عن العرض المقدم للتنظيم.
وفي عام 2013 أعلنت الحكومة الصومالية وتنظيم أهل السنة على انضمام قوات أهل السنة إلى الجيش الصومالي وإعادة تأهيلهم في قاعدة 21 للجيش الصومالي بحضور قائد أركان القوات عبد الرزاق خليف علمي.
أبرز الحروب التي خاضها التنظيم ضد حركة الشباب
- معركة جالكعيو: في شهر نوفمبر عام 2008 ، اندلع قتال عنيف في منطقة جالكعيو في وسط الصومال وخصوصا في بلدة غوراسيل ، على بعد 263 ميلاً إلى الشمال من مقديشو ، وانخرطت حركة الشباب في قتال عنيف معتنظيم أهل السنة وبعد معركتين متتاليتين، فقدت حركة الشباب السيطرة على البلدة.
- في 25 كانون الثاني (يناير) 2009 ، تقاتل الطرفان مرة أخرى، هذه المرة في العاصمة الإقليمية الاستراتيجية طوسمريب ، على بعد حوالي 310 أميال شمال مقديشو، هُزمت حركة الشباب مجددًا في قتال قصير استمر بضع ساعات. كما فقدت السيطرة على المدينة.
- شارك تنظيم أهل السنة عام 2011 إلى جانب القوات الصومالية وقوة بعثة الاتحاد الإفريقي في القتال ضد حركة الشباب في مقديشو وساهم بقوة في طرد الحركة من العاصمة مقديشو.
- خاض التنظيم أيضا معارك عنيفة ضد حركة الشباب في أقاليم جوبالاند وجنوب غرب الصومال
تنظيم أهل السنة في جلمدج
يعتد تنظيم أهل السنة والجماعة في ولاية جلمدغ من أقوى التنظيمات الصوفية المسلحة وبرز إسمه في الواجهة بعد عام 2013 عندما شهد دور تنظيم أهل السنة والجماعة في المشهد السياسي والعسكري الصومالي تراجعا ملحوظا وبات منحصرا في المناطق الوسط بالبلاد، حيث استطاع التنظيم أن يقيم نظاما إداريا مستقلا في المناطق التي تقع تحت سيطرته، وتمرد على الحكومة الصومالية في مقديشو وكان في خلاف مستمر مع جميع الحكومات الفيدرالية التي عاصرها، وقد وصل الخلاف في بعض الأوقات إلى مواجهات عسكرية.
دارت عام 2015م وخلال تأسيس إدارة غلمذغ معارك عنيفة بين قوات حكومية وقوّات التنظيم، انتهت بعدم مشاركة التنظيم في نظام غلمذغ الّذي أسسته حكومة حسن شيخ محمود في 2015م، وهذا ما أدّى إلى ظهور نظامين إداريين في ولاية جلمذغ، فالمناطق التي كانت تحت سيطرة تنظيم أهل السنة والجماعة ومن بينها مدينة طوسمريب عاصمة الولاية ، كانت تتمتع المدينة بحكم شبه ذاتي يتولّى تنظيم أهل السنة والجماعة شؤونه الإدارية، في حين أن المناطق التي كانت تحت سيطرة الحكومة الاتّحادية، كان يتولى شؤونها الإدارية عبدالكريم حسين غوليد الرّئيس السابق لولاية جلمذغ واتّخذ من عدادو عاصمة مؤقّتة لإدارته.
استمرّ الوضع في جلمذغ هكذا حتى استقال عبدالكريم حسين غوليد من منصبه بسبب خلافات داخلية بين أركان نظامه، وكان ذلك في 2017م، وجرت انتخابات رئاسية في الولاية فاز فيها أحمد دعالي حاف وتصالح مع تنظيم أهل السنة والجماعة فيما عرف لاحقا باتفاقية جيبوتي والتي بموجبها أصبح تنظيم أهل السنة والجماعة شريكا أساسيا وقويا في إدارة غلمذغ حيث اختير الشيخ أحمد شاكر رئيسا لحكومة غلمذغ، كما تم الاتفاق أيضا على أن تكون عذاذو مقراّ لبرلمان ولاية غلمذغ، بينما تكون طوسمريب عاصمة للولاية.
لكن الخلافات التي كانت بين الحكومة الاتّحادية والرئيس أحمد دعالي جيلي حاف أدى إلى صراع بين شركاء الحكم في الولاية وانحياز تنظيم أهل السنة والجماعة إلى جانب الحكومة الاتّحادية، حيث قام باستضافة رئيس الوزراء الصومالي حسن علي خيري مطلع يونيو الماضي، ووافق على إجراء انتخابات رئاسية في غلمذغ، كما وافق أيضا على دمج قواته بالجيش الصومالي، وأن تتولّى الحكومة الصومالية أمن مدينة طوسمريب عاصمة غلمذغ.
يبدو مما سبق أن تنظيم أهل السنة والجماعة في غلمذغ يهدف إلى أن يبقى – على الأقل- شريكا قويّا وفعّالا في إدارة غلمذغ، كما يسعى أن يكون له تأثير في السياسة العامة للحكومة الاتّحادية، لكن في المقابل، يبدو أن الحكومة الاتّحادية ترغب في القضاء على تنظيم أهل السنة والجماعة سياسيا وعسكريا، حيث يفسّر بعض المحللين دمج مليشيات التنظيم بالجيش، ومطالبة تولّي الشؤون الأمنية لطوسمريب، محاولةٌ من الحكومة الاتّحادية لتخفيف تأثير تنظيم أهل السنة والجماعة في جلمذغ، وهذا ما يجعل التنظيم – حسب تفسيرات بعض المحللين- يسعى إلى بذل جهود جبارة للحيلولة دون تحقيق مطلب الحكومة الاتّحادية المتمثل بتخفيف تأثير التنظيم في سياسة جلمذغ.
ويقع مسعى حكومة خيري ضمن مشروعها الكبير الرامي إلى القضاء على جميع القوى والتيارات المناهضة لها سواء المسلحة أو غير المسلحة وبالوسائل الدبلوماسية أو الأساليب الخشنة وأن مشرعها نجح جزئيا في منطقة جنوب غرب الصومال وهي تحاول في انجاحه في المناطق الوسطى وقد قطعت بالفعل شوطا لابأس به نحو هذا الهدف، لكن كثير من المراقبين يرون أن الطريق طويل وأن تحقيق انتصار حاسم أمر بعيد المنال نظرا لتاريخ المناطق الوسطى التي كانت دوما مقبرة لأطماع وطموحات السياسيين الصوماليين.
المراجع
[1]https://rlp.hds.harvard.edu/faq/ahlu-sunna-wal-jamaa
[2]https://www.aljazeera.com/indepth/interactive/2018/06/armed-groups-somalia-180604110516975.html
[3]http://www.geeskaafrika.com/9417/somalia-the-emergence-of-ahlu-sunna-leader-as-a-regional-political-actor/
[4]http://web.stanford.edu/group/mappingmilitants/cgi-bin/groups/view/109
[5]https://www.hrw.org/news/2012/03/28/somalia-pro-government-militias-executing-civilians