تلعب مواقع التواصل الاجتماعي دورا كبير في تأثير مختلف جوانب الحياة المعاصرة، وذلك لسهولة استخدامها وكثرة روادها مما يسهل لها إيجاد أرضية صلبة في مختلف شرائح المجتمع.
ورغم الانتشار الواسع لمواقع التواصل الاجتماعي، إلاّ أنّه لا يوجد تعريف متفق عليه يبين ويحدد ماهية مواقع التواصل الاجتماعي، وعلى الرغم من ذلك فإن من بين التعاريف التي وضعت لمواقع التواصل الاجتماعي، هذا التعريف الّذي جاء في دراسة لسمية حوادسي، نشر على موقع مركز جيل البحث العلمي في 28/إبريل/2018م بعنوان جدلية دور مواقع التواصل الاجتماعي: بين نشر الوعي السياسي والاجتماعي وثقافة العنف والتطرف الإرهابي في المجتمع العربي، وهذه الدراسة تعرّف مواقع التواصل الاجتماعي على أنها “مجموعة من المواقع على شبكة الإنترنت ظهرت مع الجيل الثاني للويب ، تتيح التواصل بين الأفراد في بنية مجتمع افتراضي، يجمع بين أفرادها اهتمام مشترك، حيث يتم التواصل بينهم من خلال الرسائل أو الاطلاع على الملفات الشخصية ومعرفة أخبارهم والمعلومات التي يتعرضون لها، من خلال إطار برنامج أو تطبيق محدد يشتركون جميعا في استعماله”.
وإذا أمعنّا النظر في التعريف السابق لمواقع التواصل الاجتماعي فإنه يمكن الإشارة إلى أن مواقع التواصل الاجتماعي متعددة ومختلفة، وتصب معظم مهامها في توفير المناخ الملائم للتواصل بين الأفراد والجماعات التي تربطهم مصالح مشتركة سواء كانت اجتماعية، أو اقتصادية، أو تعليمية، أو دينية، أو غير ذلك، بهدف الاطمئنان على الآخر، أو التشاور في وضع خطط وتنفيذها سواء على مستوى الشركات والجماعت والأفراد والأصدقاء.
ومن أشهر مواقع التواصل الاجتماعي انتشارا واستخداما: الفيسبوك، تويتر، الواتس آب، فايبر، إنستغرام، تلغرام، إسناب جات، وغيرها، ويعدّ الفيس بوك الأكثر استخداما مقارنة بالمواقع الأخرى، حيث أن آخر الإحصائيات حول استخدام المواقع التواصل الاجتماعي في العالم العربي تشير إلى أن “هناك حوالي 90 مليون مستخدم لموقع فيسبوك في 22 دولة عربية، بنسبة قدرها 23 بالمائة من إجمالي عدد السكان وجاء موقع توتير في المركز الثاني بإجمالي عدد مستخدمين يقدر بـــــــــ50 مليون. أما من حيث نوع وأعمار رواد هذه الشبكات فإن عدد الذكور المستخدمين لهذه المواقع بلغ 65%، مقابل 35% من الإناث، كما تصدرت فئة الشباب التي تتراوح أعمارهم بين 15 و35 عامًا قائمة المستخدمين لتصل إلى 70% من إجمالي عدد رواد هذه المواقع في العالم العربي. كما تتصدر مصر قائمة الدول الأكثر استخدامًا لمواقع التواصل الاجتماعي بإجمالي 21 مليون مستخدم، بنسبة 25% من إجمالي عدد الرواد العرب، تليها المملكة العربية السعودية بإجمالي 9.8 مليون مستخدم بنسبة 12%، ثم يأتي العراق في المركز الثالث بـ 8.4 مليون مستخدم بنسبة 10%، تليه الجزائر بـ 8.2 مليون مستخدم بنسبة 9.5%، ثم الإمارات بإجمالي 5.7 مليون مستخدم بنسبة 5%، مقابل 4.5 مليون بتونس بنسبة 4.5% ثم الأردن بإجمالي 3.4 مليون مستخدم بنسبة 4%. كما أن الإحصائيات أشارت – أيضا- إلى تصدر الصومال وجيبوتي وجزر القمر، قائمة الدول الأقل استخدامًا لمواقع التواصل الاجتماعي، حيث بلغ العدد في الصومال 310 ألف مستخدم، وفي جيبوتي حوالي 88 ألفًا، وفي جزر القمر حوالي 41 ألفا”، كما جاء في دراسة لعدنان عماد بعنوان شبكات التواصل الاجتماعي والأسرة العربية: احذروا الدواء فيه سم قاتل، نشر على موقع ن بوست في 23/أغسطس/2016م.
أما تأثير هذه المواقع على الحياة العامة فذلك أمر جلي وواضح للعيان، فعلى سبيل المثال ساهمت هذه المواقع في تكوين الرأي العام في كثير من البلدان العربية حيث أن نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي استطاعوا أن يجعلوا منها منابر لانتقاد سياسات أنظمة شمولية في الوطن العربي تهاوت لاحقا كما حدث في كلّ من مصر وتونس، وليبيا وسوريا واليمن، حيث أن المتظاهرين كانوا يتواعدون عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ومن خلالها كانوا يقومون بتخطيط احتجاجاتهم، كما كانوا يستخدمونها لنشر آرائهم الثورية تجاه الأنظمة الشمولية في بلدانهم.
ورغم الإحصاء الأخير الذي أوردناه آنفا، والّذي وضع الصومال في قائمة الدول العربية الأقل استخداما لمواقع التواصل الاجتماعي، فإنه يظهر لمتابعي أوضاع الصومال أن مواقع التواصل الاجتماعي لها تأثير في حياة المجتمع الصومالي، وخصوصا فيما يتعلّق بالمشهد السياسي الصومالي المكتظ بالتقلّبات السياسية المفاجئة.
وتبرز تأثيرات مواقع التواصل الاجتماعي على المشهد السياسي الصومالي في كونها منبرا للتعبير عن الآراء السياسية: حيث يستخدمها معظم روادها على أنها وسيلة للتّعبير عن آرائهم السياسية، وقد يستوي في ذلك مسؤولوا الدولة ابتداء من أعلى شخص في هرم السلطة وانتهاء بأدناه، كما يستوي في ذلك منتقدوا الحكومة الصومالية من سياسيين مستقلين وأحزاب سياسية واجتماعية ودينية، حيث أن الكلّ ينشر على صفحاته الشخصية أو ضمن المجموعات النشطة والتي تهتم بقضايا السياسة الداخلية آرائهم تجاه معالجة القضايا السياسية الداخلية، وقد يتحولّ الإدلاء بالرّأي السياسي في بعض الحالات إلى ردود فعل جارحة بين المختلفين في الآراء مما قد يسبب قطيعة بين الأصدقاء وهذا يعدّ من مثالب الاستخدام السيئ لمواقع التواصل الاجتماعي.
وتستخدم مؤسسات الدولة الأمنية والسياسية والعسكرية مواقع التواصل الاجتماعي كوسيلة إعلام من خلالها تتصل مؤسسات الدولة بالشعب حيث تنشر هذه المؤسسات في بعض صفحاتها المخصصة للإعلانات، الجديد من برامجها، وخصوصا فيما يتعلّق بالوضع الأمني في مقديشو، حيث تنشر المؤسسات الأمنية، ومسؤولوا الإنجازات التي حققتها خلال فترة معينة من العمليات التي تستهدف إعادة الأمن إلى أرجاء العاصمة الصومالية.
ومن أبرز تأثيرات مواقع التواصل الاجتماعي في المشهد الصومالي أنّه يمكن فقدان شخص لمنصبه بسبب منشور نشره على صفحته في المواقع الاجتماعية، فعلى سبيل المثال تم إعفاء مدير مكتب وزير الخارجية الصومالية محمد عبدالله دول إثر تدوال نشطاء لتغريدة له على صفحته في تويتر ذكر في تغريدته أنّه لا يستبعد إقامة علاقات دبلوماسية بين الصومال والكيان الصهيوني، هذه التغريدة وحدها كانت كفيلة بأن يعزل من منصبه في وزارة الخارجية الصومالية.
ويعدّ الحكومة الحالية الحكومة الأكثر استخداما لمواقع التواصل الاجتماعي حتى وصفها بعض منتقديها بأنها حكومة شبكات التواصل الاجتماعي، وذلك لكثرة استخدامها لهذه المواقع سواء فيما يتعلّق بالإعلان عن تعيين مسؤولين جدد، أو بإعفاء الآخرين عن مناصبهم، أو بأيّ خطوة أخرى من الخطوات التي تخطوها في سبيل إدارة البلاد وقيادته نحو الهدف المنشود.
وقد وجد منتقدوا سياسات الحكومة الصومالية متنفسا في مواقع التواصل الاجتماعي حيث ينشرون على صفحاتهم ومواقعهم انتقاداتهم الموجهة للممارسات السياسية الحكومية، والتي يعتقدون أنها سياسات خاطئة، ويعدّ السياسي عبدالرحمن عبدالشكور المعارض البارز للحكومة الحالية ورئيس حزب وذجر من أكثر المستخدمين لمواقع التواصل الاجتماعي، حيث من الممكن القول أنه لا تفوته قضية من القضايا السياسية الداخلية إلا ويدلي بها تعليقه عبر صفحته في الفيسبوك التي يتابعها ما يزيد عن ألفي متابع، مما يعني أنه يسعى إلى التأثير على متابعيه سياسيا حتّى يتسنى له في الموسم الانتخابي الحصول على أصوات ربما تؤهله لتقلد منصب من مناصب الحكومة الصومالية، أو على الأقل إزاحة رموز النظام القائم من المشهد السياسي الصومالي.
وإلى جانب ذلك هناك فئات من المثقفين والسياسين المصلحين الّذين يستخدمون مواقع التواصل الاجتماعي للتأثير على المشهد السياسي الصومالي وذلك بتقديمهم لنصائح وتوصيات سياسية تخدم مصالح العباد والبلاد.
وقد يستخدم البعض مواقع التواصل الاجتماعي لإثارة النعرات القبلية والتفريق بين أبناء الوطن على أساس الولايات الفيدرالية حيث هناك صفحات للولايات الفيدرالية تنشر عبرها آرائها السياسية والفكرية وغير ذلك، والتي تنمي الانتماء القبلي أو الانتماء للولاية وهذا يساهم في تعميق المشكلة الداخلية ويقسم بين أبناء الوطن الواحد.
وختاما، ينبغي ترشيد استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، وذلك بنشر الآراء والأفكار البناءة، ومحاربة الآراء والأفكار الهدامة، والدعوات المضللة والتي تمس من عقيدة الشعب وانتمائه الديني وذلك بأسلوب علمي يقنع بالحجة والبرهان. كما أنّه ينبغي الابتعاد عن كل ما يزعزع وحدة الأمة وتماسكها، وينبغي أيضا محاربة القبلية والحزبية الضيقة عبر مواقع التواصل الاجتماعي لكونها وسيلة فعّالة ومؤثرة وسريعة في نفس الوقت، حيث يمكن أن يصل منشورا في أقل من ثانية إلى أكثر من ألف مستخدم لمواقع التواصل الاجتماعي، فينبغي الاستفادة من هذه الوسيلة بما يرجع نفعه على الشعب والوطن.