يحكى أن رجلا يدعى سعد بن مناة، كان متزوجا بأكثر من امرأة، وذات يوم رآى فتاة في غاية الجمال، تُدعى رهم بنت الخزرج، فأعجب بها، وتقدم لخطبتها والزواج منها. فلما تزوجها أنجبت له ولدا، سماه مالك، مما زاد من غيرة زوجات سعد، وصرن يكيلن لها الشتائم والسباب، حتى كن يقلن لها: يا عفلاء! فكانت رهم تبكي من وقع الوصف عليها.فأشار تعليها أمها أن تبدأ هي بمسبتهن، فلما اشتبكت مع إحداهن ذات يوم، قالت لها رهم: يا عفلاء! فأخذت تضحك،بدل أن تبكي، وتقول: “رمتني بدائها، وانسلّت”، أي سبّتني بما فيها وليس فيّ.ومن يومها، تداول النساء ذلك المثل.
فهذا المثل الذي يُضرب لمن يُعير صاحبه بعيب هو فيه، قدينطبق على الرئيس فرماجو، الفاقد -كما يبدو- للذاكرة السياسية التي تبقيه على قيد الحقيقة والواقع. فالرئيس الذي كان حتى في وقت قريب، معارضا لحكومة الرئيس حسن شيخ محمود، ويتهمها بالفشل في جميع الأصعدة، السياسية، والأمنية، والإقتصادية، سرعان ما تحوّل بطلا قوميا لم يتدنّس يوما برجس المعارضة، فهو ببساطة، ولد ساجدا، ولم يقل قطّ لا؛ إلا في تشهّده!، وحتى أن الصورة التاريخية التي جمعته بقادة المعارضة آنذاك في نيروبي، في 2016، والتقطتها عدسات الكاميرا في وضح النهار، وتحت ضوء الشمس، وهو يتوسط بين سفير الصومال السابق لدى كينيا محمد علي نور “أميرِكو” ورئيس بونت لاند الحالي سعيد عبدالله دني، متلبّسا بجريمة واضحة المعالم، ومكتملة الأركان، وهي “الخيانة الوطنية، والعمالة للشيطان وأعوانه”؛ إنما هي صورة مفبركة، عولجت في أحد استوديوهات هوليوود في كاليفورنيا، لغرض تشويه صورة الرئيس فرماجو، وأن من يقوم بنبش تلك الصور الآن، فهو حاقد، وخائن للدين والوطن.
الرئيس فرماجو، والذي لا يقبل أنصاف الحلول كما يقال، ربما هو منفصل كليا عن الواقع، إذ أن الدستور الانتقالي الذي أقسم عليه، يكفل لجميع المواطنين بالتساوي، في الفقرة الأولى في مادته العشرين، حق التجمّع والتظاهر سلميا، دون أخذ إذن من أحد. وبما أن الأحزاب السياسية وقوى المعارضة، جزء من نسيج هذا المجتمع، وليسو كائنات فضائية من كوكب زحل، فما المانع، وما العيب، في أن يجتمعوا في نيروبي، قبلة السياسيين منذ مؤتمر إيلدوريت، طالما أن إدارة الرئيس فرماجو، منعت من السياسيين المعارضين حق تنظيم مؤتمراتهم داخل العاصمة مقديشو، دون الحصول على رخصة من محافظة بنادر، ووزارة الأمن الداخلي! ألا يتنافى هذا الشرط التعجيزي، بالمادة العشرين من الدستور الانتقالي؟ وكيف سمح الرئيس لنفسه تعطيل هذه المادة، وهو المخوّل تطبيق كل مواد الدستور دون انتقائية؟ من أعطاه حق انتقاء بعض مواد الدستور دون غيرها؟ ومن أين استمدّ شرعية ذلك؟ وهل اشترط عليه أحد من قبل، أن يأخذ رخصة من وزارة الأمن، ومحافظة بنادر، عندما كان في صف المعارضة؟ لماذا الاتهام إذا بالعمالة والخونة للمعارضة السياسية، التي تمارس حقها المشروع في إطار الدستور؟ منذ متى صار التباين في الرؤى السياسية خيانة وعمالة؟ لماذا أدى الرئيس في الأصل قسَم اليمين على دستور يعطي المعارضة حق التجمع والتظاهر دون إذن من أحد؟ ألم يكن يعرف ذلك؟!
إن إطلاق التهم المعلّبة الجاهزة، للمعارضة السياسية، التي تمارس حقها المشروع، في إطار الدستور المعمول به حاليا، لهو إرهاب بالدرجة الأولى، يجب محاربته بكل الوسائل المتاحة. وما اجتمعت عليه قوى المعارضة وما أصدروه من بيان في ختام اجتماعهم في نيروبي، في الثاني والعشرين من الشهر الجاري، إنما هو حق مشروع، منصوص عليه في الدستور، وهو أيضا تأكيد لما هو مؤكد، بأن الحكومة الحالية، فشلت في ضبط الأمن، وانشغلت عن محاربة الإرهاب بالتضييق على المعارضة السياسية المشروعة، وتخوينهم، ومنعها من القيام بعقد مؤتمراتها داخل البلد،وقَوْلبة الولايات الفيدرالية بما يتناغم مع مصالحها، وإهمال المحادثات الثنائية بين الحكومة الفيدرالية وأرض الصومال، والتفكير في تمديد مدة الحكومة بعد انتهاء ولايتها، وشيطنة كل من يخالف سياسات الحكومة، واتهامهم بالعمالة والخيانة! وبالمناسبة، هذه التهم التي يرفضها الرئيس فرماجو، ويتحرق منها، هي ذات التهم التي كان يوجّهها لسلفه حسن شيخ، عندما كان في خندق المعارضة،الا ينطبق على مثلك يا سيدي المثل العربي “رمتني بدائها وانسلّت؟!”
فالحقيقة، أننا بحاجة إلى طهارة سابغة، تلج للجلد بعمق، ولا تترك أثرا للنجاسة العقلية، والروحية، فقد كدنا أن نتعفّن. يا إلهيّ!