التنافس القبلي : دراسة تابعة للصراع القبلي فى الصومال pdf
ثمت سؤال مشروع وهو : لما ذا نتحدث دائما عن دور القبيلة فى أى حديث عن السياسة فى الصومال ؟ ورغم مشروعية هذ السؤال إلا اننا قد لا نجد له جوابا مقنعا وموضوعيا ، فكل الامم والشعوب فى العالم تمارس السياسىة فى أطر تنظيمية كالأحزاب والتى عادة ما تستقطب ولاءاتها وأعضائها عبر أفكارها وبرامجها ذات الصلة بمصالح الأفراد والشعوب ، وتمتد الممارسات السياسية أحيانا إلي قوالب أخرى كالنقابات و إتحادات الطلاب وغيرها ، إذ ينتطم الأفراد عادة فى مؤسسة معينة توحدهم المصالح والاهداف المشتركة ، وقد تمارس فى قالب التيارات الفكرية كذلك لما يجمع المنتسبين اليها من مبادى وافكار ومصير مشترك ، وكلها أدوات مفهومة ومتعارفة عليها عالميا بين الأمم والشعوب المتحضرة . غير أن الأطر القبلية لايستسيغها أى إنسان متحضر كوعاء لممارسة السياسة لانها تدل ببساطة على التخلف ومفاهيم عصور ماقبل التاريخ ،وفقدان المبادئ ،وغير ذلك من المثالب . ومع ذلك نجد في الصومال أن السياسة ليس لها وعاء وأدوات سوى القبيلة فهى الوحدة السياسية والألية التى يتقاسم من خلالها السلطة ، والكل يلجأ إليها فى الوصول إلى المناصب سواء كانت سيادية او تنفيذية او تشريعية. ومعظم المناصب الدستورية العليا وإن وجدت إنتخابات صورية إلا أن تقاسمها يتم عبر محاصصات عشائرية معروفة، لايمكن الإطلاق عليها بالإنتخابات فى المعايير العالمية أو حتى مقارنة بتلك التى تحدث في الدول المجاورة .
البنية القبلية فى الصومال تشكل حقيقة إثثربولوجية وخاصية سوسولوجية ، ورغم ماشهدته الصومال من مظاهر التطوروالحداثة فى مناطق كثيرة فى الحقب التاريخية المختلفة ، إلا أن القبلية والبنية القبلية مازالت تحافظ على كيانها كبنية نفسية وثقافية تؤطر أنماط السلوط بما فى ذلك السلوك السياسى ولها نفوذ على الثقافة السياسية وتؤثر عادة فى القرارات المصيرية ، وقد زاد المجتمع في ذلك إنغماسا اثناء الحرب الأهلية ومرحلة الحكومات الإنتقالية وحقبة الدولة الهشة، وذلك كله بسبب تسييس القبيلة وأ ثننة السياسة إذا جاز هذا التعبير . وللأجابة على سؤال لما ذا نتحدث دائما عن دور القبيلة فى أى حديث عن السياسة فى الصومال ؟ يقال : أى حديث عن السياسة فى الصومال لن يكون بمعزل عن حديث القبيلة وقديما قال بعض علماء السلالات الأوربية مثل” Inrico ” واى م لويس : اذا اردت ان تفهم السياسة الصومالية فلا بد ان تفهم قبلها النظام العشائرى والقرابة فى الصومال ()
فمعرفة تسلسل النظام القبلى في الصومال ومناطق نفوذ كل قبيلة يقرب لك الفهم فى الخارطة السياسة والتجاذبات الحاصلة فيها والتى تلعب المحاصصات العشائرية فيها دور الأحزاب السياسية . ونظام القبيلة فى الصومال لا يمثل كله سيئات، اذ يجب التمييز بين القبيلة والقبلية حيث حيث تدل الأولى منطومة قيم ورابط بين الجماعة يوفر لها الحماية والمصالح وقد أفادت للمجتمع الصومال كثيرا فى حل خلافاته عبر هذه المنطومة . بينما الثانية هى المعنى الأخر للعصبية أوالعنصرية ولها مدلول هويوى . بمعنى انها تعطى الفرد الذى ينتمي إليها إحساسا أو إدراكا بانها تشكل له هوية قد تطغى على الهويات الأخرى بمافيها الهوية الوطنية .
تلعب القبيلة أدوارا مهما فى تقاسم السلطة فى الصومال ، كما تلعب دورا لايقل أهمية عن ذلك فى الصراعات التي تقوم من أجل الأ راضي أو الحصول علي إمتيازات فيلجأ الفرد غالبا إلى قبيلته لحمايه مصالحه ، ولذلك كانت العائلة عند الصومالي حماية في وقت الحاجة وعند الخطر وهي الضمان له حتي لايحد نفسه يواجه تقلبات الحياة وحيدا منفردا . ففي ظل شروط الدفاع والمعونة المتباذلة لعب النظام الأسرى دورا هاما للغاية فى الحياة الصومالية . ومن السمات الرئيسية لمجتمع البدوا الدية التي يدفعها أقرباء الشخص الجاني متضامنين تعويضا من الدم . ففي أى نزاع يحدث بشأن الماء والمراعي تتحد كل مجموعة متضامنة في دفع الدية متحملين مسؤولية مشتركة تجاه الجماعات الأخري(). هذه الأمثلة وغيرها أعطت النظام العشايري أهمية خاصة في المحتمع الصومالى ، وربما يغير الفرد أحيانا إنتسابه لقبيلة معينة إلى أخرى أكثر تأثيرا وقدرة فى توفير الحماية له ، ويحدث ذلك غالبا عند الأنتقال من منطقة معينة إلى أخرى . توجد هذه الممارسات في ربوع الصومال كافة ولكن بدرجات متفاوتة ، فقد تكثر فى الجنوب أكثر من الشمال ، وهو مايتطابق مع نطرية إبن خلدون الذى يعتبر أن رابطة النسب لاتنحصر في نطاق القرابة وحدها لأن الفرد قد ينفصل عن نسبه الأصلى وينتظم في نسب أخر، ويحدث هذا لأسباب عديدة ، وبحسب نطرية إبن خلدون منها :القرابة ،الحلف، والولاء والنسب ، ولهذا يوسع بن خلدون مفهوم النسب من معناه الضيق ويشمله الحلف والولاء حتى أنه يستحدث تعبير نسب الولاء () .
يوجد فى المجتمع الصومالي إيضا ظاهرة التعصب القبلي ولو بدرحات متفاوتة كذلك ، وقد ذكر بن خلدون :ان العصبية توجد فى المجتمع البدوي كما توجد لدى المجتمع الحضرى ، غير ان المجتمع البدوى يحتاج إليها أكثر من المجتمع الحضري ، وأن مصدر العصبية هى الحياة البدوية وما يعانيها أفرادها من حالة القساوة والشدة وطبيعة الحياة التى تتميز بالعنف والصراع من أجل البقاء () . واذا طبقنا هذه القاعدة على الصومال سنجد ان التعصب للقببلة تزداد كلما إتجهنا إلى الشمال وتقل درجة تأثريها كلما إتجهنا الى الجنوب ومرد ذلك أن كثير من القرى فى الجنوب قد تمدنت وفيها من التنوع العرقى والإثنى ما يؤهلها لمقومات المدنية من التعايش وقبول الأخر فى حين لا تجد ذلك القدر من التنوع العرقى فى الشمال وشمال الشرق والوسط ، إضافة الى أن المدن الكبيرة قد تريفت بسبب تأثير القبيلة ونفوذها السياسى فى اتخاذ القرارات المصيربة للمجتمع.
التنافس الذي حصل بين القبائل الصومالية أثناء الحرب الأهلية أخذ أكثر من منحى ولكن جله ان لم يكن كله يتشابه من حيث التنافس على السلطة والثروة وإقضاء الأخر و يمكن أن نقسمه إلى مراحل:
أولا: مرحلة التصادم :
للتصادم أسبابه الموضوعية كظاهرة شعوبية لكن الحالة الصومالية قد تكون كثيرة ومتداخلة وتتفاوت حسب المراحل، ولكن منذ ظهور الدولة الحديثة فى الصومال مع مطلع الستينات فى القرن المنصرم كان حضور السلطات الرسمية ضعيفا فى الأرياف والقرى النائية وكذا بعض المدن ، وقد حل محلها النظام القبلى السائد فيه مبدأ الصراعات التى تقوم بين الفينة والأخرى من أجل الكلاء والماء ، بجانب غياب الوعى الذى يقتضي التعايش والتعاون تحت وطن واحد ، هذه المشكلات وغيرها من عدوي الصراعات، إنتقلت إلي النظم الحديثة لاحقا لتدخل أى قبيلة مواجهات مسلحة مع القبائل المجاورة بهدف إقصائهم أو الحصول على مزيد من الإمتيازات لدى تقاسم السلطة والثروة . وبعد أن سقطت الحكومة المركزية فى الصومال عام 1991م بدأ الخلاف يدب فى جسم وهياكل الحبهات التي شاركت فى إسقاط النظام المركزى لتتطور لاحقا ألي نوع من التصادم فيما بينهم . كان عدد هذه الجبهات المسلحة ذات المليشيات القوية فى بداية الأزمة أو بالتحديد قبل إسقاط النظام ، وإندلاع الحرب الأهلية لا يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة ، حيث كانت تملك كل قبيلة من القبائل أو مجموعة القبائل الرئيسية جيهة واحدة فقط ،ثم حدثت إنقسامات داخلية وإنشطارات حادة داخل كل جبهة من الجيهات الرئيسية التى كانت ثمثل القبائل الرئيسية مثل : (USC) الممؤتمر الصومالى الموحد الذى كان يمثل قبائل هوية ، والحركة الوطنية الصومالية (SNM) التى كانت ثمثل قبائل اسحق ، والجبهة الديمقراطية للإتقاذ الوطنى (SSDF)التى كانت تمثل قبائل دارود، والحركة الديمقراطية الصومالية (SDM) التى كانت ثمثل قبائل دجل ومرفلى ()، إلي أن وصلت الأنشطارت درجة لايطاق .
كانت ملامح هذه المرحلة التسلح والمواجها ت العنيفة بين الحبهات الممثلة للقبائل بهدف السيطرة على أراضى واسعة من شأنها أن ترفع شأن القبيلة فى موقفها التفاوضى فى حالات التسوية بين القبائل والحصول على إمتيازات فى السلطة والثروة . ففى الشمال مثلا : شهدت هذه المنطقة إشتباكات عنيفة فيمابين العشائر الإسحاقية بسبب الخلاف على الموارد والسلطة ، جيث وقعت هذه الإشتباكات مرتين ، الأولى فى أكتوبر 1991م ، والثانية فى عامى 1994- 1995م .
وقد كانت الإشتباكات المسلحة الأولى فى جمهورية أرض الصومال إثر خمسة أشهر فقط من إعلان إنفصال إقليم شمال الصومال ، ومرد ذلك الإختلاف حول السلطة، إذ اشتأثرت عشائر معينة فى المناصب القيادية للدولة بحكم وجودها وكثرتها فى قيادة الحركة الوطنية ، والصراع على موارد ميناء بربرة الذى كان يخضع لسيطرة عشيرة هبر أول . وبدأت الاشتباكات بعد أن رفضت “عشيرة هبر اول” تقاسم حصيلة الجمارك الخاصة بالميناء مع العشائر الأخرى ، لأنها تمثل بالنسبة لهم مصدر دخل مهم ووحيد .
ولذلك قامت القوات الموالية للسيد : عبد الرحمن تور “عشائر جرهجس” بمهاجمة الميناء فى اكتوبر 1991م ، بحجة أنهم يتصرفون لمصلحة الدولة الوليدة . ومهما يكن من أمر كان من الممكن أن تتطور هذه الإشتباكات إلى حرب أهلية شاملة فى الشمال غير أن عددمن العوامل ساعدت للحد منها :
الأولى : أن الحركة الوطنية الصومالية كانت حسنة التنظيم وقادرة على إحتواء مثل هذه الصراعات بخلاف الجبهات فى الجنوب ، كما كانت تحظى بتأييد قوى من الشرائح الشعبية فى الشمال .
الثانية: ماساعد كذلك فى إحتواء الصراع الذى نشب بين العشائر تفعيل الأليات التقليدية لتسوية الصراعات والتى تأسس على التقاليد المحلية . إذ قام شيوخ العشائر بتكثيف جهودهم من أجل وقف هذا الصراع . بعد أن قامو بتنظيم مجلس كبير في مدينة الشيخ في سيبتمبر 1992م ، ونجحوا في إبرام إتفاق لوقف إطلاق النار بين الجانبين() .
أما شمال شرق الصومال : فقدنجت من الحرب الأهلية المدمرة لأسباب منها أن المنطقة متجانسة عرقيا وكانت الحبهة الديمقراطية لخلاص الصومال هى النتظيم الوحيد الموجود في الساحة، حيث فرضت نفوذها مباشرة على المنطقة وحالت دن وقوعها فى أسر الفوضى . ولكن مع ذلك هى الأخرى التى لم تسلم من الصراعات بين العشائر تارة فى التنافس على موارد ميناء بوصاصوا الشريان الإقتصادى لولاية بونت لاند ، وتارة فى المفاوضات التى اختلفت حولها كثيرا لبناء إدارة للولاية إلى أن تم إنشائها فعليافى عام 1998م، كمنطقة حكم ذاتى فى شرق ووسط البلاد.
تمتعت ولاية بونت لاند بأستقرار سياسى وأمنى حتى أغسطس عام 2000م ، وكان لها حكومة وبرلمان إقليمى وقوة شرطة ومؤسسات إدارية نوعاما مقبولة إلا أن نزاعا سياسيا انفجر فيها عند ماعقد مؤتمر قبلى فى حاضرتها جرووي ، وأختير العقيد : جامع على جامع خلفا للكونيل : عبد الله يوسف الذى انتهت فترة ولايته أنذاك . وهو الأمر الذى رفضه الأخير معتبرا العملية كلها محاولة إنقلاب ضده متمسكا بأن برلمان الولاية جدد له فترة الرئاسة لمدة ثلاث سنوات أخري. وبعد ما حصلت هذه المواقف المتباينة، أدت هذه التطورات إلى إنقسام الولاية بين الطرفين وتطورت إلى حرب مدمرة صارت الغلية للعقيد المتمرس فى الحرب السيد : عبد الله يوسف الذى تمكن فعليا من إجهاض محاولات خصمه بل وحسمه عسكريا وثم طرده من المنطقة (). ويضاف إلي المواجهات التى جرت في بونت لاند تلك التى حصلت بين جماعة الإتحاد الإسلامي وقوات الجبهة الديمقراطية للإتقاذ الوطنىي وبقيادة العقيد عبد الله يوسف التي انتهت بهزيمة الأولى لتكون الغلبة للثانية.
أما الوسط : فقد شهد نوعا من الحرب الأهلية التى بدت وكأنها إمتدادا للصراعات القبلية التقليدية بين القبائل القاطنة فى المنطقة لاسيما بين قبيلة ” هبرجدر” وقبيلة “مجريتين ” بعد أن تم تغذيته بطعم سياسي في الخلاف الدائر فى العاصمة حول مستقبل الدولة ونصيب كل طرف في الكعكة، ولكن سرعان ما تم تسويتها عبر مفاوضات بين شيوخ العشائر قد أفضت إلى وقف اطلاق النار.
العاصمة: فقد شهدت حروب مدمرة ، ففى 17 نوفمبر 1991م ، تطورت هذه الخلافات إلى حرب شاملة بين مليشيات الجنرال عيديد (هبر جدر) ومليشيات على مهدى (ابجال )داخل العاصمة مقديشوا .
استمر القتال بين الطرفين فى العاصمة قرابة اربعة اشهر وحصد خلالها حياة مابين 25ز000،- 30,000 نسمة ، إضافة الي مئات الألاف من الإصابات العقلية والنفسية والبدنية ، ونزح اكثر من ثلثى سكان العاصمة إلى المناطق الريفية والبدوية لتنقسم العاصمة بعدها إلى منطقتين :جنوب العاصمة التى تخضع لسيطرة الحنرال عيديد وشمال العاصمة التى تخضع لسيطرة على مهدى . التسويات حول إيقاف هذه الموااجهات الدامية كانت كثيرة ، وبعد شهر من إندلاع الحرب فى العاصمة صدر أول نداء من منظمة الوحدة الأفريقية تدعوا أطراف الصراع فى العاصمة إلى وفف الحرب ، وفي 21 ديسمبر ناشدت المنظمة المجتمع الدولى أن يتدخل فى الشئون الصومالية. ولمم تتوقف الحرب إلا عقب وساطة من الأمم المتحدة التى تمكنت من إقناع الزعمين المتصارعين فى العاصمة على توقيع اتفاقية وقف إطلاق النار فى 3 مارس 1992م ().
الجنوب وبطبيعته الجذابة والتنوع العرقى الحاصل فيه ظل مسرحا للتنافس القبلى لاسيما بين القبائل ذات النفوذ الأوسع فى الصراعات الصومالية الصومالية ، مما جعله فى حالة حرب دائم لا يستقر الأمر لفصيل معين ، اولقبيله بعينها وإنما يشتد الإحتدام بين القبائل وفقا للتقاطعات فى المصالح والصيغ فى التحالفات وخير مثال لذلك ماحصل فى مدينة كسمايوا من صراعات صفرية بين الفصائل الصومالية بدرجة أن أصبح الأمر ان المليشيات الفلانية تحكمها يوما ويتم طردها لتحل محلها اليوم التالي مليشيات أخرى تابعة لقبيلة علان ويتوالى المسلسل . فالمناطق الجنوبية الممتدة مابين مقديشو حتى الحدود الكينية هى المناطق الأكثر تأزما فى الصومال ، إذ ظلت تفتقر إلى سلطة سياسية مركزية ، وظلت مقسمة فيما بين فصائل متصارعة ، وهو ما تسبب فى غياب القانون والأمن وشيوع السلب والنهب والإختطاف من أجل الحصول علي فدية ،وقطع الطريق وسرقة المركبات وإستمرار عمليات إرهاب وتخويف السكان والمنظمات الدولية القليلة التى ظلت باقية هناك . وكانت مناطق الجنوب هى التي عانت من المجاعة المروعة عام 1992م ، وهى التي شهدت تدخلا دوليا خلال الفترة 1992م -1994م ، لتعود مجددا إلى حالة الفراغ السياسى فى فترة ما بعد التدخل الدولى ().
من المناطق التى تأثرت كذلك بالصراعات المتكررة منطقةجنوب غرب الصومال خاصة منطقتى باى وبكول إذ تناوب فى سيطرتها أكثر من جبهة ، سقطت تارة تحت سيطرة القوات الموالية للرئيس المخلوع سيادبرى والتي عاثت في الأرض فسادا، وتارة تحت سيطرة الحركة الديمقراطية إلى ان إستقر الأمر للقوات التابعة للجنرال محمد فارح عيديد والتى أدارت المنطقة عبر مليشيات لم يكن همها سوي القتل والعنف وإشاعة الفوضى واللصوصية الريعية ، مما أثار حفيظة أهالى هذه المنطقة والتى قررت عدم الرضوخ لتلك المليشيات لما مارست عليهم من عمليات نهب وسطو وفرض أتاوات على المواطنين ليكوّنو بدورهم مقاومة عرفت لاحقا بجيش الرحنوين للمقاومة .
ثمت أسباب كثيرة جعلت منظقة جنوب غرب الصومال مسرحا للأحداث طيلة الحرب الأهلية ومنها
ضعف التسلح وميل هذه العشائر إلى السلمية لمهنتهم الزراعية وكرههم لثقافة العنف إضافة إلىي غياب رؤية وقيادة موحدة الىي أن ظهرت جبهة المقاومة الرحنوينية RRA)) وبقيادة حسن محمدنور شاتى جدود التى قاتلت مليشيات حسين عيديد حتى أجبرتهم الإنسحاب من مدينة بيدوا فى عام 1999م . هذه الجيهة كانت تمثل بالدرجة الأولى قبائل “مرفلى أو الرحنوين” وتطلعاتهم رغم أنها خدمت وبلاشك لكل تطلعات مجموعات دجل ومرفلى ، ومايقوى مثل هذه النظرية أنها رفضت مواصلة القتال حتى تحرير إقليم شبيلى السفلى المهم والحيوي لإقتصاد جنوب غرب الصومال من قبضة مليشيات حسين عيديد ، متذرعة بحجج واهية خاصة عندما ألتقت مع قادة قبائل “دجل” الذين كانوا يعتبرون الجيهة بأنها ثورة أهل دجل ومرفلى كله لرفع المظالم عنهم . وعلى مستوى التصريحات ظلت قيادة الجبهة تصرح بأنها لن تساوم فى مسألة إقليم شبيلى السفلى بيد انها باتت مجرد تصريحات في وسائل الإعلام لاتمث صلة بالواقع ، ليظهر بعد في إقليم شبيلى السفلى حراك أخر سمى بجهة ” انقاذ دجل DSA))” وبقيادة العقيد :السيد على عبد القادر ، قاتلت هذه الحبهة بشراسة المليشيات القبلية فى محافطات عدة فى قريولي ، ومنطقة أوطيغلي وكذا مركة . وقد صرح المتحدث بأسم الجبهة فى مداخلات له فى إذاعة بى بى سى القسم الصومالي بأن الجبهة ثمثل مجموعة “دجل القاطنة فى الإقليم ” وانها إذ تحارب فالقصد من وراء ذلك هو تحرير هذه المناطق من قبضة المليشيات المسلحة التابعة لفصيل حسين عيديد .
أما مدينة كسمايوا ومينائها كانت على مدار الصراعات القبلية وجها يتجلى فيه بوضوح التنافس القبلي المشؤوم اذ تنافست علي سيطرتها الفصائل الصومالية بشكل جعل أحيائها خنادق للمواجهات الأمامية بين الأطراف المتصارعة و فرت منها القبائل المستضعفة كقبائل الباجون والبانتو حيث لجأو الي مدن لامو وممباسا فى كينيا .
ثانيا : مرحلة التشرذم:
الجبهات التي اسقطت النظام المركزى فى الصومال ، لم تستطع سد الفراغ لإقامة نظام بديل يتمتع بقبول شعبى بل شهدت إنشطارت أدت بدورها الى تمزق الكيان الواحد إلى كيانات مشتتة ، وبمجرد أن شهدت الجيهات المسلحة إنشطارات فى صفوفها حدثت تقاطعات ما بين هو سياسى وما هو قبلى ، وبطبيعة الحال ألت النتيجة تصاعد أزمة الصومال وتعقدها وتدويلها لاحقا. قد تكون سياسة الانقسام والاستقطاب أفضل وصف للاضطراب السياسي الذي حدث في عام 1991 . وفي الحقيقة فقد المجتمع الصومالى تماسكه الاجتماعي, وأصبح فريسة سهلة لتلاعب مليشيات أمراء الحرب والعصابات. كما أصبحت البلاد مقسمة إلى إقطاعيات صغيرة تخضع تماما لسيطرة مليشيات العشائر و على وجه الخصوص المناطق الريفية. وبالتالي أصبحت هوية العشيرة أو القبيلة الصيغة المهيمنة، مما يطغى على أي معنى للهويةالوطنية. ولم تتمكن أي عشيرة من حشد الطاقات البشرية اللازمة لملء الفراغ الأمني في البلاد(). إختلفت خصائص التطور السياسى والإقتصادى والأمنى فيما بين مناطق الصومال عقب سقوط نظام سياد بري ، حيث لايمكن إطلاق توصيف عام وشامل لجميع هذه المناطق . ففي شمال الصومال تم إعلان قيام دولة مستقلة يعرف ” جمهورية أرض الصومال ” وذلك فى مايوا عام 1991م . أما مناطق شرق شمال الصومال ققد اتجهت تحو تأسيس حكم ولائى يتمتع بحكم ذاتي ولكنه تحت لواء الصومال الموحد ، وقد حققت هذه المنطقة نوعا من الإستقرار النسبى بعد أن عانت من الصراعات العنيفة على السلطة بين السيد : عبد الله يوسف أول رئيس لولاية بونت لاند وبين معارضيه . وهذ الإستقرار الذى تتمتع به الولاية عز على الجيران بدأمن الوسط وانتهاء بالجنوب ، اذ بات الأخير مسرحا للفوضى والإشتباكات المستمرة بين الفصائل المتناحرة (). كنتيجة للتشرذم والانشطارات التي ضربت فى مفاصل جميع الفصائل المتنافسة فى إدارة المدن الهامة و الموارد والمنافذ البحرية ، وهو وجه من أوجه طبيعة الصراع القبلي فى الصومال حيث يبدأ فىي أول وهلة بدائرة كبيرة كأن يبدأ بين قبيلتين رئيسيين ثم يضمر بصورة سريعة ، ويتحول بعد ذلك إلى صراع داخلى بين عشائر كل قبيلة وبين الأفخاذ أشد عنفا وفتكا من السابق . ويتم هذا الصراع عبر ثلاث دوائر :
الدائرة الأولى : تتم عندما تشعر القبيلة بالظلم والإجحاف السياسى من قبل قببلة أخرى تتكاتف هذه القبيلة لمواجهة هذا الخطر المحدق بها ، وتشتد درجة تماسكها وترتفع غيرة العصبية والذود عن بيضةالقيبلة كل ما إشتد الصراع ، ولكن هذ التحالف ينهار بصورة سريعة عند زوال الخطر وإنتهاء الصراع سواء بالنصر اوالهزيمة . لتكون النتيجة بعدذلك الإختلاف فى أدارة المصير .
الدائرة الثانية: تحدث عند زوال الخطر الأكبر الذى يهدد الكيان الكبير للقبيلة ، يتحول التهديد الخارجي الي تهديد داخلى ، فتبدأ الافخاذ الكبيرة بتلويح العصى لإخضاع الأفخاذ الصغيرة لطاعتها والإنقياد لسياساتها تجاه جميع المواضيع المتعلقة بالقبيلة .
الدائرة الثالثة: إمتدادا للصراعات السابقة تشهد كل فخيذة صراعا داخليا إلى أن تبرز فخيذة قيادية لايكن حسم الأمر بدونها ، ولا يمكن أن يتم هذا الأمر بالتفاوض ولا بالتراضى ، بل لا بد من إستخدام القوة إلى ان يستسلم الخصم عسكريا ().
ثالثا: مرحلة اللاغالب ولامغلوب :
بعد عقد من الصراعات الصفرية والحروب العبثية بين القبائل الصومالية ، أدرك الجميع أن لاقبيلة بامكانها الحاق الهزيمة لقببلة أخرى . ولذلك بدأ السياسيون إستغلال القبيلية كمراكز قوى فقط ، وكانت هذه القناعات نابعة عن التجارب التى حصلت بين القبائل إذا استطاعت مثلا أن تهزم فبيلة معينة فبيلة أخرى، فسرعانما تبدأ المهزومة إقامة تحالفات من خلاله تحقق مكاسب عسكرية أو سياسية، وربما تخوض حرب عصابات مما بجبر الطرف المنتصر أن يتفاوض لتبدأ بذلك مرحلة تداخل السياسة بالقبيلة أو مابمكن أن يسمي توظيف القبيلة لصالح السياسة . وبذلك فقدت القبلية بريقها ولمعانها رغم وجود القبيلة والنزعة اليها أحيانا .