تعتبر الهجرة عنصراً هاماً من عناصر الدراسة الديموغرافية المرتبطة بتغيير حجم السكان، وهي تمثل مع الزيادة الطبيعية والتأثير المباشر في نمو السكان أيّ دولة من الدول في العالم، وتؤدي الهجرة إلى نقص حاد في الأماكن المغادرة، وتؤدي أيضاً نمواً سريعاً في الأماكن الوصول، وتعتبر الهجرة دولياً إذا كانت في خارج الحدود في الدولة الواحدة، ويعتبر الهجرة داخلياً إذا كانت في داخل الدولة الواحدة، بناءاً على ذلك فإنها تؤثر بطريقة مباشرة في خصائص سكان هذه المنطقة سواء من الناحية الديموغرافية والاقتصادية والاجتماعية، حيث يعتبر التغيير في التركيب العمري والنوعي في بعض الأحيان، وفي كل الأحوال بالنسبة للمهاجرين إجبارياً أو اختيارياً خارجياً أو داخلياً، أو تم انتقالهم بالأخلاء أو الإجلاء، أوكانت من اللاجئين، فإنها لاننسى أثر العوامل الجغرافية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية والديموغرافية المؤثرة بدرجات متفاوتة في حجم السكان، واتجاهات تحركاتها. كانت هجرات السكان ومازالت ظاهرة رئيسية للمجتمعات الأفريقية، ويرجع ذلك إلى ظروف القارة، وعدم توافر البيانات أو تسجيلات بإعادة التوزيع السكاني سواء كهجرة خارجية أو انتقال داخلي في الدولة الواحدة().
نرى في الآونة الأخير في الصومال موجات من الهجرات للشباب الصومالي إلى العالم الأوروبي والأفريقي ودول الخليج العربي، وعرض الشباب الخطر لحياتهم، وقطعوا مسافات طويلة لأجل هذا الغرض، وهلك البعض في طريقهم إلى العالم الأوروبي، وسلكوا في الطرق غير المعبدة وتسربوا في البلدان الأخرى بدون حمل تأشيرة الدخول()، وتلقى البعض في الطرق مشاكل عديدة، وخاصة في ليبيا والسودان التي مات فيها آلاف من الشباب الصومالي، وما نجا من الهلاك وقع في أيدي تجار البشر بين ليبيا والسودان، وكان هؤلاء ليبيين وسودانيين وصوماليين الذين يحترفون بسمسرة البشر، ويسمى عند الصوماليين (مغفيmagefe) وهذا المصطلح يعبّر عن أن هؤلاء عندهم حرفة في قنص المسافرين، وعرفوا جميع الطرق التي يمكن أن يسلكها الشباب المهاجرون، ويأخذون الفدية من المهاجرين الصوماليين والإثيوبيين وناس أخرى في شرق أفريقيا، ومَن الذي ليس عنده قدر من المال يتعرض للعقاب الأليم، حتى دفع أهله الفدية، ومَن نجا عن هؤلاء القراصنة يتعرض للهلاك الأكبر من الأخرى وهو البحر المتوسط والتماسيح البحرية، ويركب القوارب الصغيرة التي لاتستطيع أن تحمل إلا عدداً ضئيلاً، ويركب هذه القوارب أضعاف الحمولة وتتعرض القوارب للغرق وهلاك المهاجرين، كل هذه المخاطر يتعرض الشباب أنفسهم لتغيير حالاتهم الاجتماعية، وأدى هذا النزيف البشري ظروف اقتصادية للبلد والأيدي العاملة والدفاع الوطني، ويكون الشباب لاجئاً في مخيمات أوروبا أكثر من خمس سنوات تقريباً، وتهدر كرامته في هناك. أما أهم دوافع هجرة الشباب الصومالي إلى الخارج تكمن في النقاط التالية():
- الجهل: يعتقد الكثير من الباحثين أن الشباب إذا تعلم لا يهاجر ولا يخرج من الوطن، والجهل أصبح القاتل الوحيد في المجتمع الصومالي، وأدى الحروب الأهلية التي دمرت الصومال كلها، ولا يستطيع بعض الشباب لإيجاد فرص التعليم بعدم القدرة المالية لمشاركة التعليم، ويعد في الصومال من أفقر الدول في العالم، ولايوجد في الصومال مدارس حكومية ليلتحق البعض في التعليم، ولايوجد هيئات تعليمية مجانية في الصومال، ولايوجد أيضاً مؤسسات تدعم الشباب الصومالي ليأخذ نصيبه من التعليم، والتعليم في الصومال ليست حكومية بل هي من القطاعات الخاصة، وليس لدى الحكومة الصومالية برنامج تعطي الفرصة للشباب الصومالي الذين لايجدون فرص التعليم لعدم القدرة على دفع الرسوم، وكذلك لايوجد برنامج تنموي حكومي موجه إلى الشباب الصومالي.
- قلة الوازع الديني: كثير من الشباب الصومالي لا يتلقون العلوم الإسلامية في المساجد والحلقات العلمية، وهذه الأمر أدى إلى أن يفكّر الشباب الهجرة إلى البلدان الغربية، وذكر العلماء أن السفر إلى الدول غير الإسلامية لاتجوز إلا في حالات إستثنائية، لسفر أغراض دولية أوصحية أو تعليمية، وترى في أوساط عالم الشباب في الصومال يتحدثون أنهم سيسافرون في وقت ما إلى أوروبا، وترى أنهم يشغفون إليها، ويشبه أنفسهم شباب أوروبا، حتى في الزيّ وكيفية حلاقة الرأس. ونسوا الحديث النبوي الذي قال فيه النبي(من تشبه بقوم فهو منهم).
- البطالة(): تعتبر العمل الهدف الأساسي للإنسان لضمان حياته واستمرارها فقيمة الإنسان لاتتحدد إلا بالعمل، والإنسان يقفد كرامته إذا كان بدون عمل، فالعمل يضمن الحياه الكريمة للإنسان وللأشخاص، فلنا في رسول الله قدوة حسنة فهو كان يعمل تاجراً كذلك كان راعياً وأصحابه أيضاً كانوا يعملون فأبوبكر رضي الله عنه كان يعمل راعياً للجمال وعمر بن خطاب رضي الله كان خياطاً، والرزق لايكون إلا بالعمل لقوله تعالى، (فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثرا لعلكم تفلحون)(). وذكر العالم أبو حامد الغزالي البطالة عند المسلمين إن الأنشطة الاقتصادية والصناعات تحتاج إلى تعليم ومكابدة في الصبا، وإذا غفل بعض الناس عن القيام بذلك في بداية عمرهم أو منعهم من ذلك مانع، فالنتيجة تكون أن يصبحوا عاجزين عن العمل، فيأكلون من عمل غيرهم، فيكون عالة على الغير، وإذن هم عاطلون، وقد أظهر أبو حامد أن هناك علاقة بين البطالة والعديد من الانحرافات والاضطرابات().
وهذه البطالة أوالعطالة أدت إلى هجرة الشباب الصومالي إلى الخارج، و قلة القوة العاملة، والقوة الدفاعية، والقوة المنتجة، ويوجد في مقديشو عاصمة الصومال شباب في مرحلة الانتاج ومتعلمون يتسكعون في الطرقات ويجلسون في المقاهي وفي المنتديات ولاعمل لهم، مع أنهم في مرحلة الإنتاج، وبعضهم يحملون الشهادات العليا والجامعات().
- الظروف الأمنية: أدت الظروف الأمنية في الصومال إلى هجرة بعض الشباب في المجتمع الصومالي، وخاضت الصومال حروباً طاحنة منذ انهيار الحكومة المركزية في التسعينيات من القرن الماضي، ووقف المؤسسات التعليمية في الصومال، وكان كل فرد صومالي يفكر إذا خرج من بيته هل سيتعود وهو سالم، وأدت هذه هجرة العقول والمتعلمين من الصومال إلى الخارج().